الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تعد المنظومة التربوية التعليمية من القطاعات الحساسة لكل بلد ، لذلك تبذل لأجلها المهج الفكرية والمادية لتطويرها وتحيينها والوقوف على جديتها ونجاعتها وفعاليتها ، لتخريج أسراب من حملة العلم متناسبة مع مقتضيات مختلف المجالات فيه.
وفي البلاد المسلمة يوازي قطاع التعليم العمومي دوما التعليم القرآني الذي يستـقر غالبا بالمساجد ، استطاع الحفاظ على هويتها ، ولغتها باعتبار القرآن كتابا عربيا.
قال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف}
وقال تعالى{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا(113) طه}
وقال تعالى{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(28)الزمر}{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) فصلت}
وقال تعالى{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ(7)الشورى}
وقال تعالى{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(3) الزخرف}.
لقد استطاع بفضل الله تعالى الحفاظ على قرآنية الأمة من الاندثار ، خاصة البلدان التي تعرضت للاستدمار الغربي بالاحتلال أوما سمي استغفالا الحماية أوالانتداب ، بالكتاتيب والزوايا والمشايخ والحفظة لكتاب الله.
ولا غرو إن استعانت الدولة الجزائرية بعد الاستقلال بكل حافظ لكتاب الله لتوظيفه في المدارس الحكومية بسبب النـقص الفادح للمعلمين حينها ، بحكم معرفة الحفاظ للغة العربية وقواعدها مع تكوين سريع لهم في مختلف المواد الأخرى كالحساب وطرق التدريس والتشريع المدرسي وغيرها ، فكانت المدارس القرآنية محضنا للتعليم.
لقد كان من ثمارها رجال ونساء من ذوي الأخلاق المشهود لهم في المجتمع بالصلاح ، أصبح معظمهم أئمة للمساجد درسوا للناس وخطبوا فيهم ووجهوهم.
وطدت معظم أبنائها والمتواصلين معهم من الوقوع في فخ التكفير والقتال بين أبناء الدين والبلد الواحد.
واليوم يأتي من يتطاول عليها في بلادي ويتهمها بتخريج الإرهاب رغم كونـها المانع العاصم منه ، وعوض صدور توصيات بإدخال إصلاحات عليها تزيدها فعالية ، نسمع من يريدها ملحقة بالمدارس العمومية لإضفاء البرامج المدنية عليها.
رغم الإقبال الشديد من الأطفال وأوليائهم في كل مدينة ــ خاصة أثناء العطل الدراسية ــ على حفظ القرآن فيها.
يأتي اليوم من ينعتها بما ليس فيها لبغية في نفسه ، ممن يجهل الأجيال العظيمة من العلماء والصالحين المتخرجين منها ، أويتجاهلهم ، كثير منهم مجاهدون في ثورة التحرير ، التحقوا بجبال الجهاد طردا للمحتل الفرنسي بعدما كانوا على عين
مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
يتعجرف عليها من لم يدرك قيمتها في استهداف الفهم الصحيح للقرآن ونجدة الشعب من فوضى المجون والخلاعة والفساد ، مع دعوتـها إلى الصدق والإخلاص مع مفاهيم المواطنـة.
يتشامخ عليها من يتبالَهُ عن ابتـغائها الفهم المعتدل والوسطي لهذا الدين مع حرزها مرتاديها من التـفريط والإفراط.
يتـغطرس عليها من يتهمها بالقصور في اللغة العربية وينسى علم القواعد الصميم الذي تتقنه أجيالها مع حفظ للشعر العربي الأصيل المستعان به في تفسير كتاب الله إذا أعوزنا الدليل المأثور.
وماذا ستـقدم لها البرامج المدنية وهي تتهاوى باللغة العربية إلى أعماق القيعان ، ويخفض حجمها الساعي لفائدة لغات أجنبية أخرى على رأسها لغة المحتل؟ مع يقيننا أن اللغات من آيات الله في الكون ، إنما قصدنا الكيل بغير الوفاء.
إن المعروف في عادة الناس وطبائع البشر أن الشيء إذا غاب صاحبه أوأخذ منه أوحول عنه زالت قيمته ، ولم يعد قائما كما كان ، وهذا ما لا ينفك عن عادته المدارس القرآنية التي تربت على أيدي أصحابـها من أهل كلام الله وخاصته.
من اليقين أنـها إذا حولت إلى حيازة وزارة التربية لن تبقى لها حياتـها الأولى، رغم ما سيتحجج عليها من التماس زيادة التنظيم والتطوير.
ودون مزايدة من أحد علينا ، فإن كل أمة لها ما يصون شرفها من الوسائل والأساليب الدينية ولو المنحرفة ، فلن نكون بدعا إذا رمنا ذلك .
إن تواجد الطفل بين حجرات التعليم القرآني لن يفصله عن التعليم المدني إنـما هو داعم لحياة الصفاء خلالها فقط ، كما أن تواجده بين أقسام المدرسة والمتوسطة والثانوية لن يفصله عن الحياة الدينية إنما هو فتق ذهنه على علوم الحياة.
إن تحويل المدارس القرآنية إلى عهدة وزارة التربية والتعليم سيزاحم عليها البرامج الدخيلة ، وتختلط عليها أوقاتـها الـمخصصة لها ، وتلتبس على تلاميذها رعاية مرحلة الطفولة.
وينفك عنهم المنبع الأصيل في السنين الغضّة من أعمارهم ، نتيجتها انفصام الشخصية بعدها ، فلن تكون الأجيال غربية بل سيمجها الغرب لأنـها ليست منه ، وتنفصل عن أساسها ، فلا هي مسلمة ولا هي غير ذلك ، فتضيع الوطنية والمواطنة من خلدها ، والضحية هو البلد.
لذلك أتوجه بكل صدق وإخلاص لبلدي والقائمين عليه بنصيحة أخوية للإبقاء على المدارس القرآنية في تبعة وزارة الشؤون الدينية ، أوجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، على الأقل كخلفية استراتيجية لمريديها ، تخطيطا وبرمجة ، والمحافظة على بسمة صلاة الفجر التي تعودوا عليها بين يدي معلم القرآن الذي ألفوا النهل من تلقينه.
أهيب بـهم من تداخل المواد على تلاميذ المدارس القرآنية فلا هم قرآنيون ولا هم دارسون مدنيون.
أنبه سلطات بلادي إلى عواقب هذا الاختيار الخطير {في رأيي}.
ألتمس من هؤلاء بكل وداد أن يساهموا في حصانة عقيدة وفكر ووعي فلذات أكبادنا ، نمنع بـها كيد الزمان وغدر دواهيه ، وإن غدا لناظره لقريب.
كتبه الأستاذ سعدالدين شراير
الأحــــــــــــــد
20 / جمادى الثانية 1438 هـ
19 / مارس 2017 م
التعليقات (0)