بقلم :عمار تاساني
ترجمها عن الفارسية : جابر احمد
تعد ظاهرة المتاجرة بالبضائع الممنوعة من بين الاعمال الكاذبة التي يعمل بها اعداد كبيرة من النسوة الاهوازيات و في مختلف مقاطعات اقليم عربستان ، ويمكن تعريف هذه الظاهرة على انها اخراج البضائع وما شا بهها من الداخل الى الخارج بصورة غير قانونية بقصد البيع .
ويرجع نشاط هذه الظاهرة واستفحالها بسبب الهجرة الاضطرارية لاعداد كبيرة من ابناء شعبنا وخاصة في عصر الجمهورية الاسلامية من الريف الى المدينة ، هذه الهجرة اصبحت لدرجة من الشدة حتى ان قرى باسرها امست خالية من السكان وقد ادى تزايدها الى توسعة رقعة حزام البؤس الذي يحيط بالمدن ، الامر الذي نتج عنها عواقب وخيمة لا تعد ولا تحصى .
ولعل ظاهرة البطالة المقنعة التي يعاني منها المواطن العربي الاهوازي احدى النتائج الكارثية لهذه الهجرة . وهي لاتقتصر على اقليم عربستان وحسب وانما اتسعت لتشمل معظم المدن الايرانية الاخرى . الا انها في اقليم عربستان وبسب مكانته الاقتصادية ونسيجه القومي اخذت ابعادا مختلفة وخطيرة وهي اليوم تشمل قطاعا واسعا من ابناء المجتمع ، ولعل فئات النساء هن الاكثر تضررا من اتساع هذه الظاهرة و التي تحملت المرأة جزءا من اعبائها .
ان الهجرة الجماعية لابناء الريف العربي الاهوازي باتجاه المدن ، هي نتاج السياسات المغلوطة لنظام الجمهورية الاسلامية ، كما انها ترافقت مع الحرب العراقية الايرانية وقد وصلت الى درجة بحيث اصبح فيها تواجد عدد السكان في الوقت الحاضر حول مدينة الاهواز مركز اقليم عربستان ، اكثر من عدد سكان المدينة نفسها .
لقد ادى هذا التواجد الهائل من المواطنين العرب حول المدن و الذين معظمهم يعاني من الامية و فقدان المهنة بالاضافة الى محدودية الاعمال الى ازدياد حجم البطالة و البطالة المقنعة ، كما اجبرت الظروف الاقتصادية الصعبة وضغوط اعباء الحياة اليومية التي لا تطاق الفئات الاجتماعية الفقيرة البحث عن شتى الطرق لتأمين قوتها اليومي .
لقد اجبرت الحاجة الى تامين لقمة العيش المواطنين على مزاولة اعمال التهريب الممنوعة التي لها تبعات خطيرة على سلامة وامن المجتمع الامر الذي يتطلب دراستها دراسة شاملة و ذلك من اجل ايجاد طرق مناسبة لحلها .
وتعد هذه المقالة جهد متواضعا لدراسة ومعرفة ابعاد ظاهرة مزاولة العمل في مجال التهريب بعد انتصار الثورة الايرانية والتى استفحلت الى حد ما بعد انتهاء حرب السنوات الثمانية بين ايران والعراق وما رافقها من اضرار كثيرة لحقت بالمجتمع العربي الاهوازي ولاسيما فئة النساء منه .
كان فيما مضى الاشتغال في قسم الاعمال الكاذية ومنها التهريب ونتيجة للصعوبات الناشئة عنها عمل يخص الرجال دون غيرهم ، الا اننا ومع الاسف الشديد شاهدنا وخلال العقدين الماضيين دخول فئة النساء الى مزاولة هذه الاعمال و خاصة في مدينة الاهواز و القرى المحيطة بها سعيا منهن الى ازاحة الضغوط عن اسرهن و من اجل تامين لقمة الخبز اليومية .
ان تهريب البضائع يعد من بين تلك الاعمال الممنوعة التي اجتذبت اعدادا كثيرة من النساء العربيات في مدينة الاهواز و ساير المدن الاهوازية الاخرى ، كما ان مغريات الدخول الى بوابة هذا العمل كونه لا يحتاج الى رأسمال كبيرة بالاضافة الى ربحه السريع ادى الى توسع هذا العمل بشكل سريع و ملفت للنظر .
ان المرأة الاهوازية التي تعمل في مجال التهريب وفي سبيل الحصول على البضائع غالبا ما تركب قارب المخاطر و تسافر برأسمالها المحدود جدا الى المناطق التجارية الحرة و الممدن الايرانية البعيدة مثل بندر عباس ، جزيرة قشم ، جهاربهار ، زاهدن وغيرها وحتى احيانا الى دبي لتشترى بضاعتها من التجار ثم تحملها وتأتي بها الى مدينة الاهواز مستخدمة الباصات واحيانا البواخر و في حالات نادرة الطائرات ، وان مثل هذه البضائع غالبا ما تكون بضاعة صينية رخصية الثمن ، كأدوات التجميل و الالبسة والقماش و ادوات الزينة "الاكسسوارات" والادوات الكهربائية التي اغلبها عبارة عن بضاعة متدنية وغير مطابقة للمواصفات و ان الميزة الوحيدة التي تميزها كونها بضائع رخصية الثمن وغالبا ما يتم شراءها واستهلاكها من قبل الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود و الفقير .
ورغم عدم وجود احصائيات رسمية تقدر حجم البضائع المهربة المتداولة ولا عدد النساء العاملات في هذا المجال الا انه وحسب تقديراتي الشخصية هناك في الوقت الراهن مئات من النساء من مختلف الاعمار يعملن بها ، و انهن قليلات التعليم أواميات و ينحدرن من الطبقة الفقيرة والواقعة في ادنى درجات السلم الاجتماعي للمجتمع و تؤمن هذه التجارة الغالبية العظمى من البضاعة الموجودة في سوق عبد الحميد بمدينة الاهواز ومحلات باعة المفرق و بعض محلات بيع الالبسة و القماش و بقية حوانيت الاهواز الاخرى .
ان العمل في مثل هذا المجال بالنسبة الى النساء فهو بالاضافة الى كونه عملا يتنافى والقانون ، ينطوي ايضا على اخطار واضرار بالغة . حيث يعرض سلامة النساء الجسدية والنفسية واسرهم الى الخطر . لان النساء غالبا ما يسافرنا فرادا وجماعات الى مكان شراء البضائع ، وكل سفرة يقمن بها تستغرق ما بين 5 الى 7 ايام ، الامر الذي يعرضهن للتهديد والابتزاز و الى انواع الاعتداءات منها التجاوزات الجنسية ، كما ان البعض منهن يقعن في شباك عصابات المتاجرة بالنساء و دون رغبة منهن ينجرن الى دروب ليس لها طريق للعودة .ناهيك عن وقوعهن تحت الترغيب و الترهيب في شباك عصابات الاتجار بالمخدرات الامر الذي له عواقب وخيمة لا تنحصر آثارها بالمرأة التي تقوم بهذا العمل وحسب و انما تنعكس على الزوج و الاطفال وبالتالي المجتمع بأسره .
وفي هذا المجال صرحت السيدة س-ح 58 عاما والتي عملت سنوات طويلة في تجارة الممنوعات قائلة : " ان لهذا العمل مخاطر جمة ولكننا مضطرين ان نستمر به ، وانني اعرف امرأة تؤمن قوتها اليومية عن طريق هذا العمل الا انها اصبحت ضحية عصابات تهريب المخدرات وحكم عليها بعشر سنوات سجن " .
وفي بعض الحالات غالبا ما تصادر الجمارك بضائع هؤلاء النسوة و بذلك يكون قد فقدن كل مدخراتهن ، الامر الذي من شأنه ان يلحق اضرار باهضة بالنساء و باسرهن لا يمكن تعويضها ، و قد تؤدي الى الافلاس و البؤس و الفقر ، واحيانا ينتهي بهن الامر الى الطلاق والانتحار .
اما السيدة ك - ل 48 سنة فقد صرحت هي الاخرى قائلة :
" قبل مدة طلبت مني احد النساء ان تسافر معي وذلك بقصد التجارة لعل وعسى تربح شيئا ما،خاصة وان زوجها عاطل عن العمل ومدمن على تعاطي المخدرات ، ولكن مع الاسف الشديد في سفرتها الثانية ضبطت احدى دوريات الجمارك كل ما لديها من بضاعة ، وفقدت كل رأسمالها ، وبالتالي فأن الخسارة التي لحقت بهذه المرأة و اسرتها لا يمكن تعويضها " .
ويعاني اطفال هذا النوع من النساء وبسبب الغياب المستمر للأمهات عن البيت من الامراض النفسية وقلة المحبة ، لان المرأة باعتبارها المدبر الاساسي لشؤون الاسرة من المفترض ان يكون اولادها تحت رعايتها و اشرافها المباشر ، ولكن الرضوخ لهذا العمل اضطرها الى الابتعاد عن المنزل بشكل مستمر .
كما ان وضع البضاعة في صناديق كارتونية ونقلها من مكان الآخر جعل هذا النوع من النساء عرضة لأمراض العمود الفقري و الآم المفاصل المزمنة و مرض الديسك او ما يعرف محليا " بعرق النساْ " . وفي هذا المجال صرحت السيد سليمة الباوي والتي عملت ما يقارب العشرة اعوام في مجال تجارة الممنوعات قائلة :
" البعض يعتقد خاطئا ان هذا العمل بالظاهر جميل الا انه في الحقيقة شاق و لايطاق ، على سبيل المثال فان كل السفرة من مدينة الاهواز الى مدينتي جاهبهار او بندر عباس تستغرق ما يقارب 24 الى 36 ساعة ، حيث نتسمر خلالها الى مقاعد الباص ثم نقوم بمفردنا بحمل علب البضاعة التي تصل اوزانها بين 20 الى 50 كيلو غراما واحيانا وفي سبيل الهروب عن اعين شرطة الجمارك نقوم بهذا العمل بسرعة الامر الذي تنتج عنه امراض تنطوي على عواقب خطيرة منها الآم المفاصل و ديسك الظهر " .
وفی الوقت الحاضر تعمل في مجال تجارة التهريب اعدادا هائلة من النسوة العربيات لاهوازيات وهن يتعرضن الى شتى الاخطار ، وان هذه الظاهرة تهدد سلامتهن الجسدية والنفسية الى الخطر وان تحسين الاوضاع الاقتصادية و الارتقاء بالوعي الثقافي في مجال التعريف بالابتعاد عن مثل هذه الاعمال هو الطريق الوحيد الذي من شأنه ان يكون مؤثرا في خفظها .
ترجمها عن الفارسية : جابر احمد
التعليقات (0)