مواضيع اليوم

المسؤولية الاجتماعية وهجرة الحضارم … مقال د. عبد الله مرعي بن محفوظ

رشيد القحص

2009-06-23 18:12:48

0

يعيبُ عليّ بعض الزملاء الأفاضل أنني دائماً أستشهد بالأسماء في مقالتي، ما يعطي إيحاء في بعض الأحيان بأنني أسعى إلى تكريم شخصية وطنية على حساب القارئ، وأقول للزملاء الكرام أولا: إنني أحب الصالحين ولست منهم, لعـــلـي أنال بهم شفاعة. ثانيا: إنني أستشهد بالأحياء دون الأموات حتى تكون رسالتي تعبيرا عن وقائع وأحداث نستفيد منها ونستطيع أن ننقحها من الخطأ والسهو والنسيان إذا لزم الأمر.

وأريد من خلال جريدة “الاقتصادية” أن أنقل لشباب الأعمال وقائع تجربتي مع المسؤولية الاجتماعية التي بدأت من عضوية مجلس إدارة غرفة جدة، ففي أول اجتماع كان الأعضاء يوزعون الابتسامات الخفيفة وينظرون إلى الأوراق بتمعن وحديثهم هادئ، وهكذا الأمر في الاجتماعات اللاحقة كلها أمور مالية ولكنها بعيدة عن صغار التجار أو المستهلكين، ولكن التغير بدأ مع صالح التركي، والملاحظة الأخرى تكاد تكون من عضو مجلس الإدارة محمد عبد اللطيف جميل، الرجل الهادئ المتواضع الذي يسجل ملاحظات الاجتماعات في ورقة صغيرة ويتفاعل أكثر مع المواضيع الخيرية والاجتماعية.

فكلما نظرت إليه في الاجتماع أقول في نفسي ماذا يستفيد رائد الأعمال الاجتماعية من عضوية غرفة جدة؟ بل ماذا يستفيد كل من محمد الفضل وصالح بن لادن ومازن بترجي من وجودهم في عضوية الغرفة التجارية؟ العجب تبدد في الاجتماعات اللاحقة، حيث تبين أن لكل منهم هدفا عمليا وخيريا خلاقا يسعى خلفه في صمت تارة، وتارة أخرى يشارك بها بقية الأعضاء والموظفين لتخرج في النهاية منتجا قابلا للتطبيق على أرض الواقع مثل مشروع الصيادين وإطلاق سراح صغار التجار من المعسرين والتأمين التكافلي لصغار المشتركين وصندوق دعم المشاريع الصغيرة.

قررت حينها أن أحذو حذوهم، ولكن ليس معهم ولكن مع إخواني الدكتور محفوظ والمهندس محمد والعمل معا لتأسيس منتج عملي واجتماعي ذات قيمة مضافة في المجتمع الذي نعيش فيه، وأول عمل لنا مع أقربائنا هو تأسيس مؤسسة كندة الخيرية لتعليم الشباب ومساعدة المتميزين على إكمال دراساتهم العليا.

ومع الأيام أصبحت غرفة جدة (بيت الأعمال) وليس التجارة والصناعة فقط، ومن غرفة جدة تعرفت على مجموعة من شباب الوطن أمثال: خالد الفاضلي, طراد الأسمري, منصور النميس, وهوازن شاهين, الذين وجدتهم يبتكرون أعمالا تخدم المجتمع المدني تجارا ومواطنين، يقدمونها مجاناً إلى رجال الأعمال مقابل إنتاجها بمنتج نهائي لصالح المجتمع، وجدت فيهم قلوبا وطنية تعمل من منازلها تسعى إلى أن تكون قيمة مضافة للمجتمع السعودي. وهكذا أصبحت غرفة جدة تأخذني من التجارة إلى وسط مجموعة رائعة من المجتمع، كل شخص فيهم يريد أن يخدم ويقدم عملا تجاريا ولكن بصورة إنسانية، والأفكار أصبحت تتوالد بعد كل عمل ينجز.

وآخر الأعمال كان مشروعا مشتركا بثتها قناة “العربية” الإخبارية خلال الأيام الماضية، وقصته كانت نتاج فكر مع أصدقائي في حزيران (يونيو) 2006، كنا نحاول أن نبتكر منتجا اجتماعيا أمام هؤلاء العمالقة، وبعد مداولات وآراء مختلفة، قال لي الصديق مجدي وعدو: لماذا لا تحول فكرة الكتاب الذي اقترحه الزميل محمد سمان عن حضارم السعودية إلى فيلم وثائقي وليكن عن “هجرة الحضارم”، ومن خلال الفيلم الوثائقي قدمت رسالة التقارب الاجتماعي والتاريخي في المنطقة العربية بهدف سام.

هنا قررت أن أمضي في هذا المشروع، وسعيت في البداية أن آخذ رأي مجموعة من كبار السن في عائلتي وأقربائي للنصيحة والمشورة، فوجدت الإجابة سلبية لأن خوفهم من ردة الفعل السياسي أو الاجتماعي أكبر، ما سبب لي قلقاً من أن أتسبب في إحداث مواجع للقوم فعندهم قاعدة أساسية في حياتهم وهي (قع نملة وكل سكر).

تركت هذا العمل التاريخي مع أن المشجع الوحيد كان العم محمد عبود العمودي الذي أرسل لي 50 ألف دولار دعماً للمشروع، وقلت للمنتج مجدي وعدو مقبولة ولكنها مؤجلة وتعذرت بضخامة الميزانية للفيلم التي قاربت 800 ألف دولار، بعدها بشهر كنت أترأس أحد الاجتماعات الفرعية لمؤسسة كندة الخيرية، وكنا نراجع أسماء المبتعثين إلى ماليزيا استعدادا لما بعد صيف 2006، فسمعت ضجيجا في خارج قاعة الاجتماع، حيث كان أحد الطلبة (الحضارم) يقول أنا معدلي 98 في المائة، ولا يحق لكم منعي من الدراسة، لأنني لستُ من عائلة بن محفوظ، وكان يصيح ويقول لهم إن أجدادي شيوخ المنطقة حين كانت قبائل بن محفوظ تلتحف السماء في جبال الهجرين جوعاً، خرجت من القاعة وقلت للموظفين اتركوه، فقد صدق ابن الأكرمين ولكن خانه التعبير! وقلت له وفي قلبي (غصة).. ليس مما قاله عنا.. ولكن كيف يحرم الطالب المتميز من التعليم ونحن أهله وربعه؟ فقلت له: طلبك مجاب ومكانك بريطانيا العظمي تقديراً لعلمك.

وبعد شهرين من ترتيب أوراق البعثة قدم إليّ يودعني قبل أن يغادر لدراسة الطب في جامعة Birmingham، وأهداني كتابا للبروفيسور انج هو بعنوان (قبور تريم) صادر من جامعة هارفارد, وقال لي إذا كانت جامعة أمريكية عريقة تقدر تاريخ الحضارم وهجرتهم في العالم الإسلامي ألستم أنتم أولى بها؟ فقلت له: بماذا تنصحني؟ قال ترجم هذا الكتاب إلى العربية، فقلت له لا والله ليس هذا فقط، بل سأنتج فيلما وثائقيا عن هجرة الحضارم بفكر عربي وروح إسلامية، ولن أنظر بعد اليوم إلى الحواجز الاجتماعية ولن أتخوف من السياسة العربية.

ختاما: أنا مواطن سعودي أخاطب في هذا الفيلم الوثائقي “الضمير العربي” وأنشد في رسالتي الهمم وأدعو الشباب إلى روح التآلف والتعاضد، وغايتي رسالة صادقة إلى كل مهاجر عربي في الأوطان الإسلامية والغربية، أقول لهم إنكم سفراء للرسالة المحمدية ودستوركم دين إسلامي عظيم عنوانه: “السلام والمحبة” .. أقدمه لكم في نموذج صغير اسمه (هجرة الحضارم).




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !