بقلم:- الإستاد فريد مسيمي
من عمق جرح أرضنا المكابر.. ومن عبق الدحنون المتجذر في بيارات يافا.. حيث كان جدي يوما يتكئ على جذع زيتونة رومية.. وجدتي تداعب حبات السنابل وتغني للفجر القادم أغنية طالما رددها أبي وهو يعتصر تلك الذكريات حنيناً وتلتهب مشاعره شوقاً لأطياف بيته المحنى على جنبات السهل الأخضر، حينها كان أبي يدعونا لنستمع منه قصة الحصاد الأخير….
ففي يوم أطل فيه قرص الشمس الذهبي، وأرسل نظراته الأخيرة على سنابل جدي، التي كانت تنحني خجلا من طيب تلك الأرض المباركة.. أرض الخير والبركات.. أرض العطاء والسخاء.. لم تكن تعلم تلك الأرض بأن التغريبة قد بدأت.. آه… آه.. يا أرض جدي وآه يا حلم جدي.. نعم فقد بدأت التغريبة الفلسطينية وكان الوداع الأخير للزيتونة والسهل والسنبلة..كان الوداع للبيت الذي شيده جدي مع رجال القرية حجرا حجرا، وكان الوداع لجدول الماء الذي طالما ارتوى منه حقلنا الأخضر،،
حمل جدي مفتاح البيت بيده المرتجفة، وعيونه الحائرة ترمق السهل والبيت، وسار متهاديا حتى وصل مشارف الوادي، وقلبه العامر بحب الأرض يخفق ويخفق، حينها التفت إلى جدتي فقد كانت تكابد التعب والإعياء من شدة المسير،فهي لم تألف الرحيل ولا البعد عن الأرض التي أحبتها، فلم تلبث إلا أن أسلمت الروح الطاهرة إلى بارئها ليكمل جدي مشواره نحو المجهول نحو أرض جديدة لم يكن يألفها من قبل، فكان الرحيل يا أحبتي وأصدقائي، فهذا جدي الذي اقتلع من أرضه وهجره أعداء الحرية طمعا بها وبخيراتها.. فعهدا لك يا جدي عهدا لك يا جدتي، وبحق زيتونة لا زالت تنتظر.. سنصهر مفاتيح البيوت بنادق ونكثف الدموع دماً من أجل فلسطين.. أرض الآباء والأجداد.. نعاهد كل من حمل جراحه وسار في ليل الغربة… أننا سنصنع من خيوط الفجر أغنية العودة ونحمل الوطن السليب بالقلب والذاكرة…
لأننا عائدون.. عائدون.. عائدون
التعليقات (0)