بقلم : عماد رجب
شاهدت فيلما تسجيليا أمريكيا, يحكي قصة مراهقة أمريكية, فشلت فشلا ذريعا في دراستها الثانوية ورياضتها المفضلة كرة السلة, وانحرفت فحملت ثم حاول مدرب كرة السلة بمدرستها, أن يساعدها علي اجتياز هذه المرحلة العصيبة, فاتحا لها ذراع المساعدة, حتي نجحت في الالتحاق بإحدي الجامعات الكبري, عبر منحة مجانية للفائقين, ورأيت كيف يتم التعامل مع الموهوبين في الدول المتقدمة, وتحسرت علي مواهبنا التي تموت قبل أن تولد بلا عزاء.
ولست هنا أتحدث عن فتاة منحرفة أخلاقيا, وإنما عن تجربة استيعاب قدرة ومهارة, وموهبة بغض النظر عن أخطائها وموقفها القانوني أو الشرعي فله من يقننه, فأهم ما يميز الدول المتقدمة عن المتأخرة هي الأفكار, ففي الدول المتقدمة يبحثون عن الأفكار الجديدة التفاعلية فيعطونها كل الاهتمام, ويقدمون لها الدعم الكامل, كما حدث مع شباب الفيس بوك والبلوج من تقييم لأفكارهم بالمليارات, وكما حدث مع صناعة التجارة الإلكترونية التي بناها بضعة شباب وأصبحت تدر دخلا يتعدي ثمانين مليار دولار سنويا, وكما حدث مع آلاف العلماء العرب الذين بنوا حضارات الغرب بعلمهم بعدما أمدت لهم الدول الغربية يد المساعدة والاهتمام سواء كان دعما رسميا أم تجاريا يهدف للربح, فهناك تولد الفكرة وهناك تجد من يرعاها.
ولست أطالب هنا بمليارات للأفكار وإنما الرعاية, ببعض الملايين أو الآلاف التي تنفق علي كرة القدم أو الفنون, فالشباب لديهم الكثير لكن من يستمع لهم؟!وهناك بعض الدول العربية التي بدأت تتعلم الدرس كالأردن التي أصبحت التجارة الإلكترونية والبرمجيات تدر لها ملايين الدولارات, والتي أسسها ثلاثة شبان فقط هم سميح طوقان وفادي غندور وحسام خوري, فكروا ووجدوا من يدعم فكرتهم, بعد رحلات مكوكية لطوقان باحثا عن داعم لمشروعهم العربي, حتي أثمرت جهوده في عام2000 بمبلغ5,2 مليون دولار من إي إف جي ـ هيرمز بحسب فوربس العربية, تحولت إلي ثروة كبري فتحت بابا جديدا للرزق والفكر والعلم, وجعلت فكرته ضمن أشهر10 شخصيات تأثيرا في الوطن العربي مع كبار مشاهير العلم والفكر بعد تربع موقعه علي المركز الأول عربيا
وموقع شبوة اليمني الذي يخطط لإنشاء جامعة إقليمية بعد نجاحه..وكذا التجربة الهندية لخلق صناعة وطنية للبرمجيات, والمقولة الشهيرة بناء الهند بأيدي الهنود والتي بدأت عام1998 وأصبحت قيمتها50 مليار دولار سنويا, كما يقول عباس في دراسته حول التجربة الهندية لخلق قطاع وطني لتكنولوجيا المعلومات, وبحسب المنظمة الوطنية لشركات البرمجة في الهند: بلغ حجم تجارة البرمجيات خلال عام2000-1999 فقط إلي7,5 بليون دولار منها4 بلايين دولار حصة التصدير لهذه البرمجيات, و7,1 بليون دولار كانت حصة السوق المحلية من نتاج العقول الهندية.
واستطاعت الهند أن تحقق قفزة في عدد المبرمجين ليصل عام1997 إلي160 ألف مبرمج وفي عام2000 إلي340 ألف مبرمج فاستطاعت أن تسد حاجتها من المبرمجين الأكفاء وتصدر سنويا60 ألف مبرمج للدول الأوروبية, بالإضافة إلي التطور الهائل في جميع المجالات التكنولوجية والعلمية التي صاحبت الثورة التكنولوجية بالرعاية الحكومية..وبدلا من الحلقات المتكررة لرجل في الثمانين يبيح القبلة والتدخين, يثير الأزمات داخل المجتمع, ويهدد كيانه الاجتماعي والديني, ويجعلنا أضحوكة أمام العالم, يسيئون به للعلم والعلماء عندما يصفونه بالمفكر والعالم, لم لا نحولها لشباب المبدعين؟ وحتي المواقع الرسمية للأحزاب السياسية جميعها, وجرائدها الرسمية ومواقع الجماعات الشهيرة, تبحث عن المواضيع الأكثر شهرة, وتكتظ صفحاته بأخبار الرياضة والفن مع الفارق الشرعي أكثر من العلم.
أما مواقع الجامعات المصرية فعقمها وفقرها يجعل الشباب يفر منها, وهو ما يوضح كيف يتعاملون مع العلم والعلماء, والمواهب الجديدة والأفكار التي لا تحتاج إلا إلي بداية الطريق كي تنطلق, وبدلا من عشرات الإجراءات التي تسبق إنشاء جمعية أو مؤسسة لرعاية الموهوبين في العلوم والآداب, لم لا تختصر تلك الإجراءات لننتشل الشباب من مستنقع البطالة والفشل؟ فهل آن الأوان كي يستنسخ سياسيو الشرق تجارب العالم الناجحة ويمدوا يدهم للشباب بالدعم والمساندة, كي يرقعوا أثوابهم بهم, بعدما بليت وأصبحت سوءاتهم ظاهرة أمام القاصي والداني.
الاهرام العربي : العدد 590 السبت 12 / 7 / 2008
التعليقات (0)