كان يوم يوم تأبين المرحوم منصور الكيخيا في طرابلس وبنغازي يوم حزن لي فقد عرفت الأخ منصور في القاهرة عندما كنا ندرس في المدرسة الثانوية في الخمسينات فقد كان هو وطلاب من برقة في حلوان وكنا نحن طلاب طرابلس في المعادي . ثم توطدت علاقتنا لما دخلنا الجامعة فقد كان هو في كلية الحقوق وكنت أنا في كلية التجارة جامعة القاهرة . وقد تخرج الأخ منصورسنة 1954 قبلي بسنتين ، ولما رجع إلى طرابلس أرسل إلى باريس لمواصلة دراسته العليا ثم رجع إلى ليبيا سنة 1956 وكنت قد تخرجت من كلية التجارة في نفس السنة فعيينا في وزارة الخارجية معا . وكنا نتلاقى في الجامعة وخارجها وكان منصور رحمه شعلة من النشاط السياسي وعلاقاته بالطلاب العرب . كانت القاهرة في فترة الخمسينات تعج بالأنشطة الحزبية العربية البعثية القومية والشيوعية والأخوان المسلمين . وكان الطلاب العرب ينضمون إلى هذه الأحزاب زمرة ووحدانا ، وكان الأخ منصور منضما إلى حزب البعث أما أنا فكانت تربطني بالطلاب الأخوان المسلمين علاقة صدافة ولكني لم إنضم الى تنظيمهم رسميا لأني لم أكن أومن بالحزبية حتى أختفوا نهائيا في السجون بعد حملة عبدا الناصر على الأخوان المسلمين . وإستمرت علاقاتي مع منصور في وزارة الخارجية ثم نقلت أنا إلى لندن ونقل هو إلى الجزائر وباريس ورجعنا في سنة 1963 إلى وزارة الخارجية في مدينة البيضاء حيث كنا نسكن معا وبعض موظفي وزارة الخارجية . وفي سنة 1964 عندما عين السيد محمود المنتصر رئيسا للوزراء أنتقلت أنا إلى وظيفة وكيل وزارة لشئون رئاسة مجلس الوزراء وبقى هو مستشارا نشطا في وزارة الخارجية . واذكر أني كنت مرافقا لرئيس الوزراء السيد محمود المنتصر في إحدى زيارته إلى الملك في طبرق لتعديل وزارته وكان يعد قائمة التعديل في الطائرة واذكر أنه رشح لوزارة الأقتصاد السيد منصور الكيخيا ، ولما خرج رئيس الوزراء من الملك لاحظت أن الوزير الذي أختير لوزارة الأقتصاد كان السيد منصور كعبار، ولما سألت رئيس الوزراء عن ما تم في منصور الكيخيا فقال لي إن الملك إختتارالسيد منصور كعباربدله . ويظهر أن بعض موظفي السفارة الليبية في القاهرة يزودون المخابرات الليبية بتقارير حول الطلاب الليبيين في القاهرة ونشاطهم السياسي وتنقل هذه التقارير إلى الملك . وقد يكون الأخ منصور من ضمن الطلاب الحزبيين الذين وصلت أخبارهم إلى الملك . وكان الأخ منصور الكيخيا أحد أعضاء الوفد الليبي في المفاوضات البريطانية والأمريكية الليبية لألغاء المعاهدات وجلاء القوات الأجنبية من ليبيا ، وكذلك عضوا في الوفد الليبي برئاسة الملك إلى مؤتمر القمة العربية الثانية وكان رئيس الوزراء يرجع له في الأستشارة . وقد نقل السيد منصور بعدد ذلك إلى باريس ثم تفرقنا بعد إنقلاب القذافي في ستمبر المشئوم فاخذت أنا إلى السجن ضمن مسئولي العهد الملكي والأقامة الجبرية ، وبقى السيد منصور في وزارة الخارجية وعين وكيلا لها وكان السيد منصور ضمن السفراء المهنيين الخمسة أو الستة الذين بقوا بعد الأنقلاب في وزارة الخارجية أما باقي السفراء في العهد الملكي فقد كانوا من السياسيين فأحيلوا كلهم على التقاعد . واذكر لما كنت وزيرا إني كنت أرحب برئيس وزراء اليمن السيد محسن العيني وكان اول سؤال فأجأني به بعد نزوله من الطائرة أين منصور الكيخيا فقلت له إنه في خارج البلاد ، وهو أحد أصدقائه ورفيق شبابه في جامعة القاهرة والنشاط الحزبي بعد ذلك . ومضت السنوات وألتقينا بعد ذلك في نيورك حيث كان منصور سفيرا وممثلا لليبيا لدى الأمم المتحدة وكنت أمر أحيانا بنيورك عندما كنت في شركة أكسدنتال في طريقي إلى بيكرس فيلد ، فأذهب للسلام عليه كصديق لا كسفير لأني لم تكن لي علاقة بنظام القدافي من بعيد ولا من قريب . وكان كثيرا ما ينصحني بطلب العمل في الأمم المتحدة وعدم الرجوع إلى ليبيا لأن الوضع في ليبيا غير مأمون . وقدمني ألى كبار موظفي منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى وخاصة منظمات حقوق الأنسان . وكان رحمه الله كريما معي ويقدمني بأني من مساجين القذافي السياسيين ومن كبار موظي الخارجية السابقين ووزير سابق في العهد الملكي . وعن طريقه تعرفت على السيد رفائيل سالاس المدير التنفيذي لصندوف الأمم المتحدة للسكان الذي كانت تربطه علاقات خاصة بالسيد منصور، لأن المستر سالاس كان رئيس وزراء الفليبيين في عهد ماركوس وأنشق عليه وكانت ليبيا تقدم مساعدات إلى الثوار المسلمين في جنوب الفلبيني وكانت هناك إتصالات بين الدولتين وقد زارت زوجة ماركوس ليبيا مرتين أو أكثر لتدرس مع القدافي حل مشكلة الجنوب القلبيني . وفي أحدى زياراتي إلى نيويورك عرض علي المستر سالاس وظيفة رئيس مكتب منظمة صندوق الأمم المتحدة للسكان في جنيف فقبلت عرضه , وغادرت ليبيا في مايو1977 وباشرت عملي في الأمم المتحدة يوم 27 يوليو 1977 ولم أرجع إلى ليبيا حتى هذه السنة أي أني قضيت 35 عاما في الهجرة الأختيارية . لا شك إن الفضل في ذلك يرجع إلى السيد منصور الكيخيا الذي ساعد كثيرا من الشباب الفارين من حكم القذافي . وإستمرت علاقاتنا حتى إستقال الأخ منصور من من منصبه كسفير وانضم إلى المعارضة وكان سبب إستقالته هو سجن زملائه السيدين حمي والسيد عامر الدغيس وقد حاول مع القذافي إنقاذهم فرفض ، وكانت القشة التي قضمت ظهر البعير ففقد الثقة في القذافي وإستقال. وكنت أراه كلما زرت نيورك وكان رغم إستقالته أحد رواد الدائمين لصالة السفراء في مبني الأمم المتحدة وكان دائما حوله حلقة من السفراء وكبار المسئولين في المنظمات الدولية حتى موظفي السفارة الليبية ووزراء القذافي الذين يزورون الأمم المتحدة كانوا ضمن جلسائه . وكان وزراء القذافي ومنهم عبد العاطي العبيدي يحاولون إقناعه بالرجوع إلى ليبيا . كانت تربط المرحوم الأخ منصور الكيخيا والمرحوم أخي علي السني المنتصر علاقات عمل وصداقة ففقد كان أخي علي مستشارا بدرجة سفير في السفارة الليبية مع الأخ منصور في نيويورك وبعد إختطاف السيد منصور في القاهرة أطلق أخي على ولده الوحيد أسم منصور تيمنا به . وكان الأخ منصوركثير الزيارة إلى جنيف مركز نشاط حقوق الأنسان ، ومقر إجتماعات لجنة حقوق الأنسان الدولية التي كان يحضرها ممتلا للمنظمة الدوليىة لحقوق الأنسان المعترف بها كمنظمة غير حكومية لدى الأمم المتحدة ولها حق حضور إجتماعات لجنة حقوق الأنسان كمراقب . وكنت بالمصادفة ممثلا دائما لمنظمة صندوق الامم المتحدة للسكان التي كنت أعمل في لجنة حقوق الانسان التي حضرت إجتماعاتها السنوية لمدة أكثر من خمسة وعشرين عاما حتى بعد تقاعدي. وكانت زيارات الأخ منصور إلى جنيف فرصة لنا للألتقاء وتبادل الأخبار عن ليبيا وكان دائما بصحبته الأخ سليمان أبو شوسقير الذي كان موظفا بالأمم المتحدة وعضوا في المنظمة الليبية لحقوق الأنسان . ولما أنتقل الأخ منصور إلى باريس كنت أستغل فرصة زياراتي لحضورإجتماعات مؤتمر اليونسكو ومجلسه التنفبذي والأجتماع به . وأذكر مرة دعاني إلى الغذاء مع احد أفراد عائلة السوسي لا أتذكر الأن إسمه في بيته خارج باريس، وأكلنا عنده أكلة المقلوبة العراقية من إعداد زوجته الكريمة . وقد لفت نظري وجود أكبر صورة للملك إدريس رأيتها في حياتي تغطي أحد جدران صالونه من السقف إلى الأرض ، فسالته مازحا متى كنت ملكيا يا منصور، وطبعا كنت أعرف إنه من عائلة الكيخيا العريقة التي تكن الأحنرام للملك والعائلة السنوسية . وفي جنيف حاول هو والأخ سليمان بوشويقير أن يقنعوني بالأنضمام إلى المعارضة الليبية فكان جوابي دائما إني معهم قلبا وقلما ولكنني قد أخذت على نفسي أن لا أنضم إلى حزب أو أو أتحيز لمنظمة في حياتي . وسمعت بعد ذلك خبر سفره إلى القاهرة لحضور المنظمة العربية لحقوق الأنسان وحادت إختطافه الأليم ومتابعة تطورات حادث إختطافه وملابساته . وكانت أخبار إختظافه موضع إهتمام منظمات حقوق الأنسان والمجتمع الدبلوماسي في جنيف . وكنت أمل مع غيري إنه لا زال حيا وأننتظر اخبارا سارة عنه حتى سمعت بعد ثورة 17 فبراير خبر إكتشاف جتته الطاهرة في أحد سجون القذافي . وقد تابعت اليوم حفل تأبينه بألم وكنت إتمنى ان أكون بين الحاضرين لكني خرجت للتو من المستشفى بعد عملية على القلب ولم يكن من الممكن أن أسافر . فرحم الله الأخ والصديق منصور رشيد الكيخيا وألهم أبنه وأبنته وزوجته الكريمة وأل الكيخيا جميعا والليبيين عامة الصبر والسلوان وتعازي الحارة إلى كل فرد فيهم وإنا للله وإنا إليه راجعون .
التعليقات (0)