مواضيع اليوم

المرأة في قصة موسى عليه السلام من سورة القصص

عبد الله السكرمي

2012-12-26 17:41:49

0

 

المرأة في قصة موسى عليه السلام

من سورة القصص 

 

 

 

يجب علينا أن نتعلم من قرآننا، كيف نُعامل النساء، كيف نُعامل المرأة، فكثير من الرجال يحتقرون المرأة، أو على الأقل ينقصونها قدرها، ولا يرون أن لها مكانة في دنيا الناس، أو في حياة الناس، ويتهمون الإسلام بأنه دين لم يعرف للمرأة حقا، وكذَبوا، فهذا ليس من الإسلام في شيء.

فالقرآن يقول:{بَعْضُكُم مِنْ بَعْض}، أي: المرأة من الرجل، والرجل من المرأة، ولا يستغني أحدهما عن الآخر، بل كلاهما مكمل للآخر. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (النساء شقائق الرجال)، أي: مكلفة كالرجل. فهما مأموران معا بأن يعملا لإرضاء الله تبارك وتعالى، ولخدمة هذا الدين، ونصرة هذا الدين، حتى يحققوا الأهداف معا، جنبا إلى جنب، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة:71].
وفي قصص الأنبياء جميعا نجد للمرأة دورا هاما، لم يُغفله القرآن الكريم، وإنما وضحه وجلاَّه، ليعلم الناس أن دين الإسلام هو الدين الوحيد الذي رفع قدر المرأة، ونوَّه بجهدها وقدرها.. وفي سورة القصص نجد أن المرأة في قصة موسى عليه السلام، لها دور من أول يوم، من أول ميلاده عليه السلام نجد دور المرأة (الأم) في حياة موسى فاعلا.

فلم يذكر القرآن الكريم شيئا عن والد موسى، وإنما ذكر لنا عن أم موسى، والتي تمثل دور المرأة الأول في قصة موسى عليه السلام، فقال تبارك وتعالى:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)}.
وحين ترى المعاناة التي حدثت مع ميلاد موسى، نعرف أن الأنبياء لم يكونوا من ذلك النوع، الذي يُولد وفي فمه ملعقةٌ من ذهب، هم يُقاسون الحياة من أول يوم، فهذا يوسف عليه السلام كم لاقى من معاناة من صغره.. وموسى عليه السلام من أول ما وُلد، يُرمى في اليم.
حينما يُقال لأم: إذا خفت على ابنك ارميه في البحر، هل تفعل؟! لكنها أم موسى، المؤمنة التي لم تُكذب وحي ربها، فألقته في اليم، كما أمرها الله. فوصل إلى بيت فرعون، فلما رأته امرأة فرعون، تعلقت به، يقول الله تبارك وتعالى:
{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}.
وهذا دور أيضا من أدوار المرأة في قصة موسى عليه السلام، وهو دور ليس بسيطا، فحينما يريد الله أن يهيئ أمرا، هيَّأ له الأسباب، وأزال من طريقه الصعاب، فحين أراد الله أن ينجي بني إسرائيل مما هم فيه من الذل والهوان، وأن ينتقم من فرعون وعلوه على الناس، وطغيانه في الأرض وفساده فيها، كما قال تبارك وتعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)}
فقال الله {نريد} ومتى أراد الله، لا بد أن يُنفذ وعده، بوسائل قد نعلم شيئا منها، ولا نعلم الكثير منها، فلما أراد الله ذلك، جعل تربية الرجل الذي سيزول ملك فرعون على يديه، في حجر فرعون، وفي قصر فرعون، وتحت سمعه وبصره.

 

 

انظروا إلى سخرية الأقدار: فرعون الذي حين عرف أن هناك فتى من بني إسرائيل سيزول ملكه على يديه، أخذ يذبح أطفال بني إسرائيل، هو نفسه الذي يربي في قصره الطفل الذي سيزول ملكه على يديه.
أراد فرعون أن يقتل هذا الطفل، حينما جاءه، فهيأ الله له امرأة يتعلق قلبها به، فتدفع عنه القتل، وقالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}. وكان هذا دور امرأة فرعون.

 

كما نجد في قصة موسى دور أخت موسى، {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} تتبعي أثره. {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)} قال لهم: أعرف امرأة تُرضعه، وهي أمينة عليه. {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}.

وتجد بعد ذلك حين خرج موسى من مصر خائفا يترقب، بعد أن حدثت حادثة القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه، وما كان يريد أن يقتله، فهو قتل خطأ، ولكن موسى اعتبر هذا من عمل الشيطان، وأنه تسرع، {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)}، ومع هذا يقول سيدنا موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } من المغفرة على هذا الذنب. {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)} لن أكون عونا أبدا للمجرمين، ولا سوطا للظالمين، هذا عهد عاهد الله عليه.

 

 

 

خرج موسى عليه السلام إلى مدين، وهنا نجد دورًا آخر للمرأة في حياة موسى عليه السلام، فحينما ذهب إلى ماء مدين الذي يتزاحم الناس عليه، {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ}، أي: تدفعان بغَنَمهما بعيدًا عن مزاحمة الرجال. سألهما موسى - بشهامته الفطرية، مع أنه رجل غريب- فقال لهما: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)}.
عرفتاه أنهما مضطرتان للعمل؛ لأن الأسرة محتاجة للعمل، ولا يوجد رجل في الأسرة، كما أن الأب شيخ كبير. فماذا تفعلان إذًا؟
فالمرأة تعمل، عند الحاجة، إذا كانت محتاجة إلى العمل، أو كانت أسرتها محتاجة إلى العمل، أو كان مجتمعها بحاجة إلى العمل، كأن تعمل مدرسة للبنات، طبيبة للنساء، أو ممرضة للنساء، أو بائعة الأغراض النسائية للنساء، فالمجتمع بحاجة إلى المرأة في مثل هذا. ولذلك {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)}.

 

 

 

{ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}
وانظروا إلى القرآن، وهو يُصوِّر هذه العلاقة، بين الرجل والمرأة، علاقة فطرية طبيعية، كلم موسى البنتين، وردوا عليه، ثم ذهبتا لتحكيا لأبيهما عن ذلك، فأمر إحداهما أن تذهب لتأتي به، ولم يقل لا تذهبي بمفردك، فذهبت بأدبها وحيائها، وكلمته بكل قوة وحياء أيضا، فلم يدعها حياؤها لأن تخضع القول، وإنما قالت له بكل قوة وشجاعة: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}فذهب إليه، {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}.
المهم: طمأن هذا الشيخ الكبير موسى عليه السلام، وقال له: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}، جئت في مأمن من فرعون وقومه.

 

 

 

 


{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)}
انظر كيف حكى القرآن عن هذه المرأة، كلمة من كلمات الحكمة، التي وضعت أساس اختيار الرجال للأعمال، كيف نختار الرجال للأعمال الكبيرة، نختارهم على أساسين: (القوة والأمانة) القوة: القدرة على العمل، إن يكون كفؤا للعمل، على علم به وبجوانبه. والأمانة: أن يؤدي حق الله فيه، ويخشى الله في عمله. فهو يجمع بين الجانب الفني، والجانب الأخلاقي والديني. لابد من الأمرين معا، فلا تعطي العمل لسارق، وإن كان سيد الخبراء في تخصصه، وكذلك لا تعطي العمل لرجل طيب، ولكنه مغفَّل، فتخرب الدنيا.
ولذلك كان السلف يشكون إلى الله، من ضعف الأمين، وخيانة القوي. فكان من دعاء سيدنا عمر: اللهم أشكو إليك عجز الثقة، وجلد الفاجر. وقالوا: قلَّما يجتمع في الناس: القوة والأمانة.
فالمرأة قد تقول كلمات تصبح مثلا في التاريخ، مثل ما قالت ملكة سبأ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}[النمل:34].

 

 

 

 

 


ومثل ما قالت امرأة العزيز: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}[يوسف:53].

 

 

 

 

 


هذه كلها كلمات قالها بعض النساء، فالمرأة يمكن أن تكون حكيمة، وتصدر منها كلمات يسجلها التاريخ بحروف من نور، ويتعامل الناس على أساسها ما شاء الله من الأزمنة والقرون.
فهذه المرأة التي معنا في قصة موسى عليه السلام، قالت كلمات تعد حِكمًا، صارت مثلا، قالت: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)}.
وكانت النتيجة أن ارتبط موسى عليه السلام، بهذا الشيخ الكبير، وتزوج إحدى ابنتيه، ولعلها –غالبا- هي صاحبة هذه الكلمات. وعاد بها إلى مصر بعد أن قضى الأجل الذي اتفق عليه مع والد زوجته، كما قال الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا..}

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !