قال الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح، إن كل الناس تعتقد أن “المثقفين في الجزائر يعرفون اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية وهذا غير صحيح”، وأن “النخبة في الجزائر عاجزة عن الحصول على المعلومات الجديدة”
لأول مرة في التاريخ سنجمع اللغة العربية في مدوّنة محوسبة
مضيفا أن مشروع الذخيرة العربية، الذي يشرف عليه، سيجعل كل المعلومات العلمية والمعرفية الجديدة في متناول كل الأشخاص بمختلف مستوياتهم بغض النظر عن اللغة التي صدرت بها.عرض الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح، رئيس مجمع أكاديمية اللغة العربية في الجزائر، أمس، بمنتدى يومية المجاهد، مشروع الذخيرة العربية ومضامينه وأبعاده. وكان الحاج صالح قد كشف - سابقا- لـ”الفجر” في هذا الحوار أهم جوانب هذا المشروع..
قلت إن هناك فوضى لغوية في الوطن العربي، فما هو دور مشروع الذخيرة العربية الذي تشرفون عليه في القضاء على هذه الظاهرة؟
الفوضى اللغوية اللفظية التي أصابت العامية الجزائرية خاصة بأهل المدن ومن تأثّر بهم أولا، وتكثر على ألسنة الطلبة الذين تعلموا اللغتين، وليس كل مثقف يصيب كلامه هذا الخلط خصوصا إذا كان ممن يتقن العربية أواللغتين. فهذه الظاهرة تدل أولا على مستوى التعليم الضعيف، وهو يشمل كل البلاد، وثانيا على تساوي استعمال العامية مع الفرنسية عند هؤلاء، فيقع التداخل وانتشار هذه الفوضى بالذات. فبحكم قانون تغلّب لغة الأكثرية على غيرهم، فالمثقف الجزائري يصاب بهذه الرطانة بعدوى لغوية وبطول سماعه لهذه اللغة المختلطة. وقد تراكمت على مرّ الأيام أسباب التدنّي، ولم يكن كل مسير ولا كل معلم وأستاذ هو المسؤول على بقاء هذه الأسباب، فالأكثرية منهم لا ذنب لهم أبدًا بل كلهم يبذلون ما في وسعهم في أداء مهامهم، وكذلك المسؤولون في الوقت الراهن ليس لهم أي مسؤولية بما تراكم من ذلك، إلا أن الكثير من الذي لوحظ يحتاج في علاجه إلى تضامن أكبر بين كل المعنيين وتفتح أوسع لكل ما يمكن أن يساهم في حل مشاكل التكوين.
عرّفنا أكثر بالمشروع العربي أو الذخيرة العربية، كما اصطلحتم على تسميتها؟
إن فكرة مشروع الذخيرة قديمة، وهي مبادرة من الجزائر، وقد تطوّرت بتطور العلوم والتكنولوجيا، ووُفّقنا أخيرًا في مساعينا بفضل الجهود التي بذلتها وزارة الشؤون الخارجية إلى جعله مشروعا دوليا تشارك فيه أي مؤسسة علمية عربية فقد تبنته جامعة الدول العربية في سبتمبر من سنة 2004 في مستوى مجلسها الوزاري بالإجماع ورشحت 18 دولة عربية، ممثلا لكل واحدة منها لعضوية الهيئة العليا التي ستشرف على إنجازها. والذخيرة العربية هي في الواقع بنك آلي من النصوص العربية القديمة والحديثة، وخاصة من التراث العربي والإنتاج الفكري العربي المعاصر وأحدث الإنتاج العلمي العالمي بالعربية. ويكون هذا البنك على موقع من الأنترنت وفي متناول الجميع، ويهدف إلى شيئين رئيسيين في المجالات الثقافية التربوية واللغوية.. ففي الجانب الثقافي التربوي، يهدف المشروع لأن يمكّن أي باحث وأي طالب وأي مواطن مهما كان، أن يتحصل في وقت وجيز وفي أي مكان وبدون تكليف ولا انتقال إلى أماكن مختلفة، على كل المعلومات التي يطلبها للقيام ببحث أو إنجاز مشروع علمي أو الحصول على كل ما جدّ في تخصّص علمي طلائعي. ومن أهداف الذخيرة أن تمكّن الطفل الصغير والمراهق من أن يتحصل في دقائق على معلومات قد لا يجدونها مفصّلة في الدروس. كما سيستفيد منه الباحث في المستوى الأعلى هو في حاجة جدّ ماسة للاطلاع على كل ما قيل ويقال عن موضوع علمي معين من أي بلد في الدنيا وفي أي جامعة أو مخبر وفي أي مجلة علمية متخصصة، وكل ذلك باللغة العربية.
أما الجانب اللغوي، فلأول مرة في التاريخ ستجمع اللغة العربية في مدوّنة محوسبة، أي في ذاكرة الحاسوب وفي شبكة أنترنت، بعد أن جمعها علماء العربية قديما في الصحف والدفاتر، وذلك من خلال القرآن والتراث العربي القديم.
ولأن مشروع الذخيرة المحوسبة مشروع ضخم لن تستطيع مؤسسة واحدة وبلد واحد أن يقوم بذلك، فإن الندوات التي سبقت قرار جامعة الدول العربية أَوْصَت بالإجماع بأن تشارك في إنجازه كل المؤسسات العلمية العربية الراغبة في ذلك، وبالتالي أن تشرف على العمل كل الدول العربية أوأكثرها في إطار جامعة الدول العربية.
هل يمكن أن ترصد لنا المبلغ المالي الذي خصص للمشروع؟
لا يمكن تحديد ميزانيته، لأن كل دولة تتطوع بما تستطيع، لكن الذي نستطيع التأكيد عليه أنه خصصت كل دولة حسب مقدرتها المادية مبالغ ضخمة، وتختلف من دولة لأخرى، لكن الكل متطوع.
ماذا يمكنه أن يقدم المجمع الجزائري للغة العربية، لمشروع الذخيرة أو يساهم في تحقيقها؟
لمجمع اللغة العربية دور كبير وهام جدا في هذا المجال، وذلك في إطار المحافظة على سلامة اللغة العربية وتنميتها المَنْصوصَيْن في قانون إنشائه ولهذا علاقة بدرجة إتقان المواطنين لها. فالمجمع يهتم بالبحوث الرامية إلى رفع المستوى اللغوي للمواطنين، ولا نتصور ألا يتطلع إلى كل حركة علمية تنتفع بها اللغة العربية بالنظر والتقويم والدعم القوي.
وبما أن المجمع هو أعلى مؤسسة علمية لغوية في الوطن فلا بد أن يراقب ويتابع ويقوّم كل ما يجري في الوطن من البحوث العلمية والتقنية تخص اللغة العربية، وكذلك كل تعليم للغة العربية على اختلاف مراتبه وقطاعاته، وله أن ينظر في موضوعات الرسائل ويقوّم محتواها ويساهم في كل تخطيط يخص تكوين المعلمين والأساتذة في اللغة العربية، ويمكنه أن يقوم بمثل ذلك فيما يخص تعليم اللغتين الفرنسية والإنجليزية وما يتعلق بهاتين اللغتين إن طلب منه ذلك. وقيام المجمع بهذه المراقبة بالفعل وبالتعاون الخالص مع الجهات المعنية سيؤدي بلا شك إلى نتائج إيجابية.
منقول عن جريدة الفجر الجزائرية
التعليقات (0)