منذ القديم, وعبر التاريخ, تحاول المرأة أن تجد مكانها المناسب, ومكانتها الحقيقية, في عالم أسياده الرجال. وجدته, أو تم إيجاده لها, خلف الرجل, وبمسافات بعيدة في بعض العصور, (باستثناء العهد المينوسي) ورضيت بموقعها هذا طوعا أو كراهية. وحاولت, بجهد ونضال طويل أن تقصر المسافة, أو تقف بجانبه , مكاتفة (كتف إلى كتف), فوصلت, أحيانا, ولم يقبل هو طوعا وبطيبة خاطر, محاولا إقناعها بالمكان الخلفي وأهميته ــ موقع وان كان لا يوصلها هي للعظمة, فهو يوصل بعلها إليها, أليس وراء كل عظيم امرأة ــ .أما الوقوف أمامه فلم تفكر هي به ـ إلى الآن على الأقل ــ ولن يقبله هو, ما دام الرجال رجال, وما دام في غير وارده أن الرضوخ للطغيان قد يفقده بعض خصائص الرجولة, و يرتب القبول بإخلاء المكان.
ومنذ القديم , وعبر التاريخ, في المرات التي تغنى الرجل بالمرأة ــ قولا وشعرا ونثرا وألحانا وغناء, كان يراها كتكملة له ـ أو الآخر الذي لا تستقيم الحياة بدونه, أو شريك النصف ناقص واحد في, أحسن الحالات ــ وإرضاء لذاته وإشباعا لعواطفه ورغباته, وحتى تصوراته . وفي غالبية المرات التي تغنت هي به, إن لم يكن فيها جميعا, قولا وشعرا ونثرا, كانت حريصة على أن تكون التكملة والترضية, راضية بأصول اللعبة, دون جرأة البوح بأنها تريد أن تكمل نفسها به, وبه تُرضي وتُشبع عواطفها وأحاسيسها الخاصة. فقبلت, راضية أو مكرهة, دور المضافة إليه التابع في كل الحالات.
في أصل المرأة والرجل, ومن أين جاءت وجاء, عند غيرينا توجد الإجابة أو الإجابات الجازمة القطعية, أو الافتراضية الاحتمالية, وان كانت تعجبنا الأضلاع المتساوية.
ما نريده هنا هو إلقاء الضوء, بعجالة المقالة, على واقعها, وموقعها, والتطور البطيء, ولكن المستمر, في بعض المناطق من هذا العالم, والتقهقر, المستمر, في مناطق أخرى منه, ولا نعتقد إن هذا يستقيم دون نظرة تاريخية ولو سريعة.
في مرحلة ما قبل التاريخ préhistoire .وفي الفترة الأخيرة منه ــ نيوليتيك néolithique التي بدأت في أوروبا الغربية عام 5000 وانتهت 2500 قبل الميلاد يُعتقد أن المرأة ــ والعهدة على المؤرخين ــ سادت دينيا واجتماعيا, عن طريق عبادة ربة الإلهة Grande Déesse, وكان لها دور نشط. وينسب إليها اكتشاف الزراعة. واحتفظت بالهيمنة في العهد المينوسي minoen (بين 2000 و 1500 قبل الميلاد) . وكان الذكور يشغلون مواقع التبعية للنساء الكاهنات Femmes-déesses. يعزز ذلك أن المعتقدات الدينية كانت تربط بين خصوبة الأرض و خصوبة المرأة. فالكاهنات يحيين المراسم الدينية. وذلك قبل بداية الظهور المتأخر للكهنة الذكور. وبقيت الأمور على ذلك إلى بداية التنقل والترحال, والتوسع, وما تبعه من صدامات وحروب مع الآخرين. فافقدها دخول القوة في العلاقات والتعامل مع الآخرين, دورها الذي كانت قد احتلته.
وفي العهود الإغريقية الكلاسيكية, ومع بداية تسييس الدين, وسيادة العقلنة التي قادها الفلاسفة الذكور, بدأ تراجع دور المرأة الكاهنة , مع كل ما تبعه من امتيازات, ليتعزز نهائيا و بقوة دور الرجل.
فكان أفلاطون (427 ـ 347 قبل الميلاد ) يرى بأن " الرجال وحدهم خلقوا مباشرة من قبل الآلهة, ووحدهم من يملك روحا âme . فالذين يحيون حياة شريفة يعودون بعد الممات للنجوم. أما الجبناء, وأولئك الذين يعيشون حياة غير شريفة فهم منذورون بان يتحولوا خلال الجيل القادم لنساء".
وكان أرسطو ( 348 ـ 322 قبل الميلاد) يعتبر المرأة "مخلوقا إنسانيا غير مكتمل. والسبب الذي يبرر هيمنة الرجل على المجتمع, هو تمتعه بذكاء متفوق. الرجل وحده المخلوق الإنساني الكامل. وبحكم الطبيعة فان السلطة للرجل كونه الأعلى, والمرأة محكومة كونها الأدنى".
ففي الحاضرة Cité ,في تلك الحقب, ورغم سيادة الديمقراطية, في أثينا بشكل خاص, كانت المرأة, مع العبيد والأجانب والأطفال , ممنوعة من المشاركة في الأمور السياسية, أو الاقتصادية, أو الاجتماعية للحاضرة. وليس لها حق التصويت على القرارات التي تتخذ في الساحات العامة, حسب الصيغة الديمقراطية المباشرة, لأنها, ضمن أسباب أخرى, غير مكلفة ضريبيا, والتصويت فقط حق لدافعي الضرائب. واقتصر نشاطها على الخدمة المنزلية التي لا تتلاءم مع مهام الرجل.
ومع ذلك, فان وضعها لم يكن متشابها إلى درجة كبيرة في كل الحقب, أو في كل الحواضر. ففي أثينا, في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد, كانت النساء مستبعدة من حياة الحاضرة, لتنحصر كليا في الأعمال المنزلية. وكان يستند الفصل بين دور كل من الرجل والمرأة على مبرر " الطبيعة" المميزة لكل منهما. في أثينا كانت تكبر الفتيات في محجوزة للنساء, و لا يخرجن منها إلا بمناسبات معينة كالأعياد, و بعيدا عن نظرات الرجال. بمن فيهم الذكور من أسرهم. وبعد الزواج لا يتغير الوضع إذ تبقى الزوجة في المنزل. أما النساء الفقيرات فكانت لهن حرية الخروج للتسوق لعدم مقدرتهن على امتلاك العبيد. كما كان القانون يلزم البنت الوارثة, في حالة عدم وجود وارث ذكر, على الزواج من اقرب أقاربها, من جهة الأب, حتى لا يذهب الميراث للغريب.
في إسبارطة كان التضييق على المرأة اقل بكثير مما كان الحال عليه في أثينا. فقد كان مطلوبا منها ممارسة الرياضية في الهواء الطلق, وأحيانا بمشاركة الفتيان, لبناء أجسام قوية قادرة على إنجاب أطفال ببنية سليمة, جنود مستقبل قادرون على الدفاع عن الحاضرة, وتحقيق الفتوحات. فالمرأة أداة إنجاب. وكان للمرأة حق امتلاك مهرها. والقيام ببعض الأدوار السياسية. والزواج واجب ديني ومدني. وهو إجباري ومفروض على كل المواطنين.
أما في عهد روما القديمة فقد اعتبرها القانون كالقاصر طيلة حياتها. من وصاية الأب المطلقة تنتقل إلى وصاية الزواج بعد للزوج, فعليها الخضوع لسلطته غير المحدودة, المتضمنة حق قتلها, في حالة الاتهام بالخيانة الزوجية. فهي ملكية خاصة له. وليس لها الحق بأي ملكية خاصة بها, حتى ولو كان مهرها. لأنها لا تعتبر شخصا قانونيا.
ومع ذلك, ففي أواخر عهد الجمهورية خُففت القيود على ظهور المرأة في الأماكن العامة, وتراجع قليلا الحجز داخل المنزل. كما ظهر نوع جديد من عقود الزواج يرفع عن المرأة سيطرة الزوج المطلقة. وأصبح لها حق ملكية أموالها الخاصة, واستقلالها القانوني, والمهر القادم من المرأة يدار من قبل الزوج, ولكنه يعود إليها. واُعترف لها بشخصية قانونية مساوية للشخصية القانونية لزوجها. ولكنها مع ذلك لا تستطيع بحال من الأحوال بيع أموالها, أو إقراضها, أو أن تقدم الدعاوى. وبشكل عام بقيت خاضعة للوصاية. ( القانون الروماني ميشال فيلي Michel Villey, P.U.F).
كما ابقي القانون المدني حقوقها بحدود ضيقة جدا. والمبرر في ذلك هو "ضعف جنسها". ولا يعني الضعف الضعف الجسدي وحده, وإنما, بشكل خاص, عدم مقدرتها على محاكمة الأمور عقلانيا. وعدم أهليتها بالتصرف بمنطق وعقل وحكمة. وعليه فهي ليست جديرة بأية حقوق خاصة بها. زيادة على ما يرتب عدم استطاعتها ومقدرتها تأدية الخدمة العسكرية, من حرمانها من الامتيازات المخصصة للمواطنين الذكور. ( ميشال فيلي المرجع السابق).
لم تعد مسألة عدم الأهلية, ولا المبررات المبنية عليها, في المرحلة الكلاسيكية محل تسليم مطلق ودون جدل, فقد كتب كايس Gaïus بان هذه مؤسسة قديمة و تعتبر جزأ من القانون المدني, ومع ذلك فلا وجود لأي سبب صحيح يبررها, إلا استحضار القانون الطبيعي بهذا الصدد " الاعتقاد المشترك بان المرأة بحاجة إلى توجيه من وصي, بسبب عدم رجاحة عقلها, هو سبب خادع أكثر من كونه حقيقة. والواقع أننا نرى في روما النساء يدرن أمورهن بأنفسهن". ومنه ظهرت مطالبات بإعادة النظر في مقولة عدم الأهلية القانونية للمرأة في أحكام القانون المدني.
في القرن الأول قبل الميلاد بدأت المرأة تعزز مكانتها في العديد من المجالات التي كانت مقتصرة على الرجال, كالمشاركة في الأوساط الفنية, وحتى الرياضية وكثرت حالات الطلاق لأسباب تُعد منافية للأخلاق. وبدأ هذا يقلق الرجال ويثير سخطهم.
كان الرومان, تقليديا, يرون أن المجتمع مركب من طبقات عليا وأخرى سفلى . وبان قوانين الطبيعة وضعت المرأة في مرتبة سفلى, ودون الرجل.
وترك كل هذا أثره في مفاهيم الآباء الأوائل للكنيسة. فالطبيعة, وبالتالي القانون, كما كانوا يرون, وضعا المرأة في حالة تبعية للرجل. وبناء على المبدأ القائل, المستخلص من قانون الطبيعة, فان الصغير منوط به خدمة الكبير. وإن العقل الأضعف يضع نفسه في خدمة العقل الأقوى..فالمرأة منذورة لخدمة زوجها. وهذا ترتيب القوانين العادلة للطبيعية. و يبرر بوضوح العلاقات بين الأسياد والعبيد, فالذي يملك العقل يملك السلطة والهيمنة. Augustin .
وحسب المبشرين الأوائل فان " رأس المرأة هو الرجل". وعلى النساء الخضوع لأزواجهن. فقد كتب الحواري بيير " حتى سارة أطاعت إبراهيم منادية إياه بسيدي".
ولتأبيد وضع المرأة في المرتبة الدنيا, كان التأكيد غير القابل للشك, على أن الرجل, وحده, خُلق على صورة الله, وليس المرأة. وعلى المرأة تغطية رأسها بحجاب لأنها ليست على صورة الله. فكيف يستطيع, كائن من كان, الاعتقاد بان المرأة على صورة الله, وهي معدومة السلطة, ولا تستطيع ممارسة أي نوع من أنواعها: غير صالحة لأن تكون معلمة, أو مقبولة الشهادة أمام المحاكم, أو أن تكون قاضية, أو جديرة بحقوق المواطنية Ambrosiaster à Propos de 1 Corinthiens .
كما تبنى أباء الكنيسة مقولة أرسطو بان الرجل مخلوق إنساني كامل مزود ببذرة الحياة وان المرأة ليست إلا كالأرض التي تزرع فيها البذرة فتنمو.
و اخذ علم اللاهوت في القرون الوسطى الفلسفة الإغريقية, والقانون الروماني, وتعاليم أباء الكنيسة, والقوانين الكنسية, كمصادر غير قابلة للدحض, وعليها بنوا حججهم فيما يتعلق بدونية المرأة مقابل علوية الرجل وسيادته.
آما الإسلام فقد جاء بمفاهيم مختلفة عن المرأة ,خلقها, ومكانتها, وحقوقها, وواجباتها. فأبطل العادات الجاهلية ومفاهيمها, وحرم وأد البنات, والزواج القائم على التعددية غير المنتظمة. وبيّن شروط الزواج, والطلاق, والإرث. فانتظمت شؤون الأسرة واستقرت.
وبالعودة لأوروبا, بدا يظهر تطور بسيط لصالح المرأة في القرن 18 ,عصر التنوير, مستمد بعضه من مفهوم المساواة بين الجنسين, الذي ظهر في القرن 17 , بأفكار بعض الفلاسفة المتنورين, يُذكر منهم بشكل خاص Poullain de Barre الذي نشر عام 1673 و 1674 كتابين حول المساواة بين الجنسين وتربية المرأة. مستنتجا انه إذا توفرت للنساء نفس الشروط المتوفرة لتربية الرجال فسيكون لديهن نفس الأهلية التي يمتلكها الرجال.
وكان السؤال الذي اخذ يُطرح في القرن 18 بشكل واسع نسبيا هو: هل النساء دون الرجال مرتبة بفعل الطبيعة؟. وتضاربت الإجابات عليه. ونسوق بعضا منها:
ــ استنكار مونتسكيو الامساواة التي تقع المرأة ضحيتها في كتابه روح القوانين الكتاب السابع.
ـ أراء جان جاك روسو, من بين آخرين, بأن العقل يعتبر اللامساواة غير شرعية. ولكن الطبيعة هي التي تريد أن يكون المجال الخاص تحت هيمنة النساء ( لضعفهن, ورقتهن, وحساسيتهن المفرطة ..). و المجال العام خاص بالرجال. " وعليه يجب أن تربى النساء على إرضاء الرجال, بان يجهدن ليكن محل إعجابهم, وفائدتهم, و محبتهم, ويكن فخورات بهم. أن يربين الذكور صغارا, ويعتنين بهم كبارا, ويجعلن حياتهم سعيدة ومريحة. هذه هي واجبات النساء في كل العصور. وهذا ما يجيب أن يتعلمن ويتربين عليه منذ طفولتهن".
ـ اعتبار هيل فاتيس Helvétius في كتابه في الروح 1758 , أن اللامساواة القائمة بين الرجال والنساء لا تجد, بأي شكل من الإشكال, مصادرها في اختلاف الطبيعة, ولكن في نوع التربية السيئة التي تربى عليها النساء. وعليه يتوجب إتاحة المجال لوصول النساء إلى التربية الصحيحة, دون أي تمييز, وعلى قاعدة المساواة الفعلية بينهن وبين الرجال. وقد أدانت جامعة السوريون هذا الكتاب وأمرت بإحراقه علنا.
ـ اعتبار كوندورسهCondorcet القول باللامساواة طغيان غير مبرر. وتساءل" لماذا يجب أن نرى أن احد الجنسين يكون السبب الأساسي في وجود الجنس الأخر .." ليست الطبيعة من أوجد مثل هذا الاختلاف, وإنما الشروط الاجتماعية هي التي أوجدته ". وقد دافع بقوة عن المساواة بين الرجال والنساء وعن التربية الموحدة للجنسين.
الثورة الفرنسية
لم تذهب الثورة الفرنسية فيما يتعلق بحقوق المرأة بعيدا. فقد كرست مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة نظريا. واُعترفت للمرأة بالشخصية المدنية التي لم تكن لها في النظام القديم (النظام الذي كان قائما قبل الثورة). فأصبحت مواطنة ولكن دون حقوق المواطنية. و بدأت تتردد على المنصات البرلمانية (المحاكم), وتنظم نواد نسائية , وتقدم العرائض والمطالبات بالحقوق. وفي كل ذلك كانت الممارسة تتراوح ما بين الخاص والعام. وقد أثار هذا غضب الرجال المطالبين بإعادة المرأة إلى مكانها الطبيعي. وكانت الغالبة الساحقة للنواب لا تقر للمرأة إلا الخدمة المنزلية. وتعارض بشدة حق التصويت, بحجة إنهن ممثلات بأرباب أسرهن. مما دعا اوليمب دي جوج Olympe de Gouges إلى القول " متى تفتحن أعينكن أيتها النساء؟ ما هي المكاسب التي حصلتم عليها من الثورة؟. ازدراء واضح, استهتار معلن" . وقد صاغت إعلان حقوق المرأة والمواطنة عام 1791 على غرار حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789. معلنة أن إعلان حقوق الإنسان يعني من حيث المبدأ الفرد المحايد, المجرد, العالمي, ولكن تطبيقه لا يعني إلا الرجال. وقد حاولت أن تبرز في إعلانها الطابع مزدوج الجنس للمجتمع المدني والسياسي.
وحصل لاحقا تراجع كبير عما تم الاعتراف يه للنساء, ففي أكتوبر عام 1793 أغلقت نوادي النساء. وحرم عليهن عام 1795 الذهاب إلى الجمعيات السياسية. كما مُنع أي تجمع للنساء يضم أكثر من خمسة.
ورغم ما تضمنه إعلان حقوق الإنسان والمواطن من مبادئ وحقوق عامة ومعلنة, فان ذلك لم يجعل من المرأة مواطنة كاملة المواطنية, سواء في فرنسا أم في أوروبا, رغم فتحه النقاش حول حقوقها على مصراعيه.
وجعل القانون المدني لعام 1804 (قانون نابليون) المرأة قاصرة طيلة حياتها, من وصاية الأب إلى وصاية الزوج. وقد أعلن نابليون: " يجب تذكير النساء بصراحة تامة بواجب الخضوع للرجل الذي يصبح الحكم في مصائرهم". فعليها إطاعة الزوج. ويمكن إعادتها إلى منزل الزوجية بالقوة. وهو وحده الذي يمارس السلطة الأسرية. والحصول على إذنه شرط أساسي لقبول المرأة في أية مهنة. وهو من يدير أموالها الخاصة. ولا يحاسب جزائيا إلا إذا سجن زوجته بالمنزل. وحرم الطلاق بالإرادة المشتركة وحصره في حالة الخطأ.
وقد الغي الطلاق نهائيا عام 1816 " كي تستعيد مؤسسة الزواج كرامتها, بما فيه مصلحة الدين والأخلاق ..". ولم يعد العمل به إلا عام 1884, وفقط في حالة الخطأ الواضح. ونص القانون الجنائي لعام 1810 على إن قتل الزوجة الزانية أو شريكها معذور excusable. ولم يجري إلغاء العديد من أحكام هذه القوانين إلا بعد قرن ونصف من سريانها.
وحتى نهاية القرن 19 لم تحصل المرأة في أوروبا كلها على الشخصية المدنية. وكانت مطالب النساء تُرفض, فيما يتعلق بحق التصويت, بحجج متناقضة.
وفي نهاية القرن 19 شاركت بعض الفتيات رغم كل العقبات في امتحانات البكالوريا ودخلن الجامعات. ودخل بعضهن سلك التعليم الثانوي النسائي. وفي عام 1924 أصبح للطالبات الحق في الحصول على الشهادات مثل زملائهم الطلاب. وأصبح التعليم موحدا. وأُنشئت معاهد المعلمات.
وكان يجب انتظار مرسوم عام 1944 حتى يتم الاعتراف, وللمرة الأولى, للمرأة الفرنسية بحق التصويت والترشيح, على قدم المساواة مع الرجال ــ كان لمشاركة المرأة الفعالة والقوية جدا في مقاومة الاحتلال النازي, خلال الحرب العالمية الثانية, أثره الكبير في فرض مطالبها على خصومها ــ وقد أكدت ذلك مقدمة دستور 1946 في فقرتها 3 "يضمن القانون للمرأة في كل المجالات حقوقا مساوية لحقوق الرجل"
ولا يتسع المجال هنا لمتابعة مسار تطور الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية للمرأة. وإنما تعمدنا الإشارة التاريخية للقول إلى انه بعد قرون طويلة من حرمان المرأة من حقوقها, لم تنلها إلا حديثا, وحديثا جدا, قياسا بتلك القرون. و أن المكاسب المتحققة حاليا, والتي سنتعرض لها في مقالة لاحقة, كبيرة وعلى درجة عالية من الأهمية, ومحمية بقوانين سارية المفعول.
ولكن هل لهذه القوانين, وحدها, المقدرة على الإلغاء الكلي لما هو مترسب في الواقع, وفي العقول, من ممارسات وأفكار عمرها قرون وقرون؟ الجواب تُظهر المنازعات اليومية في المحاكم, وأقسام الشرطة, بعضا من جوانبه.
وأخيرا , ولمناضلة عربية في مجال حقوق المرأة, تسعى لدراسة مقارنة بين القوانين الفرنسية, وقوانين إحدى الدول العربية, فيما يتعلق بالمرأة, نُذكّر بان المطالبة بحقوق المرأة, ومصالحها في المجتمع, قامت و تقوم على مجموعة من المبادئ السياسية, والفلسفية, والاجتماعية, والقانونية , والتربوية, والاقتصادية, وتهدف بشكل خاص إلى تحقيق المساواة بينها وبين الرجل, وإقامة علاقات جديدة وسليمة, في كل المجالات, تضمنها آليات للدفاع عن المكتسبات التي توصلت إليها المرأة حديثا, وأخرى لمسايرة المستجدات الحديثة, وهو ما لا يمكن تصوره إلا في النظم الديمقراطية وحدها.
واليها نسوق فيما يخص المرأة عندنا, وبكل ود وتقدير, ما يلي:
ـ هل يمكن, في مجتمعات تحكمها أنظمة استبدادية ليس للإنسان فيها, بجنسيه, أي حقوق, أن ترى مطالب المرأة فيها النور؟. (في بعض ما قدمنا من التاريخ المظلم عبرة).
ـ هل تكفي المطالبة بإعادة النظر في صياغة قانون بذاته, أو المطالبة بإلغاء فقرات منه, أو إضافة أخرى عليه, أو استصدار قانون جديد, بعيدا عن المنظومة القانونية بأكملها ــ والتي هي التعبير عن الإرادة الشعبية, بكل مكونات الشعب ــ والمتضمنة الأحوال الشخصية والمدنية, والجزائية, وقوانين العمل, والحماية الاجتماعية و الصحية, والتقاعد ورعاية الشيخوخة, ... المبنية بناء متكاملا ومتناسقا, والهادفة لرفاهية الإنسان وكرامته, بجنسيه, وطيلة مراحل عمره, من الولادة إلى ما بعد الوفاة. و تنظيم المجتمع على أسس المواطنية السليمة , بما يخدم الإنسان/المواطن ـ المواطنة. و تداول السلطات, لخدمة الإنسان/المواطن ـ المواطنة, والمجتمع ـــ لرفع الغبن عن المرأة؟
ــ هل في أنظمة فاقدة المشروعية, تعادي الدساتير, والقوانين ــ كونها قامت أساسا على غير أحكامها, وتستمر في العمل خارج نطاقها ــ تأمل المرأة أن تصل لحقوق عصرية, وبحماية فعلية ؟
ــ هل ترى في وضع الرجل, وهو المتهم بأنه الأقوى, وضعا أكثر تطورا وكرامة من وضعها, حتى تطالب بالمساواة معه؟ إلا يتطلب ذلك السير معا للمطالبة بالمساواة للجنسين وبالجنسين؟ .
ـ هل ملاحقة المرأة من قبل أصحاب التدين السياسي ــ المقتصر "نضال" بعض تياراته على الطريقة المناسبة "للفها" بقماش مُختلف على لونه, وطوله, وعرضه, ومجالات تغطيته, باختلاف الطوائف وتفرعاتها, ومواقع تواجدها, وأمصارها ــ بعيدة عن تدبير,أو رعاية, أو تشجيع, السلطات الحاكمة, الدائبة, بكل الوسائل, على تفتيت بنية المجتمع و قيمه ومفاهيمه, وإعادة تركيبها, ثم إعادة تفتيتها, إلى أن يصبح التفتيت غير قابل لإعادة التركيب, هل يبقي مع هذا كله جدوى من رفع مظالم وحديث عن حقوق المرأة؟ .
ـ هل كانت المرأة في بداية عهد الاستقلال ــ قبل اللفلفة والاختلاف فيها, وسيطرة الأنظمة الاستبدالية القمعية التي جعلت الإنسان, بجنسيه, لعبة سياسية ــ على درجة غير مقبولة من الحشمة, ودورها مشكوك فيه ـ مع الاعتذار من أمهاتنا, وجداتنا, وأصولهن, بمن فيهن أمهات وجدات زعمائنا, ودعاتنا الجدد ــ وانه حان الوقت الآن للاجتهاد وإعادة التربية, وإعادة المرأة لبيت الطاعة ؟.
ـ أليس استهزاء بالمرأة ادعاءات ومفاخرة بعض الأنظمة بان المرأة وصلت , في ظلها وبفضلها, إلى مناصب عالية في الإدارة, والبرلمانات, و أصبح منهن قاضيات, ووزيرات, ووكيلات وزارة, وحتى بتشريفهن بدور حارسات لحياة زعماء مفكرين؟
ـ هل الأمر متعلق بامرأة, أو عدة نساء, و تحسين وضعها أو ضعهن الوظيفي ؟. أم انه نضال مستمر, منذ قرون, لتحرر المرأة, التي هي كل النساء. النساء اللواتي يعانين, من إقصاء, وأمية, وجهل, وازدراء, واضطهاد, وفرض وصاية قاسية ودائمة, وقمع يصل إلى القتل مع تبرئة القاتل؟ (وعلى من يطلب مزيدا من المعرفة حول ما تعانيه المرأة في ظل هذه الأنظمة الرجوع لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والنسائية).
ـ هل تصح بعد كل هذا المقارنة بين القوانين ــ التي تخص المرأة في الدولة الديمقراطية, لما بعد الحرب العالمية الثانية ــ ذات المصدر المعروف, والصياغة الواضحة, والتطبيق النزيه, من قبل قضاء عادل ومستقل, والتنفيذ الخاضع للرقابة الدائمة. وبين تلك التي لا مصدر ثابت وواضح لها, و لا صياغة مستقيمة, ولا تطبيقا مستقلا ونزيها, ولا تنفيذا حياديا, ولا رقابة قضائية؟
ـ وأخيرا, هل يمكن تصور تحرر الإنسان, بجنسيه, دون إعادة بناء كامل وجذري للدولة, في شقيها المؤسساتي والإنساني, على أسس الديمقراطية وقيمها, وسيطرة القانون وحكمه, وأنسنة الحاكم بإنزاله من سمائه, لدخول سليم للقرن الواحد والعشرين؟
مازال دون المرأة, والمكانة المنشودة, نضال ونضال, وتضحيات على النساء المناضلات تقدميها, ولو تقاعس عنها بعض الرجال.
د. هايل نصر.
التعليقات (0)