أعتقد أننا في التدوين يجب أن نرتفع عن (ارتكاب) عملية (جلد الذات) بهذه الطريقة الجافية .. فالتدوين (ساحة) مفتوحة بين أخلاط متنوعة بين التنافر على شدته .. وبين التآلف على قوته ..
هذه الأخلاط تتنوع فيها البيئات .. والثقافات .. والعقائد.. والمفاهيم.. والأفكار.. ومستويات (الاستيعاب) .. وكما يحدث في الأدب من معارك أدبية .. وكما يحدث في السياسة من معارك سياسية .وقس على ذلك من معارك في التدوين .. وفي الدين .. والرياضة وغيرها وغيرها من المجالات ..
وفي كل ذلك يمكن أن تثور قضية من القضايا .. أو واقعة من الوقائع تجذب الانتباه بشدة.. وتتقلب فيها الآراء بين العنف واللين .. وبين الفهم والالتباس .. وبين تقبلها والدفاع عنها .. أو رفضها والهجوم عليها بكافة تلك الأساليب المتنوعة طبقا لما قلنا من اختلاف الثقافات.. والمفاهيم و(مستويات ) الاستيعاب ...
لذا علينا كمدونين أن نهيئ أنفسنا للتعرض لمثل تلك القضايا التي تنقلب إلى معارك ساخنة.. أو قل طاحنة .. تجد لها صدى وأمثلة ونماذج (قديمة) بين عمالقة الأدب .. وأساطين الفكر الذين لو قرأت لهم (كمثل) معارك كتاب (الديوان) لعباس محمود العقاد .. وعبد القادر المازني .. فلسوف تراهم وهم يكيلون لبعضهم البعض أشد التهم .. وأقسى ما في عبارات اللغة من أدوات وأسلحة يوجهونها لخصومهم الذين يناظرونهم من عمالقة وأساطين الأدب وفن الحوار واللغة كطه حسين .. وأحمد شوقي .. ومصطفى صادق الرافعي .. والمنفلوطي وغيرهم وغيرهم ممن يشار إليهم بالبنان في سماء الفكر العربي ..وكانت الاتهامات التي يكيلها كل طرف للآخر -وقتها- من العظم والشدة ما تتقاصر وتتقازم أمامه كل ما يمكن اعتباره تجاوزأ أو إساءة -اليوم- على صفحات المدونات ..
وقد كسبت الحياة الأدبية في العالم العربي جراء تلك المعارك ثراء فكرياً وأدبياً من روائع الفن الأدبي والقصصي والروائي يقتات عليه الوطن العربي حتى اليوم ..وتجد أثر تلك المعارك في مجلات الرسالة ..وأبوللو.. والزهور .. التي يعرفها جيداً أصحاب الذائقة الأدبية في بلادنا ..
أقول أن المعارك (الأدبية) او( السياسية) ومثلها (التدوينية) هي مما يبث (الحراك) و(الحياة) في قلب إيلاف مهما بلغت قسوتها أو عنفها .. فلا شيء يخلو في هذه الدنيا من تجاوزات .. ولا شيء يخلو من الصدام .... فبرلمانات (أوربا) الأكثر حضارة تشهد بين الحين والآخر معارك تصل أحيانا إلى الاشتباك بالأيدي لسخونة الانفعال ..وما كان ذلك لينال من حضارتهم وتحضرهم بقدر ما كان يثير الابتسام لدى العالم المطالع لها عبر الشاشات وكذا لدينا كشعوب (متخلفة) دون الظن بأن هؤلاء المتعاركين يحتاجون (لعصا الناظر) لتنظمهم صفوفاً متراصة أو لتعلمهم دروس الأدب ....
لذا فإننا كمدونين لا يجوز لنا ولا ينبغي أبداً أن نصم (أنفسنا) ونحن في معرض (النصح) بأننا (فاضيين) لأنها تعد في جانب (الإهانة) أكثر منها في جانب (التقويم) .. كما أن حكاية (فاضيين) هذه لا تجوز ولا محل لها من الإعراب .. لأنها تحمل معنى (التقييم) لكتابات وآراء وتعليقات سواء الزملاء المدونين أو السادة القراء ..
وأنتم أعلم منا أن (الحكم ) على مقال أو فكرة أو قضية هو حكم نسبي يختلف بين شخص وآخر .. والمدونات مليئة بالكتابات التي تتراوح بين الغث والسمين .. فكم نشرت مقالات لمدونين على المختارات لو وزنت ( بميزان الفاضيين) لما وزنت شيئاً .. إلا أن التشجيع على الكتابة وعلى التنوع وعلى التواصل ربما يكون السبب الأهم لدى (الإدارة) لنشرها ضمن مختاراتها ...
ولو أننا أعملنا (ميزان الفاضيين) لطالبنا بحذف عشرات المئات من المقالات (الفاضية) وحسب وجهة نظر كل واحد منا لها .. وكل صاحب رأي وكل صاحب تعليق يعتقد في صواب رأيه أو في صحة تعليقه ... حتى أن أحد الزملاء المدونين (انتقى) تعليقا يسخر فيه المعلق من المدون والقراء ليعلن تأييده له ولصاحبه .. ومستدلاً به على أن المدونين (فاضيين) ولا أعلم ما معنى فاضيين هذه ؟!!..
هل تعني أنهم عاطلون عن أعمالهم التي يتكسبون منها عيشهم وتقوم عليها حياتهم وأسرهم وعوائلهم كما يقصد صاحب التعليق ؟!.....
أم فاضيين من (الفضاء ) والخواء الفكري والعقلي ؟!..
أم فاضيين بسبب الاشتباك والتفرغ لواقعة من الوقائع أو معركة من المعارك أو قضية من القضايا ؟!..
فإن كانت الأولى .. فهي تحتاج من زاعمها إلى دليل كما أن لا شأن له بها لأن أحدأ لم يشتكي له شظف العيش أو العوز ..
وإن كانت الثانية فهي قد تعدت اللياقة واللباقة لأننا بذلك نكون قد نصبنا أنفسنا (رقباء جودة) لقياس جودة المعروض من عدمه ..
وإن كانت الثالثة فإن الإعراض والنأي بجانب عن الخوض في (الحوارات الفاضية) والتفرغ إلى القضايا (المليانة) هو العلاج دون التعريض بلغة أقرب للتوبيخ منها للارتقاء !!!
وكأننا بتلك اللغة وقد أمسكنا ( بعصا) الناظر لننظم صفوف (التلامذة المدونين) في مدرسة التدوين .... وأعتقد أن هذه (الرؤية) أيضاً تتنافى وروح التواصل بين المدونين والقراء وترتقي إلى مرتبة الاستعلاء والتكابر لا أقول (المن ) و(الأذى) .... المن بالنصيحة ... والأذى بالتعريض بالمنصوح .. والارتقاء بالناصح...
كما أننا (نزعم) أن اختلاف الزميلة القديرة (فاطمة الزهراء) معنا كان اختلافاً راقياً بكل معاني الكلمة وليس اختلافاً (فاضياً) كمثال .. فالزميلة قد عبرت عن رأيها المعارض بكل وضوح حتى ولو كان بكل قسوة أو عنف ...
بل حينما وجهنا نظرها نحو بعض العبارات (القاسية) في مقالها كانت شديدة الاحترام وحذفتها ... ثم أعدنا عليها الكرة و(هاجمناها ) بمقال مباشر يحمل تهمة التناقض في الرأي ... فردت علينا بتعليق في غاية التهذيب والروح التدوينية العالية .. فقد أعرب كل منا عن احترامه (الشديد ) للآخر رغم شدة الاختلاف في الرأي والرؤية ... فلا محل إذن (لكافة أنواع السموم) ليبثها (المدونون) في (وجوه) بعضهم البعض مهما كان اختلافهم حاداً .. أو تجاوزهم قاسياً ... أياً كان الطرف المقصود (ببث) أو (بخ) تلك السموم في وجه الطرف الآخر...
فالمدون .. ليس (بوذا) أو(كونفوشيوس) او (غاندي) أو الأم (تريزا ) او (شيخ الأزهر) يلقي مواعظه في الفاتيكان أو ساحة الجامع الإزهر أو في "الكتاب" أمام قراء من (التلامذة) المنصتين في تهيب وسكون وصمت ...
بل المدون إنسان عادي يكتب ما يمليه عليه فكره أو فهمه أو ثقافته التي تتنوع وتختلف بأشد ما يكون التنوع والاختلاف على امتداد ليس العالم العربي وحسب بل العالم أجمع ...
فنحن جميعاً هواة .. نكتب أنفسنا .. ونسكب أفكارنا .. ولا بد لنا من الخلاف و الاختلاف حتى ولو إلى حد الشطط .. ولكننا نعود لمقاعدنا ..ونعود لقواعدنا .. ونعود لزمالتنا .. أما التجاوز في التعليقات أو ما يسمى (إساءة) نتيجة لتناقض الرؤى ..فمن الطبيعي أن يحدث عند التفاعل تجاوز .. وعند الانفعال تمادي .. ونحن نعتبر أن مسئولية المدون أن يتعامل معها بكل ما يستطيع من إيجابية ومرونة وتقبل (في حدود طاقته) ...
والمدون مثله كمثل صاحب المذهب أو صاحب المبداً .. له من المؤيدين كما له من المعارضين .. وله من المحفزين كما له من المثبطين .. وله من المدافعين عنه.. كما له من المتحاميلن عليه...
والمدونون وهم يكتبون وينشرون آراءهم (على الهواء) فهم في ذلك كمثل لاعبي كرة القدم في مباراياتهم التي تتراوح بين السخونة والسماجة .. بين الإثارة والبرودة .. بين المهارة والركاكة .. بين العنف والخشونة ... وهم محاطون بجماهير (القراء) من كل زاوية فينالهم ما ينالهم من هتاف أو تشجيع .. أو سب.. أو شتم .. أو حمل على الأعناق .. أو دق للأعناق ... وليس كل شيء يسير في اتجاه واحد .. وفي أداء واحد .. وفي جو واحد ..
مما سبق نقول أن للقضايا التدوينية ( الساخنة ) كما لغيرها من القضايا التدوينية (العاقلة أو الرصينة أو الباردة) ما يدفع الموقع التدويني برمته إلى حافة الحياة والنشاط والحيوية ..
إلا إذا أردتموها (باردة) و(هادئة) و(رطبة) كهواء المنتجعات في هاواي ... !!
التعليقات (0)