ليس جديدا ان تثار كل تلك الضجة والجدال حول مقال ما للكاتب السعودي "أحمد بن عبد العزيز بن باز"..وليس من المستغرب ان تنقسم حوله الآراء مابين مؤيد مهلل حد الاحتفاء وآخر معارض مناهض حد الحنق..فان المقال الذي نشرته جريدة الوطن السعودية بعنوان " قيادة المرأة للسيارة قضية حقوق لا قضية أولوية " لا يعد المداخلة الاولى للكاتب في داحس وغبراء ارض الحرمين التي تدور رحاها على عناوين الصحف وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول احقية المرأة السعودية في ضغط دواسة البنزين بنفسها ودون الحاجة الى محرم او سائق يشترط فيه الفطام..
ولم تكن جرأة ووضوح المقال الذي دعا فيه الكاتب الى السماح للمرأة بقيادة السيارة باعتباره قضية حقوقية لا تمنح ولا يمكن التصويت عليها هي السبب في اثارة كل هذا النقاش وانما الى خلفية الكاتب وانتمائه العائلي الذي ربما قد يكون ضروريا جدا للتحرش بفتوى صريحة صادرة من شخصية مفصلية مؤثرة في المنظومة الفقهية السعودية كالشيخ ابن باز..
حيث ان تلك الخلفية نفسها..قد يسرت للكاتب قبل فترة ان يتكلم عن فتوى تحريم قيادة المرأة للسيارة على اعتبار انها كانت صادرة"لاعتبارات لا أظنها موجودة الآن أو يمكن مناقشتها وإعادة النظر فيها"..وبتبريرات توحي بان فتوى والده قد تكون صدرت لدواع سياسية اكثر منها فقهية..وهو الامر الذي يحتاج الى اكثر من الشجاعة العلمية البحثية لما يمكن ان يثيره من تساؤلات حول مدى صدقية الطرح المعلن لاستقلالية المؤسسة الدينية وعدم خضوعها لاوامر ومتطلبات الحكم..
وصدور هذه الآراء عن طريق الصحافة الرسمية السعودية..وتواتر الاشارات عن اعتماد هذا الحراك النسائي في جزء كبير منه الى بعض التصريحات الرسمية التي تعد ذلك شأنا اجتماعيا بحتا وعدم وجود قانون قانون ينظم الموضوع من حيث الاباحة او المنع..قد يشير الى بعض الرضا الرسمي المستتر عن تصاعد المطالبات بحق المرأة في قيادة السيارة لما قد يشكله من تخفيف لحدة الضغوطات الدولية المنددة بتغييب المرأة والتي وصلت الى حد الاشارة اليها-وان كانت بمواربة- في خطاب الرئيس اوباما الاخير حول الشرق الاوسط..
ولكن اضطرار الحكم السعودي مرة اخرى الى التخابئ خلف اسم ابن باز لتبرير اي خطوة قد ينتج عنها اطلاق لبعض الحريات الاساسية للافراد قد يشي ايضا بان الطريق ما زال طويلا امام المرأة السعودية لكي تقوم بركن سيارتها الخاصة امام موقع عملها او دراستها..وان العلاقة التبعية الاسترضائية للحكم في السعودية تجاه "كبار" العلماء ما زالت لها الاولوية المطلقة وخصوصا في هذه المرحلة العاصفة التي يتماوت الحكم السعودي فيها على ابقاء الدعم الديني السلفي فيها ضمن مستوياته الآمنة حتى لو ادى ذلك الى استمرار سياسة تقديم الطرائد المستضعفة ارضاءً الى النزعة الافتراسية الشرسة التي تحكم ممارسات المؤسسة الدينية التقليدية ..تلك الطرائد التي لا تتعدى مكانة المرأة في المجتمع او حقوق الاقليات او الحريات الاساسية للشعب مقابل استمرار الفقهاء بالدعاء بطول العمر للسلطان وتلقين المجتمع احاديث حرمة الخروج على الحاكم..
فيبدو انه على الرغم من استهلاك المؤسسة الدينية لرصيدها الشعبي من خلال الاسراف في العدائية غير المبررة تجاه الحريات السياسية للافراد.. وتحولها الى عبءٍ فاقدٍ للجاذبية وصعب التسويق الاعلامي من قبل الكثير من الانظمة التي اصبحت تعمل جاهدة لاعادتها الى المساجد والتكايا والزوايا المنسية..الا ان قوة وشراسة الهجوم المضاد للمؤسسة الدينية في السعودية تجاه المطالبات الشرعية للمرأة السعودية بحقها الذي تختص المملكة من دون كل بقاع الدنيا في سلبها اياه..قد تدل على انه ما زال يحتل موقعا مؤثرا في الخارطة السياسية في المملكة ان لم يكن حجر الرحى في منع اي مبادرة قد تقترب من تفهم الحاجات الاساسية للشعب..
فعلى الرغم من كون هذه التقاطعات من الأمور العادية والطبيعية، ويمكن أن تقع في أي بلد، بما في ذلك الدول الاكثر تمسكا بالموروث الديني والثقافي. لكن ما هو غير الطبيعي، ولا يمكن أن يمر على ذهن أي متابع هو ذلك التناقض الاقرب الى العناد ما بين المرأة التي تهدد باستخدام السلاح الابيض في مواجهة من يمنعها من ممارسة ما تراه حقا مشروعا لها وما بين رد الفعل المبالغ به من قبل المعارضين الى درجة التهديد ب"سلاح" الضرب بالعقال او اصدار البيانات المنددة حد الدعاء عليهن بالموت قبل ان تدور عجلات سياراتهن على طرقات المملكة المحروسة برجال الهيئة الابطال..
وهذه المعطيات ..وغيرها..هي ما تجعلنا نستطيع ان نستنتج.. وبثقة تامة..ان الضوء المنتظر في نهاية نفق المطالبات الشعبية قد يكون اكثر عتمة مما يخطط له البعض او مما ينتظره البعض الآخر..وان العملية قد تحتاج الى اكثر من الزعيق في مواقع التواصل الاجتماعي..او محاولة استدرار المراحم والمكرمات والقرارات الفوقية من الحكم..او الانتظار اليائس لتغيير قناعات المؤسسة الدينية التي تتبنى –وبامتياز- نظرية تمام العورة بالنسبة للمرأة.. فالطريق طويل جدا امام تمتع المرأة السعودية بحقوقها المتساوية في المجتمع ..ذلك المجتمع المعاق الذي ينظر الى المستقبل بعين واحدة..ويتكئ على قدم واحدة..ويدعي القدرة على التصفيق بيد واحدة..لذا يمكننا ان ندعي ان الزمن قد يطول قبل ان تداعب انامل المرأة السعودية للمقود..حتى ولو كان رئيس الولايات المتحدة الامريكية شخصيا هو من يفتح لها باب السيارة..
التعليقات (0)