مواضيع اليوم

المرأة .. ما لها و ما عليها

نزار يوسف

2011-03-06 13:44:07

0

المرأة .. ما لها و ما عليها

 


لقد أخذت قضية المرأة في العالم العربي ، حيزاً كبيراً من الجدل و النقاش ضمن حقل الاجتماع و الدين . و تم التعاطي بها بقدر كبير من الإشكالية و الالتباس . و طُرح ذلك كله ضمن ما عرف و يُعرف باسم ( حقوق المرأة ) . و بنظري ، فإن جوهر و لب القضية هو في أسلوب التعاطي مع مفهوم ( حقوق المرأة ) و التعامل معه و كيف نُظِر إليه . فقضية ( حقوق المرأة ) تأرجحت بين طرفين اثنين .. المعترض عليها ، و المؤيد لها .


في الماضي الذي سلف ، لم تكن ( حقوق المرأة ) مطروحة على مائدة الكلام و الجدل و النقاش ، ذلك بسبب سواد الأمر الديني الذي حسم قضية المرأة التي تحولت إلى عرف سائد مستمد من الأحاديث و التفاسير الدينية التي رضخت في بعضها إلى حوادث الأمور السياسية و الاجتماعية . و كانت بعيدة كل البعد عن جوهر و روح الإسلام الحقيقي في بعض مفاصلها و نواحيها . و بذات الوقت بعيدة عن المنهج القرآني و روحيته . ذلك المنهج الذي نأى بالمرأة عن أن تكون متاعاً رخيصاً جامداً و أداة للمتعة البحتة ، لا كرامة لها و لا رأي . بل اعتبر المرأة كائناً إنسانياً مثل الرجل تماماً ، معادل له ، صنوان معه . ما عدا القوة البدنية و الناحية الفيزيولوجية و الواجبات الاجتماعية المرتبطة بذلك ، و المترتبة على الرجل كأولوية للقيام بها . ذلك ما عبرت عنه الآية القرآنية ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )(النساء34) .


ذلك ما تحدْثتُ عنه بمقالة سابقة لي في موقع إيلاف تحت عنوان ( مساواة المرأة مع الرجل .. ظلم للمرأة ) و يتضح ذلك من معنى و مفهوم القوامة ذات الجذر اللغوي ( قوم ) حيث جاء في المعجم : قوم .. القيام نقيض الجلوس . و عن ابن الإعرابي أن عبداً قال لرجل أراد شراءه : لا تشترني ، فإني إذا جعت أبغضت قوماً ، و إذا شبعت أحببت نوماً .. أي بمعنى أنني إذا جعت كرهت القيام من موضعي و النهوض من مكاني . فجاءت قوامة الأمر هنا بمعنى القيام و النهوض به . و قيّم المرأة هو بعلها أو زوجها ، لأنه يقوم بأمرها و يلبيها ما تحتاج إليه . و فلان يقوم بالأمر ، أي يطيقه و يقدر عليه . و إذا لم يستطع المرء أمراً يقال : ما قام به . كما جاء معنى القيام بالعزم و القدرة ، كقول النابغة الذبياني :


نُبِئتُ حصناً و حياً من بني أسد         قاموا فقالوا حِمانا غير مقروب


أي عزموا فقالوا كذا .


ما ينبغي ملاحظته من خلال ما سبق ، هو أن مفهوم القوامة قد ارتبط بالقوة البدنية و الجهد الفيزيائي الفيزيولوجي ، حيث يتفوق الرجل على المرأة في هذه النقطة بالذات . و لهذا فهو القائم في الأمور التي تتعلق بالأعمال المجهدة الجبارة و التي قد ينجم عنها مخاطر جسدية ( كحفر الأنفاق و المناجم و أعمال البيتون و البناء و الفلاحة ) أو مخاطر معنوية اعتبارية ( كالحروب و الوقوع في الأسر و غيرها ) .. و لذلك كانت الأولوية للرجل للتنطح لهذه الأمور ، فهو الأولى أن يتحمل العبء . و بنظري فإن القرآن الكريم قد أجبر الرجل دون المرأة ، على القيام بالعمال الجسدية ذات المخاطر الكبيرة ، كونه يتمتع بهذه الميزات البدنية الفيزيولوجية . فهي بنظري قوامة إجبار و إكراه ، لا تفضيل و تمييز ، لأن المفاضلة بالقرآن الكريم هي بالعقل و التقوى في العبادة بمفهومها العام الشامل ، لا بمفهومها المحدود الضيق كما يراه البعض و المقتصر على أداء الطقوس و الشعائر  المنحصرة فيها .


و فضلاً عن ذلك ، فإن موضوع المرأة و قضيتها في القرآن الكريم ، قد جاءا في غالب الأحيان ضمن نطاق العلاقة الزوجية ، أي بين زوج و زوجة ، كون الزواج متعلق بعقود و مواثيق و اتفاق . و كون الزواج مرتبط بثنائية طرفها الآخر هو الطلاق ، و ما يترتب على ذلك من حقوق مالية و اجتماعية . و نادراً ما نظر القرآن الكريم إلى قضية الرجل و المرأة من حيث الجنس ، أي بمعنى هذا رجل و هذه امرأة ، بل على العكس من ذلك جاء ذكر المرأة بصورة مساوية للرجل و بآيات كثيرة لا يمكن إيرادها جميعاً هنا لكثرة عديدها ، و منها على سبيل المثال لا الحصر :

( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ) (النحل:58) لم يذكر امرأة أو ابنة أو بنت أو فتاة ، بل ذكر ( أنثى ) و هي إشارة واضحة و قوية إلى ذم و استهجان عملية التفريق بين ما هو مذكر و ما هو مؤنث . و بالمنطق فإن استهجان شيء ، يقابله استحسان نقيضه أي استحسان المساواة بين الرجل و المرأة – خلا القوة البدنية – و السبب واضح ، و هو أن كلمة ( أنثى ) هي الوعاء الشامل المحتوي لكل الألفاظ التالية و مرادفاتها و ما يشتق عنها ( امرأة – ابنة – بنت – طفلة – فتاة ـ مولودة – شابة – كهلة .. الخ ) .


من خلال إعادة دراستي للآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة ، رأيت انحيازاً و دعماً لها ( حاشا لله الظلم ) أي بمعنى تدقيق و تشديد على حقوقها أكثر من الرجل . و كأن الله سبحانه و تعالى ، يعلم أن الرجل قد يستخدم تفوقه البدني لنيل مكاسب إضافية أخرى على حساب المرأة بما قد يظلمها و يهضم حقوقها ( الإنسانية الطبعية ) في نواح معينة . و لعل الآية القرآنية التالية ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) (القصص:23) تعبر عن هذا المدلول بوضوح . حيث تحدثت الآية عن النبي موسى (ع) عند هروبه من فرعون و وصوله إلى قضاء مدين و لقاؤه هناك بفتاتين عند نبع ماء تزاحم عليه الرعاة و هم من الرجال . و لم تستطع الفتاتان أخذ حصتهما من الماء بسبب تزاحم الرعاة على الماء و تدافعهم و احتكاكهم ببعض للوصول إليه ، و بسبب ضعفهما البدني و حرجهما من دخولهما بين الرجال ، بينما أبوهما الذي هو رجل و ينبغي أن يقوم بدوره ، لم يستطع ذلك ، بسبب كبر سنه و ضعفه . فتدخل موسى (ع) مستخدماً قوته البدنية و عدم حرجه من وجوده بين الرجال كونه رجل مثلهم ، و عبئ للفتاتين الماء .


يلاحظ مما سبق ، التصوير القرآني الدقيق لدور كل من الرجل و المرأة المختلفان . و أن القوة البدنية هي ما يميز المرآة عن الرجل . و أن المرأة في قضايا و أمور معينة لا يجوز أن تكون موجودة أو ليس من مهمتها أن تكون موجودة لأنها ستفشل في مهمتها أو ستتعرض لخسائر مادية و اعتبارية معنوية . و لاحظوا أن عبارة ( أبونا شيخ كبير ) لم تأت عبثاً أو تكن حشواً لا معنى له بل كانت أداة تصويرية على غاية من الأهمية . كذلك عبارة ( الرعاء ) . فماذا لو دخلت الفتاتان في غمرة الرجال الرعاة البدائيون و قررتا بالقوة أخذ حصتهما من الماء ؟ ما هو الموقف الجسدي و الاعتباري المهين الذي من الممكن أن تتعرضا له غير الاغتصاب ربما أو التحرش الجنسي ؟؟ لذلك اضطرتا للاستعانة بالرجل كيلا تضعا نفسيهما في موقف حرج مخزٍ كهذا . هذا الموقف شبيه بموقف ركوب الباص ( الحافلة أو الأوتوبيس ). المرأة في حافلة النقل العام المزدحم بالركاب قد تتعرض لهكذا موقف مهين و لن تكون بمنأى عن التحرش الجنسي بطرقه المتعددة و المعروفة . و لهذا يقوم البعض و يجلسها مكانه في المقعد . تأتي من تقول لك أنا لا يهمني الوقوف بالباص إذا كان ذلك سيحرمني من المساواة مع الرجل و مرحباً بالوقوف في الباص . و لو أنها تعلم أن عواقب المساواة مع الرجل هي أبشع من موقف الأتوبيس لما قالت ذلك .

أذكر مرة في أحد المراكز الثقافية أني كنت في حوار مع مجموعة من الشبان و الشابات حول موضع المرآة و حقوقها ، فطرحت أنا بسياق قضية معينة أن أعمال البيتون ( الباطون ) من الأعمال المجهدة المميزة لعمل الرجل و يصعب على المرأة أن تقوم بها ، فانبرت إحدى الموظفات تجلس خلفي مباشرة و التي كانت تستمع الحديث و صاحت فجأة بطريقة أجفلتني : كلامك غلط يا أستاذ و هذا لا يعيب المرأة و الدليل أنني أنا مستعدة أن أعمل بالباطون . فقلت لها : يا سيدتي رجاءاً .. رجاءاً حاراً أن تعملي بالباطون .. أرجوك و أتوسل إليك أن تعملي بالباطون ، كرماله لـ الله اشتغلي بالباطون .. و الله يلعنه لأبوه اللي ما بيشتغل بالباطون ، أي شو شايفتني جاي أنازعك مهنة الباطون يعني ؟؟!! أنا أعرف رئيس ورشة باطون و أطلب منكِ أن تعملي من الغد ليوم واحد فقط عنده .. تجبلين الأسمنت و ترفعين تنك الباطون و الخشب و الحديد إلى الدور الخامس ، و تقفين بين العمال الأميين الذين من ستة أشهر لم يأكلوا لحم ، و على مرأى من الناس في الشارع . و كرامتك محفوظة .. افعلي هذا فقط ليوم واحد . فتلكأت في مقعدها و قالت : لكن أنا لدي وظيفة هنا و لست مضطرة . فقلت لها : إذن لا داعي لهذا الكلام و المزايدة العقيمة التي لا معنى لها .

بالعودة إلى الآية القرآنية السابقة نرى أن القرآن الكريم قد أورد مشهد تصويري لعدم المساواة بين المرأة و الرجل لجهة القوة البدنية و العضلية فقط . لكنه أورد مشهد تصويري آخر لتثبيت عكس هذا الأمر بقضية أخرى ، في الآية التي جاءت مباشرة بعد حادثة الرعاء ، حين أظهر أن تلك الفتاة الضعيفة عضلياً هي التي كانت صاحبة الرأي و المشورة التي تم تطبيقها ، إذ أنها قالت لأبيها عند قابل موسى (ع) بعد ذلك ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) (القصص:26) مشهد قرآني يظهر أن المرأة هي صاحبة رأي و مشورة ( يا أبت استأجره ) فرضت رأيها على أبوها . و أبوها قبل به .. و هي أيضاً صاحبة فراسة و رؤية ثاقبة ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) أدركت بفراستها و حكمتها و ذكاؤها أن موسى قوي و أمين . بينما عندنا الآن إذا فعلت ذلك .. إذا قابلت رجل غريب و عبأ لها الماء و ذهبت به إلى المنزل ، ربما تُقتَل بدواعي الشرف بما يعرف زوراً و بهتاناً بـ ( جرائم الشرف ) .


بملاحظة الآية التي تقول ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (الممتحنة:12) نرى أن ما طُلب من المرأة كشروط للمبايعة هي ما يطلب من أي إنسان عادي من أمور أخلاقية عالمية متعارف إليها منذ أمد الحضارات الإنسانية البعيد .. لا تسرق .. لا تزني .. لا تقتل .. لا تفتري .. لا تفعل المنكرات . و لم تُحَمّل المرأة أي عبئ إضافي آخر يميزها عن الرجل .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) (النساء:19) آية قرآنية واضحة تمام الوضوح جاءت بصيغة الأمر بعدم الاستيلاء على الحقوق المالية للمرأة بالغصب أي استخدام القوة البدنية و العرفية للرجل ضد المرأة و الضغط عليها لاستحصال مكاسب منها لا تريدها هي ، ليس ذلك فقط بل تعدى الأمر إلى ذم الشعور بالكره تجاهها حيال ذلك ، مع أن الكره هو حالة شعور عاطفية من خصوصيات المرء و قد لا يلام على ذلك .


( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (الأحزاب:58) مساواة إنسانية واضحة يضاف إليها عدم الأذية و اعتبار ذلك من البهتان و الذنوب الكبيرة . و كلمة ( البهتان ) هنا ذات مدلول لغوي واضح أي التجني على المرأة لأمور مزاجية مخالفة للشرائع و القوانين الصريحة الواضحة المعترف عليها . و جعل الهفوات أو الأخطاء الصغيرة ذنوباً كبيرة ، أو مصادرة أخطاءها الخاصة بها و التي تتحمل هي وحدها مسؤولية عواقبها ، و معاقبتها عليها بالقتل أحياناً . فالبهتان هو الافتراء و الباطل الذي يُحتار في أمره فيبدو حقاً .


( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) ( الطلاق 6 ) ضمان مساواتها الإنسانية مع الرجل بالمكان و المسكن و عدم التضييق عليها ، لا بل واجب النفقة عليها عند الإرضاع و هو جزء من واجب الدولة التي تمنحها إجازة الأمومة مع بقاء مرتبها ساري المفعول ، إلى جانب زوجها الذي مجبر بالإنفاق عليها .. ضمان حتى حقوق الإرضاع التي هي من واجب المرآة تجاه وليدها و ليس زوجها أو المجتمع ، و مع ذلك فالرجل و المجتمع ملزمان بالقيام بالواجب تجاهها ، إذ جاء الأمر بصيغة الجمع . و هذا ما عززته الآية الأخرى التالية ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( البقرة 233 )


( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً ) ( النساء 22 ) تحرير المرأة من العبودية و التبعية كون هذا النوع من الزواج العرفي الإجباري الذي كان منتشراً و سائداً قبل الإسلام و في حضارات و أماكن مختلفة ، يجعل من المرأة سلعة و شخصاً فاقد الإرادة و الأهلية . بالإضافة إلى ضمان حريتها في اختيار الزوج .


( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً ) ( النساء 128 ) ضمان حق الزوجة إذا تعرضت لسوء معاملة من الزوج حتى و إن كانت معنوية اعتبارية و حق لها أن يكون زوجها سليم مهيأ للزواج جسديا ًو نفسياً .

( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ) (التحريم 11 ) أكبر دليل قاطع على أن المرأة كاملة الإيمان تماماً لا ينقص منه شيء و أنها ليس ناقصة دين و إيمان . لا بل ضُرب المثل بها للإيمان للرجال و النساء . فعبارة ( للذين آمنوا ) تشمل الذكر و الأنثى . و هو أكبر تكريم للمرأة في القرآن الكريم على الإطلاق ، و هو الذي ذكرنا فيما سبق ذكره ( حاشا لله الظلم ) أنه تفضيل للمرأة . يقال أن الحيض و الولادة تمنع المرأة عن الصلاة و الصيام و بقية الفرائض ، لذلك فهي ناقصة دين و هذا غير صحيح لأن هذه علة ( سبب ) فيزيولوجية من طبيعة المرأة و لا علاقة لها به و لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، الله منح المرأة ترخيص عدم أداء الشعائر إذا تقاطعت مع هذه العلل ( الأسباب الفيزيولوجية ) بينما ناقص الدين هو الشخص القادر على أداء الشعائر و الفرائض و لا يوجد سبب يمنعه من أدائها ، و يقصّر هو عامداً متعمداً في ذلك . و إلا ماذا عن المشلول و الأبكم و المُقعَد و الأعمى المادي و ذوو الأعضاء المبتورة ؟؟ هل كل هؤلاء ناقصوا دين ؟؟!! إن ناقص الدين هو الشخص الذي يتعد أوامر الله و نواهيه و حدوده ( عدم الكذب – تحريم القتل – تحريم النميمة – تحريم الظلم – عدم النفاق – حرمة السرقة – عدم الغش – عدم الزنا - العمل الصالح – الصدق – العدل ... الخ ) التي هي الفرائض الحقيقية ، و من يخالفها و يتعداها هو ناقص الدين ، من ذكر أو أنثى . ثم كيف تكون المرأة ناقصة دين و يضرب الله بها المثل للإيمان ؟؟؟!!! .

( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ) (النمل 32 - 33) تصوير لقيادة المرأة للمجتمعات و نظام الدولة و الاعتراف لها بهذا الحق . التصوير الثاني هو قدرة المرأة على اتخاذ قرارات خطيرة مصيرية تتعلق ليس بشخصها فقط ، بل بنظام دولة و مجتمع . ليس ذلك فقط بل تصوير إمكانية خضوع قوة الرجل البدينة و شدته و بأسه لعقل و حكمة المرأة .. بلقيس تستشير قومها و رجالها و تطلب منهم الرأي و المشورة فيجيبونها أنهم الرجال أصحاب الشدة و العزم يتبعون لرأيها و قرارها و حكمتها . و الآية ( 33 ) السابقة الثانية ذات معنى و مدلول قوي جداً و يحمل عبارة و دلالات كبيرة ذات مغزى عميق ( نحن أولو قوة و بأس شديد .. الأمر إليك .. انظري ماذا تأمرين ) دلالات عميقة قوية تدحض و تنفي مقولة أن المرأة ناقصة عقل .

( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) (يوسف 21) تفويض الأمر و السلطة و القرار للمرأة في أمور قد تكون من اختصاص الرجل أو اختصاصه و المرأة معاً .


( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) ( النساء 127 ) تفويض أمر المرأة إلى الله تعالى لا إلى البشر . و التفويض في القرآن الكريم يعني أن الله سبحانه و تعالى هو صاحب الحساب و العقاب في الحدود إلا التي شرع للناس تطبيقها و التي تتعلق بالحق العام و حقوق العباد من سرقة و قتل و غيرها . و تشديد على إيفاء الحقوق المالية للمرأة .


( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) ( النساء 20 ) تشديد على ضمانة حقوق الزوجة في حال تزوج بعلها زوج أخرى و اعتبار ذلك من البهتان و الإثم الواضح الكبير .


( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ... ) ( النساء 4 ) .


( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ... ) ( النساء 24 ) حُصِرت المتعة فقط بالرجل مع أن العلاقة و الوصال بين الرجل و المرأة ، تحصل فيها الممتعة للطرفين . و الواجب المادي يقع على الطرفين . و مع ذلك يعتبر القرآن الكريم أن المرأة هي التي قدمت شيء منها و خسرت شيء من جسدها و تستحق تعويضاً ، حتى و لو كانت المتعة بالتراضي بينهما .

الجانب الآخر الذي ركز عليه القرآن الكريم هو قضية المساواة الإنسانية بين المرأة و الرجل ، و هي كثير عديدها و منها على سبيل المثال لا الحصر : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ... ) (النساء 1)

( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ) (الأنعام 98)

( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ... ) (الأعراف 189)

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الروم 21)


( مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (لقمان 28)

( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ... ) (النساء 32) . يلاحظ في هذه الآية أن هنالك تبادل في التفضيل بين الرجل و المرأة ، فهنالك أمور يمكن أن يكون فيها الأفضلية لأحد الطرفين ، و أخرى للآخر .


ذاك كان التساوي لجهة التركيب الفيزيولوجي و الجسدي و الأساس أو المصدر الخَلقي الواحد للذكر و الأنثى ، بمعزل عن القوة الجسدية و الفروق العضلية . لكن هنالك تساوٍ آخر ، هو التساوي في الحقوق و الواجبات و العواقب المتفرعة عن ذلك ، أي بما معناه ، التساوي القانوني ، لا فرق بين رجل و امرأة أو ذكر و أنثى . و الآيات التالية تعطي دلالة واضحة على المساواة القانونية بين الرجل و المرأة في العواقب الجزائية للأفعال و التصرفات و المساواة في الدين أمام الله ، و هي دعوة إلهية واضحة لتطبيق هذه المساواة في المجتمع و القانون الوضعي .


( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ... ) (آل عمران 195)

( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) (النساء 124)

( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (النحل 97)

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات 13)

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (التوبة 71) إشارة واضحة إلى دور المرأة و حقها و صلاحيتها و مساواتها مع الرجل في التوجيه و النصح و الإرشاد و حتى التشريع . يتضح ذلك من عبارة ( بعضهم أولياء بعض ) أي جواز تبادل الأفعال السابقة من رجل لامرأة و امرأة لرجل .

 
( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (غافر 40) المساواة التامة في الدين ، و دحض لمفهوم نقص الإيمان .


( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (النور 2)
( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ) (المائدة 38) التساوي بالعقوبات بين الرجل و المرأة . و جاء التفصيل الدقيق للعقوبات كيلا يحصل تفريق بتطبيق العقوبة ما بين الرجل و المرأة . و هو ما يحصل الآن فيما ما يسمى زوراً و بهتاناً بـ ( جرائم الشرف ) فإذا كان الحكم الإلهي للزنا يطال الاثنين ، الذكر و الأنثى ، فيلزم أن الجريمة المزعومة ( جريمة الشرف ) أن تطال الشريك الآخر أيضاً ، هذا إذا افترضنا جدلاً و مجازاً شرعية ذلك النوع من الجرائم و هو ما ليس له أساس من الصحة و الوجود في القرآن و الشريعة .


( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (آل عمران 61) مشاركة المرأة في القرارات المصيرية الهامة و الخطيرة و القبول بها إلهياً كطرف مشارك معتمد ، حتى تلك التي يدخل فيها الأمر الإلهي كطرف .

( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (المجادلة 1) آية ذات دلالة قوية جداً في قضية مظلومية المرأة ، و صورة تدخل الله مباشرة و استماعه لشكوى المرأة .

( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَ الْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) ( النور 6 - 9 ) هذه الآية تعطي الدلالة الواضحة القوية على المساواة القانونية بين الرجل و المرأة حتى في الشهادة ، أي شهادة المرأة تعادل شهادة الرجل في الأمور التي تخصها . و بالمقياس بين الآية التي تقول ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ) ( البقرة 282 ) نرى أن الشهادة هنا قد جاءت فيما هو غير متعلق بالمرأة ، أي أن المرأة هنا تشهد في أمور لا تخصها مباشرة و لا تمسها شخصياً . فهي هنا شاهد لقضية لا تتعلق بها . و معادلة امرأتان لرجل لا تتعلق بتاتاً بنقص عقل المرأة أو أنها معرضة للنسيان ، فإذا كان الأمر كذلك فإن المرأة الثانية هي أيضاً ناقصة عقل و معرضة للنسيان ، حتى و لو كانوا مائة امرأة فإنهن معرضات للنسيان . لكن القضية بنظري هي أن القرآن الكريم قد وضع احتمال أن المرأة ربما قد تكون معرضة للضغط إليها من قبل رجل ما ، زوجها أو أخوها أو شخص ما ، فتكون الثانية غير معرضة لهكذا موقف فتذكر الأخرى . و جاءت العبارة ( تضل إحداهما ) و لم يقل ( تنسى إحداهما ) و الضلال هو بفعل عامل خارجي عادة .

( إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ) ( آل عمران 35 - 36 ) صورة المرأة تخاطب الله سبحانه و تعالى و تدعوه و يستجيب الله لها ، تماماً كما يفعل الأنبياء و الرجال .


( وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى‏ قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأى‏ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‏ قَوْمِ لُوطٍ وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ يا وَيْلَتى‏ أَأَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيد ) ( هود 69 – 73 )
( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَراغَ إِلى‏ أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) ( الذاريات 23 – 30 ) مشهد قرآني تصويري يبين دخول المرأة في النقاش و الجدال و مشاركتها الحوار في القضايا الإلهية المتعلقة بها و قبولها كطرف محاور و اعتبار ذلك كحق من حقوقها . لاحظوا كيف تَقَبَّل ملائكة الله المرسلين المكرمين و رسله القادمون في مهمة جليلة خطيرة إلى إبراهيم ، تقبّلوا دخول امرأة عليهم ( فأقبلت امرأته ) و بلّغوها موافقة الرب الحكيم العليم لرأيها ( كذلك قال ربك أنه هو الحكيم العليم ) .

 

في حوار لي مع إحدى النساء المتحمسات لقضية المرأة و حقوقها قالت لي : إن الشريعة الإسلامية فيها تهميش لحقوق المرأة و حريتها و جعلها تابعة للرجل و أنا أرى أنه فيما يتعلق بالمرأة ، يجب عدم اعتماد نصوص الشريعة الإسلامية في الزمن الحاضر . فقلت لها : يا سيدتي إنك بذلك تكونين قد أسديتي أكبر خدمة لنا نحن الرجال ، لأنك لو تدركين معنى كلامك هذا ، لتشبثتي بالشريعة الإسلامية الحقيقية ، لأن الآيات القرآنية قد جاءت لصالح المرأة . و في الأمور البدنية العضلية الشاقة ذات الخطورة المادية و الاعتبارية و المعنوية ، فَرَضَت على الرجل القوامة في تحمل هذه الأمور . قالت لي : و لكن ماذا لو أردت أنا أن أتحمل تلك الأخطار ؟ أنا حرة و من حقي إذا أردت ، أن أتحمل تلك الأخطار ، و لا أحد يمنعني . فقلت لها : أهلاً و سهلاً و أنا أرحب بذلك و أرجوك متوسلاً أن تفعلي ذلك لأنك بكل بساطة تزيحين عن كاهلي التعب و المشقة .. عندما تفرض خدمة العلم على المرأة كما الرجل ، يخف الضغط على الرجل . و عندما يكون عدد الرجال مساو لعدد النساء في الدولة تصبح فرصة الرجال أكثر للعمل ( حيث أننا ندخل الآن إلى دوائر الدولة فلا نرى إلا النساء ) و إن كنتِ معلمة مدرسة و تزوجت و أصبحت حاملاً ثم وضعت مولودك ، لا يحق لك إجازة أمومة من باب مساواتك مع الرجل ، أو من باب هذه المساواة نفسها يحق للعامل الذكر بإجازة أبوبة إذا أتاه ولد . قالت لي : و لكن أنا أرضع و لدي وضع خاص . أجبتها : إذن أنت تعترفين أن لك وضع خاص ؟ يعني اختلاف ؟ يعني فروق فيزيولوجية ؟ يعني لا مساواة ؟ و هو الشيء الذي أعطاك إياه القرآن الكريم ، و هو الشيء الذي تريدين أنت رفضه الآن و تريدين حرية الاختيار في تحمل الأخطار و المسؤوليات . أنت الآن حامل فهل أنت مستعدة عند الولادة أن تمارسي حريتك و جرأتك و ترفضين إجازة الأمومة و تكملي مهمتك الإنسانية النبيلة في تعليمك للأطفال المحتاجين لك ؟؟ قالت : أنا من حقي كامرأة أن آخذ إجازة أمومة . فقلت لها : أنت الآن هربت من المساواة إلى الحقوق .. تبنيت قضية المساواة ، و عندما أُحرجت و وجدت نفسك في مأزق ، قفزت إلى قضية الحقوق .. عندما تقولين ( من حقي كامرأة ) .. مجرد لفظك لعبارة ( من حقي كامرأة ) هذا ينفي أو يعفي قضية مساواتك مع الرجل التي تعني أموراً كثيرة .. تعني أن لا يكون لك مهر و لا مقدم أو مؤخر عند زواجك لأنك أصبحت متساوية مع الرجل . و يصبح الزواج هنا على عاتق الطرفين ، الطرفين يتحملان هنا تكاليف بين الزوجية و الأثاث و العفش كما يقال و غيرها . لأنك تخليت عن خصوصيتك و حقوقك كامرأة . مساواتك في كل شيء تعني تخليك عن حقوقك كامرأة .

إن الكلام السابق الذكر يقودنا إلى قضية ذات إشكالية كبرى هي قضية ( حقوق المرأة ) و هو بنظري مفهوم غامض و ملتبس فأنا شخصياً ضد ما يسمى ( حقوق المرأة ) . لأنه بنظري أن المرأة ليس لها حقوق خارج الإطار الإنساني العام و خارج الفروق الفيزيولوجية بينها و بين الرجل . و أحياناً تكون قضية ( حقوق المرأة ) أداة للحط من المرأة و تصغير شأنها و المزايدة إليها أو حتى سوقها إلى مأرب و أمور لا علاقة لها بالمرأة .


بنظري أن كلمة حقوق ، تعطى عادة للأشخاص الضعفاء أو المعاقين أو ذوي الاحتياجات و الظروف الخاصة ، بسبب كون هؤلاء لهم ظروف و أوضاع خاصة طبعية بديهية مألوفة و متعارف عليها و لا تمثل استثناءات شاذة متفرقة .. زمنية أم عرفية أم اجتماعية ، بل هي قواعد عمومية شاملة طبعية . و أنا شخصياً أنزه المرأة عن مثل هكذا أوضاع . فالحقوق تعطى لأشخاص لهم أوضاع معينة ، و المرأة بنظري ليس هذا الكائن الضعيف الناقص حتى يكون له حقوق . و الملاحظ في المجتمعات الغربية مثلاً في بعض الأمكنة وجود أشارات معينة لأشخاص معينين .. مثلاً رأيت في بعض المسارح معبر للحضور و عليه لافتة تشير إلى أنه مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة . أو لافتات في أماكن أخرى تشير إلى أمكنة مخصصة للأطفال . و نادراً ما توجد لافتات مخصصة للمرأة .. إلا في الأمكنة التي تحتاج فيها أن مميزة عن الرجل لدواع اعتبارية خاصة . كدورات المياه مثلاً حيث توجد لافتات مخصصة للنساء و أخرى للرجال . و خلا ذلك لا توجد مثل هكذا أمور أو إشارات . فهل المرأة كائن ناقص أو مشلول حتى نجأر و نطالب لها في كل شاردة و واردة بحقوقها ؟؟!!

أنا أفهم أن يكون هنالك حقوق للطفل مثلاً لأن الطفل كائن ضعيف و عاجز و غير مكتمل العقل و التفكير ، و هو بالعرف القانوني و حتى الديني يسمى ( القاصر ) و لا يعرف مصلحته و معرض للأخطار و الظلم أكثر من غيره . و لهذا فهو من حقه أن يكون له حقوق و أن يكون له اتفاقيات تضمن له هذه الحقوق كاتفاقية الطفل المعروفة . كذلك الأمر ما يسمى بالمعاقين و ذوي الاحتياجات الخاصة ، هؤلاء جميعهم من الطبيعي أن يكون لهم حقوق خاصة بهم ، و يتوجب أن يكون لهم حقوق كونه لديهم نقص معين في حيز معين بالمقارنة مع الغير . و المرأة ليست كائن فاقد الأهلية ناقص الإدراك و الشعور ، حتى نطالب لها بحقوق .. ليست كائن عاجز مشلول لا يعرف مصلحته ، حتى نركّب لأجله و نفبرك له حقوق براقة مصطنعة .. بل هي كائن إنساني عاقل واع اعتبره القرآن الكريم عضو عامل و فعال و مساو للرجل و لا يختلف عنه إلا لجهة القوة العضلية البدنية و جعلت له حقوق محدودة محددة فقط في هذه النقطة بالذات كي لا يصيبه غبن أو ظلم . إنها حقوق طبعية بديهية تمثل مسلمات عقلية منطقية ، لا يمكن للمخالف المعارض حرمان المرأة منها ، و لا المؤيد المفرط المزايدة عليها و إضافة حقوق أخرى لا حاجة للمرأة بها ، و استغلالها و جعلها أداة للتكسب و موجة للركوب ، فهي حقوق لا تُسلب و لا تُوهب لأنها بالأساس موجودة و كامنة في المرأة و ملازمة لها و متلازمة معها ، اعترف بها القرآن الكريم و اعترفت بها الأديان الأخرى السابقة و اعترفت بها قوانين الحضارات القديمة السالفة و اعتبرتها ليست حقوق ، بل أمور و مسلمات لا يمكن لأي عاقل تجاهلها . و أنا لا اعتبر هذه حقوق بقدر ما أعتبرها خصوصيات .. من خصوصية الولادة و ما يتبعها من حاجات خاصة ، إلى خصوصية الإرضاع .. إلى خصوصية الضعف البدني .. إلى خصوصية ترقق العظام بعد سن اليأس .. إلى خصوصية الدورة الشهرية .. إلى خصوصية الأمراض التي لا تصيب إلا النساء فقط كسرطان الثدي مثلاً .. إلى .. إلى ما هنالك من خصوصيات يلاحظ أن أكثرها فيزيولوجي عضوي . لاحظوا في القرآن الكريم أنه حيث وجدت المساواة الإنسانية انتفت الحقوق بالنسبة للمرأة ، و حيث وجدت الحقوق انتفت المساواة البدنية و العضلية و الاعتبارية . و لاحظوا في القرآن الكريم أن الحديث عن الاختلاف بين الذكر و الأنثى جاء في الفترة التي تقع ما بين مرحلة البلوغ إلى مرحلة الكهولة حيث تتبدى فقط الفروق الفيزيولوجية العضوية بين الجنسين ، و خلا هذه الفترة لم تذكر الفروق ، بل حتى المسميات جاءت عامة شاملة في معظمها ( أبناءكم – اليتامى – أولادكم – يرضعن أولادهن – لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم – قد خسر الذين قتلوا أولادهم – إنما أموالكم و أولادكم فتنة – المال و البنون زينة الحياة الدنيا – الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتم بإيمان – أصابه الكبر و له ذرية ضعفاء – ذرية بعضها من بعض – هب لي من لدنك ذرية طيبة .. الخ ) .

السوآل الذي يُطرح هنا و قد ُطرح علي فعلاً ، هو ماذا حول المظالم التي تعاني منها المرأة و الحرمان الذي تتعرض له ؟؟ أقول أن ما يسمى بحقوق المرأة هو الحقوق الآنفة الذكر التي يجب أن تنحصر بها كامرأة و المتعلقة بطبيعتها و وظائفها الفيزيولوجية البدنية . و ما خلا ذلك ليس لها حقوق بمعنى أن خارج هذا الإطار ليس هنالك حقوق امرأة بل حقوق إنسان و المظالم التي تتعرض لها ضمن هذا المجال هي مظالم إنسانية تتعلق بما يسمى حقوق الإنسان . فلا يجب أن نقول مثلاً من حق المرأة أن تتعلم ، لأن ذلك فيه إهانة لكيان و شخص المرأة و لأنه يفترض في طياته و حيثياته دوافع خفية بأن المرأة ربما في مجالات معينة و ظروف ما ، ليس بالضرورة أن تتعلم . كذلك الأمر بالنسبة لضرب المرأة و إيذاؤها جسدياً تخرج أصوات تركز على هذه القضية و تحصرها بالمرأة بطريقة تجعل من المرأة كائناً أقل مرتبة و كذلك الأمر تخفي في طياتها دوافع خفية بأن المرأة يجب أحياناً أن تُضرب . بل يجب طرح هكذا قضايا لكونها مظالم إنسانية أخلاقية ضد الإنسان . و هنا بهذه النقطة بالذات يجب أن تُطرح مساواة المرأة مع الرجل و كما يتم التعامل مع الرجل يجب أن يتم التعامل مع المرأة تماماً ، و ما يقع على الرجل ، يقع على المرأة فكلاهما من نفس واحدة ، هذا هو تفسير ( النفس الواحدة ) الواردة في القرآن الكريم .


عندما يتم الكلام و التكرار دائماً عن حق المرأة في العمل و حقها في تدبير شؤونها الخاصة و حقها في كذا و كذا و حصر ذلك في المرأة لأنها امرأة .. هذا يعني خلق شعور خفي أو منطقية خفية ( إذا جازت التسمية ) بوصاية مخفية على المرأة . و هذا الأخطاء يقع فيها البعض من المدافعين و المنافحين عن المرأة .


المرأة لا يجب أن تُضرب أو تُظلم أو تمنع من العمل و تدبير شؤونها الخاصة لأنها امرأة ، بل لأنها إنسان .. لأنها كائن بشري معادل و مساوٍ للرجل ، فهما من نفس واحدة لها الخواص ذاتها و الطبيعة ذاتها . لكن الفرق أن هنالك أنفس نزلت في أجساد ذات طبيعة أنثوية و أخرى في أجساد ذات طبيعة ذكرية .


من ناحية أخرى فإنه من المتعارف عليه أن مفهوم الحقوق كمصطلح و تعريف ، يقتضي وجود بنود ثابتة محددة تعرّف تلك الحقوق و تدل عليها . فأية حقوق مهما كانت سياسية أم اجتماعية أم عرفية أم دينية أم اقتصادية تتألف دائماً من بنود ( آ – ب - جـ - د .. الخ ) مثلاً . و هذا معناه أن الشخص أو الجهة التي لها حقوق ضمن هذه البنود ، ليس لها أية حقوق خارج ( أ – ب – جـ - د ... الخ ) و حقوقها تنحصر حتماً في دائرة تلك البنود و تنتهي بمجرد خروجها منها لتدخل في نطاق حقوق أخرى أو في نطاق الواجبات عليها .. يعني أن الحقوق خارج نطاق بنودها ، هي إما ليست حقوق أو واجبات تجاه الغير يجب تنفيذها أو على الأقل احترامها .

في الواقع إن واحد من جملة الأسباب التي دفعتني لكتابة هذا المقال ، هو حادثة حصلت معي .. كنت على موعد مع أحد الأشخاص للذهاب سوية للقيام بواجب اجتماعي . و عندما وصلت إلى منزله و دخلت ، لاحظت أن الجو مكفهر و متوتر بينه و بين زوجته ، فلم ألق بالاً للموضوع و لزمت الصمت ريثما يرتدي صديقي ثيابه للخروج . و بينما أنا في الصالون ، تناهت إلى مسامعي أصوات صراخ بينه بين زوجته في الداخل و بعد قليل دخل الرجل إلى الصالون متوتراً و تبعته زوجته . نظر إلي و قال : يا رجل أنها تريد أن تذهب مع صديقاتها في رحلة إلى تركيا تستغرق أياماً عدة و أنا لدي ضغط هذه الفترة في العمل و خلال هذه الفترة لا أعود إلى المنزل إلا في السادسة مساء . و لدينا طفلين صغيرين أكبرهم عمره سبع سنوات . و قد طلبت منها مراراً و تكراراً تأجيل الرحلة إلى وقت آخر لأنه لا يوجد لدينا من يتكفل بالأولاد و لا نستطيع تركهم في المنزل لوحدهم . و هي مصرة على السفر . فقلت للمرأة : ممكن أن تؤجلي على الأقل رحلتك إلى وقت آخر ريثما ينتهي زوجك من ضغط العمل . فقالت : لا أستطيع لأن هذا برنامج سياحي محدد من قبل الشركة السياحية و قد اتفقنا في العمل مع زملائي و لا يمكن تأجيل الموعد لأنه ليس بيدي ، ثم أنه من حقي كامرأة أن أسافر . قلت لها : و الله بعرف أنه من حقك كامرأة أن تسافري . لكن ماذا عن أولادك ؟؟ من سيهتم بهم ؟؟!! . قالت : هو .. هو رجل و مسؤول عن تربية الأطفال كما أنا مسؤولة عن تربيتهم . فنظرت إليه مستفسراً الرد :فقال لي : يا صديقي أنا الآن في ضغط عمل مفروض علينا فرضاً .. و أنا عضو في لجنة لمراجعة حسابات و أوراق تخص الشركة التي أعمل بها و الإجازات ممنوعة علينا منعاً باتاً لمدة أسبوعين حتى ننتهي من الجرد و تدقيق الأوراق . أنا أعود إلى البيت في السادسة مساء منهكاً تعباً و أذهب إلى الفراش لاستيقظ في السادسة صباحاً من اليوم التالي . و قد اقترحت عليها حلاً أن نذهب في الصيف معاً نحن و الأولاد برحلة إلى تركياً و هذا وعد مني أمامك . نظرت إلى المرأة و قلت لها : مدام .. أعتقد أن المشكلة قد أصبحت محلولة . نظرت إلي و قالت : لا .. أنا أريد أن أذهب مع زملائي بعيداً عن همّ الأولاد و هذه فرصة لا تتكرر . ليس أنتم الرجال فقط من يحق لكم السفر لوحدكم . سألتها باستغراب : و لكن يا مدام ما دخل موضوع الرجال و جنسهم بالموضوع ؟؟!! أنتم في قضية أن أولادكم معرضين لكذا خطر و خطر و كذا موقف و موقف محرج .. دار نقاش بسيط بيني و بينها و كان كل كلامها حول ( من حقي كامرأة ـ أنتم الرجال و أنتم الرجال ) . فقطع علينا الجدال زوجها الذي قال : أنا لن أسمح لك بالذهاب أبداً .. نحن في ظرف لا يسمح لك بالذهاب . فقالت له بسرعة و على الفور : إذا دعنا نتطلق . هنا أنا لم أعد أستطيع التحمل فقلت لأبنهما الذي كان حاضراً يستمع إلينا : عمو .. طالما الشغلة وصلت إلى الحقوق و صار فيها حقوق .. غداً اذهب إلى قسم الشرطة و قدم بلاغ بأن أمك مسافرة إلى تركيا لمدة أربعة أيام و أبوك لا يعود للمنزل إلا في السادسة مساء . و أنت بموجب اتفاقية حقوق الطفل بحاجة لمن يرعاك ، و تطالب بحق الحماية و الرعاية . فصرخت المرأة صرخة مدوية مرعبة و قالت : لا اسمح لك بالتدخل و إذا سمحت احترم نفسك .. إذا سمحت أنا غير مستعدة الآن لاستقبال أحد في البيت . نظرت إلى صديقي و قلت له : أنا في المقهى المجاور .. سلام يا صاحبي .

خرجت من المنزل متوتراً بعض الشيء لسوء المعاملة و التصرف و ذهبت إلى المقهى ، طلبت قهوة و أشعلت سيجارة و أخذت أفكر في قضية الحقوق و مشكلة الحقوق عندنا في العالم العربي . بعد قليل جاء الزوج كان متوتراً جداً و كان من الواضح أن معركة حصلت بعد خروجي . جلس و قال لي : هل تعرف أنه بعد خروجك أخذت تنعتك بأقذع الألفاظ . فقط لأنك قلت للصغير أن يذهب إلى الشرطة و ذكرت اتفاقية حقوق الطفل ، بالمناسبة هل هذا البند موجود فعلاً ؟؟. بالرغم من توتري لم أستطع منع نفسي من الضحك و قلت له : لا و حق ربك ما بعرف ، لأني شلفته شلف ( عرفت فيما بعد أنه يوجد شيء من هذا القبيل ) و كان قصدي أن أخفف الأمر و لكن هذه النقطة بالذات وضحت لي أموراً كثيرة كنت أجهلها .. وضحت لي أن هنالك أناس لا تعرف الحقوق و لا تقدرها و ترعاها و لا تنظر إلا إلى حقوقها فقط حيث تصبح حملان وديعة تظهر المسكنة و الضعف و تتشدق بالديمقراطية ، و عندما يتعلق الأمر بحقوق غيرها تتحول إلى ديكتاتوريين و جلادين و وحوش تخرج لها أنياب و مخالب .


بعد أربعة أيام التقيت بالشخص نفسه و سألته عن الموضوع و ماذا حصل . فقال لي : و الله يا عمي سافرت . سألته فوراً : و ماذا عن الأطفال ؟؟؟؟ نظر إلي بحسرة و قال : اضطررت أن آخذ الصغيرة ذات الثلاث سنوات معي إلى العمل . ثم أخطف نفسي في الظهيرة و أحضر طفلي بعد خروجه من المدرسة إلى العمل .. هذا هو أفضل حل توصلت إليه . صمت قليلاً ثم أخذ يتمتم بضيق : راحت .. و الله يا عمي راحت .. راحت . نظرت إليه و أخذت أغني لعاصي الحلاني : راحت و شو بيضل غير الهمّ ، من بعد مايروح الفرح و العيد ، و يسافر الزهر الخلِق للشم ، و يصير كل العمر عني بعيد . ثم انفجرت ضاحكاً .


من أمثلة ما سبق من الظلم الذي يحيق بالمرأة ، ما يسمى أو يعرف بـ ( جرائم الشرف ) و هي ظاهرة كانت موجودة من قبل ، لكن تم تسليط الضوء عليها الآن من قبل الهيئات و المنظمات الاجتماعية و الإنسانية . في محاولة لاستئصالها و إزالتها ، كونها تمثل أقصى حالات الظلم الذي يحيق بالمرأة و ممارسة شاذة منحطة تعرضت لها المرأة في الماضي و تتعرض لها الآن في الوقت الحاضر . و الانحطاط الذي يتمثل في ما يسمى زوراً و بهتاناً ( جرائم الشرف ) هو القتل العمد المخطط و المنظم لنفس إنسانية بريئة مظلومة و إزهاق الروح لسبب قد يكون أحياناً شرعي و لا يخالف لا القانون و لا الدين ، بل على العكس من ذلك معترف به من الجهتين .. القانونية و الدينية ( كالزواج الشرعي الرسمي ) و يتبع في هذا النوع من الجرائم أحياناً أقصى أساليب الغش و النفاق و التمثيل ، حيث يوهم القاتل الذكر الضحية الأنثى بأنه لا تثريب عليها و لا يوجد أي ضغينة اتجاهها حتى تطمئن له ، ثم يقوم بقتلها غيلة و بدم بارد . أما الشذوذ الذي يتمثل في هذا النوع من الجرائم ، فهو أن ( جرائم الشرف ) لا علاقة لها باسمها بتاتاً ، لا من قريب و لا من بعيد ، و تحظى بتغطية صامتة من المجتمع الذي تحصل فيه و لا تعتبر جرائم . و ربما يكون اسمها المزعوم هو السبب في ذلك ، أو أحد المسببات . فالقائمون عليها و المنفذون لها يدعون الشرف فيها زوراً و بهتاناً ، و المعارضون لها يسمونها ( جرائم شرف ) مغالطة و تسرعاً . فيكونون من حيث لا يدرون قد أضفوا إليها شرعية صامتة و قبول خفي من المجتمع على مبدأ المثل الشعبي القائل ( جاء ليكحلها فعماها ) . و حتى نوضح مغالطة التسمية لا بد من التعريف الحقيقي ( لجرائم الشرف ) .

إن مفهوم جريمة الشرف تاريخياً هو بالأساس ( نظرياً ) ليس جريمة بمعنى الجريمة و إنما هو إزهاق النفس أو القتل لأجل الشرف ، ولكن قتل من ؟؟؟ إنه قتل ذات النفس ، أي أن يقوم المرتكب لجريمة الشرف بقتل نفسه هو بسبب أن شرفه قد مسه الأذى أو تعرض لفضيحة ما مست بشرفه .. فهي نوع من الانتحار و هي هنا فعلاً جريمة لأن الشخص عملياً ، يجرم بحق نفسه و لا يتعرض للغير بسوء .. أهم صفة في جريمة الشرف أن الشخص لا يتعرض لغيره بالأذى ، بل حصراً يؤذي نفسه . و هذا النوع من الجرائم أو القتل كان و لا يزال شائعاً عبر التاريخ . فأحياناً ما نقرأ عن قائد عسكري يقتل نفسه بعد هزيمته في معركة معتبراً أن شرفه العسكري يقتضي ذلك . أو شخصية معينة تطلق النار على نفسها عند خسارتها لقضية ما أمام خصومها أو فضيحة تلوث سمعتها . و هذا الأمر كان معروفاً و منتشراً عند محاربي الساموراي على سبيل المثال .. هذه هي جرائم الشرف الحقيقية .

أما أن تأتي فتاة و تتزوج على سنة الله و رسوله و بشكل شرعي و قانوني و تسجل عقد زواجها بالدولة نظامياً بمهر معلوم و تسكن و زوجها بيت الزوجية و يكوّنان أسرة هادئة مستقرة ، ثم يأتي أبوها أو أخوها و يقتلها لأجل الشرف لأنها لم تأخذ رأيه أو لأن العريس لم يعجبه أو لأنها لم تتزوج بالشخص المفروض إليها فرضاً من قبل أهلها . فهذه و الله .. هزلت . و يأتي بعد ذلك شخص ناقد ليصف هذه الجريمة بأنها جريمة شرف !! فهذا ما لا يصح . يأتي شخص و يقول : أوقفوا جرائم الشرف .. يا سيدي هذه ليس جرائم شرف و لا علاقة لها بالشرف و الشرف منها براء قبل الدين و الشريعة و القرآن أو الكتب المقدسة .


نعم .. أنا ممكن أن أقبل تسمية هذه الجرائم بجرائم الشرف إذا أقدم والد هذه الفتاة أو أخوها مثلاً على قتل نفسه هو بدلاً عنها غسلاً لعاره و شرفه المزعومين . فالشرف لمن لا يعلم ، هو حالة متعلقة بالشخص نفسه و بذاته و لا علاقة لغيره بها . و هو ملزم بفعال المرء ذاته لا فعال و خلاق غيره ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) ( الإسراء 13 )


و حسب المفهوم القرآني ، فإن الحريص على شرفه و دينه و يدعي أنه ممثل الله على الأرض ، ينبغي له أن يقاصص نفسه أولاً ( إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ( الجمعة 6 ) . إذن فلماذا يقتل هؤلاء و يدعون الشرف في القتل ؟؟ أو بالأحرى ما هي الخلفية الفكرية لهؤلاء في دعواهم تلك و هم كلهم أو بعضهم يعلم تمام العلم أن الدين يحرم هذه الجرائم ؟؟ .


إن التفسير الوحيد لهذه الجرائم ، هو أن هؤلاء لا يعتبرون المرأة كائن بشري بل هي متاع و رقيق و هي من فئة العبيد . لإن الحالة الوحيدة في تاريخ البشرية كله و التي أباحت قانونياً .. أو فسرت قتل شخص بداعي الشرف ، هي العبودية ، فالعبد في التاريخ إذا قام بفعل شائن أو مهين أو خارج عن حدود الأخلاق و الأدب ، كان يحق لسيده أو مالكه قتله ، باعتبار أن حياته ليست ملكه بل ملك لسيده ، و ليس له دية ، و يكفي تسويغ أي مبرر لتغطية جريمة قتله و قبولها في المجتمع ، فما يميز العبد عن الحر ، أن حياته ليست ملكه و المجتمع لا يلق بالاً لإزهاق روحه هذا هو التفسير الأكثر قبولاً .

يضاف إلى ذلك أن أقصى الحالات سوءاً في حالات الإخلال بالآداب ، هي الخيانة الزوجية من أحد الطرفين و هي أشد من حالة الأعزب . و قد ذكر القرآن الكريم هذه الحالة و لم يذكر معها القتل لأجل الشرف بل فوض عاقبتها إلى الله و كانت النساء هنا نساء أنبياء و هم من الذين يفترض بهم جدلاً تطبيق العقوبة ومع هذا لم تذكر العقوبة الفورية ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) ( التحريم 10 ) . فكيف بفتاة تقتل لأنها نظرت إلى شاب أو تكلمت معه أو تزوجت شرعاً دون رضا أهلها ، و من يقتلها ليس نبي ، بل إنسان عادي ربما يرتكب الموبقات أكثر منها ؟؟!! .


إن الجرائم المزعوم أنها ( جرائم شرف ) و التي لا علاقة لها بالشرف ، و الشرف منها براء . هي بنظري جرائم قتل من الدرجة الأولى و ليس لها مبرر و لا يجوز أن يكون لها أي مبرر . و بعض الذين يناهضون هذه الجرائم ، يقعون أحياناً في فخ التبرير لها دون أن يقصدوا ذلك . تقرأ في الصحف عنوان مثل .. قتل أخته لأنها تزوجت أو قتل ابنته لأنها تكلمت مع ابن الجيران ... الخ . إن عبارة ( قتل لأن ) هي خلق مبرر وهمي افتراضي تخفيفي عن صاحب الفعل الجرمي . و إنني أدعو و أتمنى على جميع الهيئات و المنظمات التي تدافع عن هذه القضية ، أن تلغي اسم ( جرائم الشرف ) من توصيف مثل هكذا جرائم و استبدالها بأي اسم آخر .. مثلاً جرائم قتل المرأة .. جرائم القتل بلا سبب .. أو جرائم القتل العنصرية .. نعم هذه جرائم قتل عنصرية طالما تقتل المرأة و يترك الفاعل الذكر . انتقوا أي تسمية أو تصيف غير ( جرائم الشرف ) .


تقرأ في الصحف عن أب يقتل ابنته لأنه وجد في حقيبتها وردة من زميلها في المدرسة أو أخ يقتل شقيقته لأنها تزوجت على سنة الله و رسوله من شاب ترضاه و يرضاها . ثم نفاجئ بالعنوان الصحفي المهين المعيب . القتل لأجل أمور تتعلق بالشرف و العفة أو القتل لأسباب تمس الشرف و العفة .. أنهو شرف ؟؟؟!! و أنهو عفة ؟؟؟


كلمة أخيرة .. تمنوا الموت إن كنتم صادقين


نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !