المرجع السيد الصرخي : نسامح ونعض على الجرح ...
التسامح والعفو وفق المنظور الإسلامي يُعَدُّ من مكارم الأخلاق ، ومن علامات الإيمان وهو ميزة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ، ولقد أكدت النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة على أهمية هذه الفضيلة لما لها من دور رئيسي في بناء الفرد والمجتمع ، وإرساء دعائم التعايش الإيجابي بين الناس ، وإفشاء روح التآخي والتوادد بينهم ، فهو ضرورة اجتماعية ، بل انه ضرورة تحفظ وجود الإنسان وتضمن له حقوقه ، وعامل بَنّاء ، وعلاج ناجع يستأصل جذور الظلم والرغبة في التشفي والانتقام والثأر ويغلق الباب أمام مارد العنف والفوضى والقتل والدمار ، ولقد جسد النبي الأقدس واله الأطهار النموذج الأمثل والقدوة الحسنة في حمل مشعل التسامح والعفو وترجموه في سلوكهم ومواقفهم وتركوا إرثا تسامحيا فاق كل التصورات شكَّل منظومة أخلاقية فريدة من نوعها تثري البشرية بثقافة اللين والتسامح والعفو ، والملاحظ أن الدعوة والتأكيد على هذه الفضيلة هي دعوة أولية وأساسية ينبغي أن يتحلى بها الفرد المسلم ابتدءا وأصالة حالها حال بقية الفضائل والخصائص التي حثت عليها الشريعة السمحاء فهي ليست حالة استثنائية أو عرضية كما قد يتصور البعض ، ومن هنا نقول إذا كان التسامح من أولويات الدين والإيمان في الحالات الطبيعية فمن الأولى أن يكون ضرورة ملحة وحاجة ماسة عندما يمر المجتمع بمرحلة خطيرة تهدد حياته وأمنه وسلمه وثقافته ومنظومته الأخلاقية والفكرية .
إن سياسة الأنظمة الجائرة وتعاملها الأزدواجي مع الشعوب القائم على أسس طائفية أو عرقية أو جهوية أو غيرها ألقت بظلالها الوخيمة على ثقافة المجتمعات وسلوكها وأحدثت شرخا في نسيجها وتماسكها وعمقت وركزت الفرقة والفتنة بين أفرادها وغذت ونمت لغة الثار والانتقام والحقد عند المكونات التي وقع عليه الحيف والظلم ، مما أدى إلى مزيد من الخلاف والاختلاف والتناحر والقتل والاقتتال وسيادة حياة الغاب وثقافة العنف بدلا من السلم والتعايش السلمي . الشعب العراقي من أكثر الشعوب التي وقعت تحت وطأة الأنظمة القمعية التي خلفت إرثا انتقامية وشعورا اقصائيا يدفع ويزج نحو لغة الثأر والتشفي ، ولقد تعمقت وتركزت هذه اللغة بعد احتلال العراق وما رشح عنه من سياسات قمعية وفتن طائفية ، وإذا ما أراد الشعب أن يفوت الفرصة على أعداء العراق لابد له من العودة إلى حاضنة الإسلام والإنسانية والمنظومة الأخلاقية والتحلي والتمسك بفضيلة التسامح والعفو والرأفة والسمو فوق لغة الحقد والضغينة والثأر والانتقام التي يغذيها ويعمقها أعداء الوطن والمواطن ، فالسبيل لبناء عراق تسوده ثقافة التعايش السلمي والتآخي والتراحم وينعم بالأمن والامان واحترام الحقوق هو تبني منهج التسامح فكرا وسلوكا، هذا المنهج كان قد دعا إليه سيد المحققين الصرخي الحسني وطرحه مشروعا وطنيا إنسانية أخلاقيا حقيقيا صادقا موضوعيا واقعيا (وليس إعلاميا صوريا انتهازيا) طرحه قبل حوالى ثمان سنوات في بيان رقم – 33 –(( المسامحة والمصالحة )) الصادر بتاريخ 22/ شعبان / 1427 هــ، وكان هو السباق لتجسيد وتحقيق مبدأ التسامح حيث قال سماحته : (( ...وبالنسبة لي فاني أتنازل عن حقي القانوني والشرعي والأخلاقي واُبرء ذمة كل من كادَ لي وتآمر علي وسبـَّبَ أو باشـَرَ في اعتقالي وتعذيبي وظلمي في زمن النظام الدكتاتوري السابق أو في زمن الاحتلال ...)), إلا انه أسمعت لو ناديت حيا ....، لأن هذا المشروع وتطبيقه حقيقة وواقعا لا يروق لأعداء العراق وشعبه ، ولم تتوقف دعوته الحقيقية إلى التسامح والتصالح بل كانت مستمرة وتزين صفحات بياناته ومواقفه وخطاباته وقد جسدها إلى مواقف وسلوك عملية على ارض الواقع فسامح وتسامح وعفا وعض على الجروح رغم كل ما وقع عليه من ظلم واعتداء وتشريد وحرب شعواء ، وفي هذه المرحلة التي يمر بها العراق بمنعطف هو الأخطر والأهول في تاريخه تتجدد دعوته الصادقة إلى التسامح والعفو حيث قال سماحته :
((ليسمع الآخرون لا تستغربوا الآن حصل عليكم ما حصل نحن نعض على الجرح ونحن نسامح ونحن نترك الحكم إلى الله سبحانه وتعالى ، نحن قبلكم اعتقلنا ، قبلكم عذبنا ، قبلكم شردنا ، قبلكم اعتدي علينا من قوات الشرطة ومن قوات الجيش ومن القوات الأمنية ومن المسؤولين ومن السياسيين والأفلام والصور والوثائق تشهد ، هدمت مساجدنا وسويت بالأرض ، نحن قبلكم هدمت مساجدنا ، قبلكم سويت بالأرض، ولسنوات نحكي ، ونشكوا ، ونرفع الأصوات ، ولا يوجد من تفاعل مع مظلوميتنا لسنوات طوال كلها موثقة كلها موجودة ........!))
https://www.youtube.com/watch?v=kcZr3r6hhHA
بقلم
احمد الدراجي
التعليقات (0)