هكذا تحدث احد الخطاة .. وهو يتصنع الفضيلة ..
كنت اعرفها منذ زمن بعيد ، اعرف علاقاتها واسمع كثيرا عن سلوكياتها التي يقولون أنها مشبوهة ، تحدثوا عن الأشخاص الذين تربطهم بها علاقة ، من نوعيات وأعمار مختلفة ، بلباسها المحتشم تخالط الناس وتجمالهم وتبادلهم التحيا ت والسلام والزيارات أيضا ..
وما ان تخرج من عندهم حتى يجلدونها بسياط ألسنتهم ، ويلوكون لحمها ويتعرضون لها ويستطردون في سرد حكايتها التي سمعوها او عرفوها من الناس ..
في الموسم المنصرم أدت فريضة الحج ، وقبل أيام عادت من العمرة بعد زيارة للحرم المكي في مكة المكرمة .
كانت سمعتها تسبقها قبل أن تصل أو تتكلم ، وكانت سيرتها على كل لسان ، زوجها الذي أحبها ، وتزوجها بعد مرارة اليأس من قبول أهلها ، وتعنت أبناء عمومتها ، طلقها بعد أن كثرت الأقاويل ، والقيل والقال ..
منهم من زعم انه شاهدها في السوق مع فلان وما ينطق احدهم بالاسم حتى يؤكد المستمع انه شاهدها في المطعم او المقهى او في الشارع ..
ويشرعون في تذكر المرات التي شاهدوها فيها مع احدهم في أماكن مختلفة .. وطبعا في ظروف كلها مشبوهة تثير الريبة والكلام والشك في سلوكها .. خاصة اذا سمعنا اسم من يذكر الى جانبها من الرجال فكلهم او على الأغلب ممن يتصفون بسيرة غير حميدة على المستوى الاجتماعي والسلوكي ..
كنت اعزبا .. وقد طال أمد العزوبية .. وكم كنت اطمح واطمع بالزواج بحثا عن الاستقرار .. بعد أن كثر حولي القيل والقال .. وكثر منهم السؤال : لم لا تتزوج يا رجل ؟ وهذا الشيب يجتاح رأسك ولحيتك .. من ستقبل بك بعد هذا العمر ..ولم يعرفوا ما أعانيه من ضيق ذات اليد .. وقلة الحيلة ...
كانت جارتنا .. وكنت على علاقة طيبة معها في حدود الأدب وما تقتضيه الجيرة من حسن المعاملة .. لا ادري كيف تصورت أنها تتقرب إلي كثيرا .. حتى ظننت في نفسي أنها تريدني كما يشاع عنها وكما يقال .. فأخذت أتقرب إليها أكثر وأكثر .. ورحت اقطع مسافات الحشمة والخوف التي تفصلني عنها ، بالكلام يوما عن يوم .. وما كانت لتفزع أو تخاف .. وما كانت لتنهرني أو تقول توقف عنك .. بل كثيرا ما كانت تقابل كلماتي بالابتسام ... وربما بحركة جسدية ذات دلال وغنج تثير في بركانا لا يهدأ لفترات طويلة أبقى خلالها أتحرق على تلك النار .. ليرسم خيالي لقاءات كثيرة ... يغذيها ما اسمع عنها من الناس .
وفي يوم كانت قريبة مني جدا ، نظرت إليها ، والدم يتدفق الى رأسي ، لا ادري كيف مددت يدي إليها بحركة لا توحي بالبراءة ... تبسمت .. وأمسكت يدي .. وأخذتها بين يديها وقبلتها بحنان وعطف .. ودمعة تترقرق بين جفنيها ... وقالت :
اسمع عزيزي : أنت نظيف جدا .. ولطيف جدا .. وأنا ملوثة كثيرة ..ولأني أحبك وأحب لك الخير أريدك أن تبتعد عني ، ولا تقربني ، أنا شر.. كل ما في شر ، آثم كل من يقربني ، هالك كل من يلمسني ، أنت بريء نظيف .. ولا أريدك أن تتلوث .. أعرفك منذ أن كنت صغيرا .. اعرف اهلك ..لا أريدك أن تكون مثلي ومثل من يتقرب مني .. وأنت تعرف ما يقال وما يشاع ..
أريد أن تكون النقطة البيضاء في حياتي السوداء .. أريدك أن تتذكر أنني أريدك أن تكون بالنظافة التي أنت عليها ، ربما تكون الشيء الجميل الوحيد بحياتي الذي لم ألوثه ولم أجره معي الى العفن ، الاقتراب مني جريمة ، محادثتي شبهة ، المرور بقربي تهمة ، النظر إلي فتنة .. ولا أريد لك التلوث والعفن ، ولا أريدك أن تخوض تجربة الجريمة ، أو تكون في موقع الشبهة ، ولا أريدك أن تفتن .. وتركتني ومشت ، وأنا أرى في عينيها رقة ما بعدها رقة .. ودمعة تنفجر .. تكتم صراخا خفيا .. أبى إلا أن يكون صامتا بوجه يتصنع الابتسام على الرغم من كل تلك الجراح التي تنز دمعا ودما وألما ..
أرادتني أن أكون النقطة البيضاء في صفحتها السوداء ، ولكنها بقيت الى اليوم النقطة البيضاء في صفحتي السوداء لأنها لم تكن تعرفني جيدا .
التعليقات (0)