ويسعى كل زعيم أو حاكم الى كسب ودها ونيل ثقتها لتمنحه ما يريد أثناء الانتخابات وشغل مواقع قيادية في الدولة.
والجماهير هي الأرضية التي تنسج من خلالها وقوتها وديموية حركتها برامج الأحزاب وخطط الحكومات السوقية والتكتيكية، وبها ومن خلالها يمكن تحقيق تلك البرامج والخطط. الما راهن قادة العمل السياسي سواء أكانوا في الحكم أم
وتزداد المراهنة على الجماهير كلما كانت الثقة كبيرة في إحكام تنظيمها وتدريبها نفسيا وفنيا وتقنيا، أي عندما تكون مواكبة لحركة العصر الذي تعيش فيه وتكون فاعلة ايجابية في حركة العصر وليست منفعلة سلبية.
فمثل هذه الجماهير تختزن الثقة الكبيرة في النفس وتركن الى تجاربها وخبراتها في مواجهة المحن والمصاعب والمصائب ويخرج من بين صفوف الجماهير قادة وزعماء امتحنت معادنهم في أتون المعارك الوطنية والقومية وبانت سرائرهم النقية في تبني أمال الجماهير وطموحاتها.
ومن هنا فالجماهير العربية تتمايز في ثقتها بزعمائها وقيادات الأحزاب فيها، واستعدادها للبذل والعطاء والجهاد بكل صنوفه من قطر الى أخر، فحيثما توجد القيادة الداعية الملتزمة خط الجماهير وطموحاتها وأمالها في حياة حرة مستقلة يمكن أن تكون الجماهير أكثر حماسة وانضباطا وأكثر قدرة على إجادة الخبرات وأكثر ثقة بنفسها وقدرتها على تحمل الصعاب وتجاوز المحن, والخروج من النفق الى شاطئ الأمان.
ومجرد وجود القادة فقط لا يمنح الجماهير كل تلك المعطيات, بل لابد أن تتوفر الحرية, حرية الرأي وحرية المعتقد السياسي والديني والثقافي, وتسود الحياة الديمقراطية الإدارة السياسية والاقتصادية, وفي الانتخابات البرلمانية والنقابية والمهنية وغيرها.
حيثما تسود الحرية والديمقراطية تكون الجماهير قادرة على العطاء والتضحية, لأنها تختار قدرها حيث تكون ولا يفرض عليها فرضا.
وفي الأجواء الديمقراطية الحقة تنسجم أفعال الجماهير مع المبادئ التي يؤمنون بها, وعندها لا تبتعد كلماتهم عما تصله طلقات بنادقهم . وهكذا يجب أن تكون شعارات القادة والزعماء , فلا يجوز أن تظل كلماتهم وشعاراتهم أبعد من طلقات بنادقهم , أي ابعد من قدراتهم العملية وهذا شيء من الواقعية , وأقصد بها واقعية موضوعية غير مستسلمة للأقدار المفروضة علينا بل واقعية تفهم الواقع وتسيره وفق مصالح الجماهير وطموحاتها.
أن الجماهير التي نتكلم عنها ليست دهماء بل هي الجماهير المنظمة في أطار مجتمعي يقبله دستور الدولة المعنية , جماهير تمارس دورها ونشاطها في إطار نقابات واتحادات وجمعيات وروابط ومجالس وغيرها ,فهذه الهيئات والمؤسسات هي التي تؤطر دور الجماهير بالاتجاه الايجابي ولا تنتظر تأطير دورها من الزعيم أو القائد السياسي أو الحزبي أو النقابي بل لا بد من تحسين المبادرة, انطلاقا من ثقتها بنفسها لأن الثقة تعني ابتداء الشوط , أما القنوط واليأس فيعنيان انتهاء الشوط.
مهما أصاب الجماهير من حالات قهر وظلم فإنها تنهض من بين الركام وتجدد مسارها باتجاه النهضة والتقدم, لأن قدرها أن تسير دائما نحوهما, وتدرك أن خط سيرها عبر التاريخ لم يكون خطا مستقيما بل خطا متعرجا فيه مد وجزر , هبوط وارتفاع , نهضة ونكسه , ولا تعرف في طريقها اليأس وان ظهرت حالات من اليأس لدى الإفراد , أو أفراد في منظمات أو أحزاب .
أن سجل التاريخ القريب والبعيد يفيدنا بأن الجماهير المنظمة أو غيرا لمنظمة كانت صاحبة المبادرة في الانتصار في قضايا الأمة العربية المصيرية, ووجدنا في تلك المناسبات أن المنظمات والأحزاب وقياداتها تلهث وراء الجماهير وتسير في ركبها ولعلها تكسب لصالحها.
مثل هذه الثقة لا تعني إلا حكما قاسيا على القيادات السياسية بأنها ظلت متأخرة عما وصلته الجماهير من وعي للأحداث, واستيعاب لأسبابها ومدخلاتها وأنها كانت ومازالت مستعدة للبذل والعطاء بكل ما تملك.
وهناك عامل مهم لا يقل أهمية عما سبق ذكره، وهو أن الحكام أدركوا حقيقة الجماهير ودورها في مسار العمل السياسي ، ودورها في تثبيت الحكام من خلال السبل الديمقراطية أو إسقاطه ، فعمل بعضهم على إنشاء أحزاب يرأسونها أو يساندونها لكي تشكل أغلبية برلمانية تضمن البقاء في الحكم له ولأسرته فيما بعد،
ان هذه العوامل جعلت من الجماهير مادة للمزايدة السياسية، والكسب السياسي، وأدخلتها في أروقة محدودة، فحدت من دورها الجماعي في التعامل مع القضايا الدولية الرئيسية، وجعلتها في بعض الأحيان تقف موقف المتفرج عليها وكأنها قضايا تحدث في عالم أخر.
ومهما قيل عن ا لجماهير، ومهما كانت المؤثرات الداخلية والخارجية، فأنها تبقى هي ضمانة التقدم والنهضة واللحاق بركب العصر التقني. ولا ينجح نظام حكم في أي بلد إلا إذا كسب الرهان على الجماهير. وكان في صفها وأدرك مشاعرها، وعاش احلامها وطموحاتها، وعمل من اجلها ليل نهار، وإلا فإنها ستخذله وتسحب الثقة منه .
التعليقات (0)