المرأة المثالية " :قلت
- "وهل ،تبحث عنها ؟ا " : سألتني بابتسامة رقيقة .
- "أعجبني العنوان وأرغب في قراءته ،فقط " :أجبتها ،وابتسامة عريضة تملء وجهي .
- "صحيح ،أن عنوان الكتاب مثير جدا،ويغري بالقراءة "،قاطعتنا زميلتها التي كلفت بتسجيل الكتب وأسماء مستعيريها .
لم تكد تمر إلا دقائق، قليلة، حتى كان الكتاب "المطلوب " بين يدي ، " عجبا اا " :قلت في ذات نفسي ،زرت العديد من المركبات الثقافية والمكتبات العمومية،ولم أجد ، قط ، هذا المستوى من التفاني ،في حب مهنة المكتبي . السرعة في التنفيذ والابتسامة العريضة والبريئة .
صحيح ،أنه منذ التحاقي ، بالمركز الثقافي الفرنسي ،أشياء كثيرة ،تقع أمام عيني ،لا أجد لها مكانا ،بين تصرفات وسلوكات الموظفين ،زرت العديد من المكتبات والخزانات البلدية بتيط مليل والبرنوصي ومركز المدينة .ولم أجد إلا
نفس السلوكات : تكشيرة الوجه وعدم الرغبة في العمل والتأفف والتباطؤ والكتب في غالب الأحيان ممزقة أو في حالة تدعو للقرف .
ما كنت أعيشه من أجل الحصول على كتاب من الكتب التي أرغب في قراءتها ،بجنون ، في الماضي وبين ما أعيشه بالمراكز الأجنبية ،هناك بون ساشع ..
بالمركز الثقافي الأمريكي أو الألماني ،حين أزورهما ،أجد اختلافا كبيرا في كل شيء ،ورغبة شديدة في المطالعة والبحث والدراسة وفي أن تنتهي حياتي بين الكتب .
هذا الصباح ،حين زرت ثانوية "ليوطي " بدعوة من الأستاذ فايز ،أحسست أن العالم غير العالم والدنيا غير الدنيا ،والناس غير الناس ،في الثانوية ،التي كنت أدرس بها ،بالبرنوصي ،بالكاد تجد الأستاذ في القسم أو في حصته للقيام بواجبه .
هنا في "ليوطي " ،كل شيء موجود ،فحين زرت المكتبة وقسم المسرح والموسيقى ،وجدت أن سنوات ضوئية بين الثانوية التي احتضنت أحلام مراهقتي وبين الثانوية التي أزورها بدعوة رسمية من إدارة الثانوية .
وجود مكتبة ،في ثانويتي ،كانت حلما بعيد المنال والتحقق ،ولم أجد ضالتي ،إلا عند الأستاذ العراقي ،قرأت حينها ،لكبار الكتاب :غالب هلسا ،عبد الرحمن منيف ،يوسف حتاتة ،جبران خليل جبران ،حنا مينة وآخرون .
الأستاذ العراقي ،أعارني كتبه ورواياته ،كنت أقرأها بحب وعشق ولولاها ،لضللت طريقي إلى الأدب والفن .ولما فكرت في تأليف الكتب والروايات التي قادتني إلى عالم الصحافة .
كان ذلك في الزمن البعيد ، مازلت أذكر كل التفاصيل ،بحيث أن المدة التي قضيتها ،بين المراكز الثقافية الأجنبية ،شكلت وعيي وشخصيتي ،ووجهة نظر في الحياة والموت والإبداع .
قبل أيام ،التقيت السيناريست والكاتب المغربي عبد الرحيم بهير ،،صاحب رواية "المرأة التي " بمقهى "اشبيلية " بالبرنوصي ،تحدثنا طويلا عن عالم الأدب والفن والفكر ،اللقاء لم يدم طويلا ،لكن كان كافيا ،ليحيي في داخلي ،أفكار كثيرة ،وجدت طريقها،إلى الموت والنسيان .
"المرأة التي .." ،أو فتاة أحلامي ،التي ركبت البحر ،دون أن تعود ثانية ،نادية ،حين تعرفت عليها ،عادت للتو من فرنسا ،فقط ،لتقضي أياما ،قليلة وتعود إلى باريس ،كان لقاءا ،مازالت بصماته ، محفورة في روحي وقلبي ،نادية لم تكن لتشبه كل النساء ، فقد كانت نسيج وحدها ،كانت متفردة في كل شيء ،أسلوب تفكيرها وطريقة لباسها ،وكل شيء ،كيف لا وقد عاشت ،حياتها في فرسنا ،وبين الفرنسيين ،كانت تعشق المسرح والكتابة والسينما ،كانت لنا أحلام مشتركة ،وعشق موحد ،لدرجة كان من الصعب أن نفترق عن بعضنا البعض ،أذكر لقاءنا الأولى ،حين تحدثت ،إلينا ، بفرنسية طليقة ،لحظتها أحسست بقشعريرة داخلية مل ء ذاتي ،من كانوا معي ،لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك والاستهزاء ،أن تتحدث إليهم فتاة وبالفرنسية أمر غير متوقع ،كانت عربيتها ضعيفة ومتواضعة ،وكانت شرارة اللقاء و التعارف ، واللقاءات بالمسرح وقاعات السينما ،وتبادل الكتب والروايات .
نادية لا تشبه إلا نفسها ، تتحدث كما تحس ،لا تحب الكذب ،أو اللعب بالمشاعر و الكلمات ،وجدت نفسها أسيرة ،إكلشيهات وأحكام مسبقة ،وصراعا مريرا ،مع الناس ،الذين تربوا على رؤية كائنات لا تقول "لا " ،حين تحس أن ما طلب منها ضد رغبتها وإرادتها ،و"نعم " حين تكون مقتنعة بما تقول وما تفكر .
وجدت في صدى روحها ،لحظتها ،كنت أسير الأدب المهجري والمهرجانات الدولية والوطنية في المسرح والسينما ،وكانت تجد برفقتي ما تعشقه وما تبحث عنه .
رغم كل هذا كانت تفكر في العودة ثانية إلى باريس ،حيث عاشت طفولتها ومراهقتها ،حين أسرت لي ،برغبتها ،ذات صباح ونحن في طريقنا ،إلى ثانوية المختار السوسي ،عند الأستاذ زهور ،حاولت قد جهدي ،أن أثنيها عن رغبتها في الهجرة والعودة إلى فرنسا .
لكنها ،كانت مصرة وعنيفة ،وصرخت في وجهي :" علي ،أنت إنسان حالم ،وما تعيشه ليس هو الواقع ،أنظر حولك ،أنظر جيدا،ما تعيشه في المهرجانات والمركبات الثقافية ،ليس هو الواقع بعينه ،لكن أنظر إلى قسمات الناس ،استمع إليهم،حاول أن تقترب منهم ،ستجد أنك لست واحدا منهم ،سأعود ،لأنني مللت ولأن ما حدث ويحدث وسيحدث ،يدعوني للعودة ،وبأقصى سرعة "،لم تكن وحدها ،حين أكدت لي رغبتها في حزم حقائبها ،كانت إلى جانبنا الأستاذة زهور ،التي كانت لديها نفس الرغبة ،لكن ، أخفتها عني ،كل هذه المدة ، لذات الأسباب ،لحظتها ،فقد أحسست برغبة شديدة ،إلى الانزواء والانطواء وحيدا .
الحقيقة أمامي ،تقول أن "بين الحلم والواقع ،مسافة ضوئية " ،وأن أحلامي ،كانت فوق الواقع ،فاقت حدود إمكانياتي المتواضعة ،رحلت نادية ،إلى باريس وسافرت زهور في السنة التي تلتها إلى ذات المدينة .
وبقيت أبحث "عن المرأة التي .." التي في خاطري ،في ما اقرأه وأشاهده ،أما على ارض الواقع ،فقد ظل الأمر عندي مستبعدا ولا جدوى منه ،في زمن الواوا وشخبط شخابيط
التعليقات (0)