المدارس الصوفية
بدأ ظهور المدارس الصوفية بمدرستين صوفيتين، اعتصمتا بالكتاب والسنة، واتخذتا من سيد المرسلين إماماً وقدوة، وجعلتامن أشواق الحب الإلهي، ومن إلهامات الروح القرآني، ومن مثاليات الخلق المحمدي،منهجاً في المعرفة، وطريقا في السلوك ومعراجاً للوصول.
فقدمتا للعالمين، أروع وأقوى روحانية إيمانية معتصمة مهتدية، قدمتا التصوف الإسلامي :مشرقاً مبيناً فيه هدى،وفيه نور يرسم الطريق المستقيم المضيء، طريق المخبتين المتبتلين، الذين أحالواالكون، محاريب للمناجاة والطاعات، وجعلوا من مشاهده صفحات ناطقات ملهمات، الطريق المضيء الصاعد إلى رضوان الله وقربه، وأنسه وحبه، وهداه وعلمه وفيضه، مدرستان، هماقلب التصوف ولسانه وبيانه وإليهما الفتوى والفيصل في مناهجه وقواعده، وسلوكه ومعارجه.
مدرستان تميزتا بالمعرفة الكاملةالصادقة، النابعة من الكتاب والسنة، لم تتفرق بهما السبل، ولم تجنح بهما الأذواق،والأشواق، قلما يعترفا أبدا بالسبحات الفلسفية، والشطحات المترنحة، والكلمات الغامضة، التي تسربت إلى الأفق الصوفي، وحاولت أن تنتسب إليه !، وأن تتستربأشواقه!، وأذواقه!!.
أما المدرسة الأولى :
فهي مدرسة الإمام أبو القاسم الجنيد ببغداد، وهي مدرسة اتخذت من المساجد منابر لدعوتها، وجعلت من حلقاتها معاهد لتخريج الرجال.الرجال الذين تموج بهم كتب الأصول الصوفية، كأعلام تضيء كلماتهم الطريق وترسمه وتحدده.
والمدرسة الثانية :
هي مدرسة الإمام أبو نصر السراج الطوسى بنيسابور، وهي مدرسة اتخذت من الكتب منابر لبيان دعوتها، وشرح رسالتها،ونشر علومها وأذواقها ومعارفها ومعارجها. وجعلت من صفحات هذه الكتب معاهد لتخريج الفحول من الرجال، وخزائن خالدة تحفظ للأجيال هذا التراث المضيء العظيم.
وصاحب اللمع، أبو النصر السراج الطوسي، هو بحق أكبر المؤلفين الصوفيين وأستاذهم جميعا بلا استثناء، اقتفى أثره الهجويري في كتابه (كشف المحجوب) وتتلمذ عليه، أبو عبد الرحمن السلمي صاحب الطبقات، وعلي السلمي: تتلمذ عبد الكريم بن هوازن أبو القاسم القشيري، صاحب الرسالة القشيرية.
فمؤلف اللمع إذن، قد أنجبت مدرسته الأقلام الكبيرة التي حفظت لنا، ورسمت أمامنا، مناهج الطريق وصانته وحمته من الدخيل والغريب.
كما احتضنت هذه المدرسة وحفظت لناأيضاً، تراث الجنيد وتلاميذه ورجاله. فأصبحت مدرسة السراج وحدها عبر التاريخ :
المحجة التي يلوذ بها، ويهتدي بنورها، عباد الرحمن الذين استهدفوا وجهه سبحانه، وصعدوا بقلوبهم وبعزماتهم إلى الأفق الأعلى، مع الملأ الأعلى، لا يستنكفون عن عبادة ربهم، ولا يفترون عن ذكره وحمده. قوتهم طاعة، وحياتهم عبادة، ومناجاتهم حب، ووجودهم قرب، وذوقهم علم،وبساطهم انس، وخلقهم القرآن. إنهم أمناء اللهU في أرضه، وخزنةأسراره وعلمه، وصفوته من خلقه، كما يقول السراج الطوسى في اللمع.
إنها مدرسة المعرفة الصوفيةالنقية، حمل اللواء فيها السراج، والقشيري، والهجويري، والسلمي، والكلاباذي.المدرسة التي حاربت في عنف وفي قسوة، كل انحراف فلسفي، أو شطح ذوقي، تسرب إلى جوهرالتصوف الإسلامي.
يقول السراج في مقدمته لكتاب اللمع:
(وأعلم أن في زماننا هذا قد كثر الخائضون في علوم هذه الطائفة.وقد كثر أيضاً المتشبهون بأهل التصوف والمشيرون إليها، والمجيبون عنها وعن مسائلها.وكل واحد منهم يضيف إلى نفسه كتابا قد زخرفه، وكلاما ألفه.وليس بمستحسن منهم ذلك؛ لأن الأوائل والمشايخ الذين تكلموا في هذه المسائل وأشاروا إلى هذه الإشارات، ونطقوا بهذه الحكم: إنما تكلموا بعد قطع العلائق، وإماتة النفوس بالمجاهدات والرياضات والمنازلات والوجد والاحتراق، والمبادرة والاشتياق إلى قطعكل علاقة قطعتهم عن اللهU طرفة عين، وقاموا بشرط العلم، ثم عملوا به، ثم تحققوا في العمل فجمعوا بين العلم والحقيقة والعمل ).
وكما يقول "ماسنيون":
(إن رجال المعرفة الصوفية في الإسلام، كانوادائما النماذج التي تقدم لنا الصورة الحية للمفكرين الكبار في الإسلام)
ويقول شاعر الإسلام "محمدإقبال":
( إن الإسلام عند الصوفية، يأخذ طابعاً منالجمال والكمال، والإنسانية العالية، والأخوة العالمية، لا تجده في إسلام الفقهاءأو المتكلمين.رسم المبادئ الصوفية النقية، تلك المبادئ التي تعبر عن روح القرآن،وجوهر السنة.: المبادئ الخلقية والإيمانية التي تتلمذت لفعل الرسول صلوات الله وسلامه عليه وهديه. المبادئ التي تحيط بكل شيء في الحياة، فتطلق فيه النور،والروح، وتطلق فيه الحب، وتعمق فيه الإحساس المقدس، الإحساس بالقرب من الله؛ قرب ذوق ووجدان، ومشاهدة ذوق ووجدان...فإن لم تكن تراه فإنه يراك، المبادئ التي تتحقق فيها كلمات الله، التي صورت الأمة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس.
من كتاب الصوفية فى القرآن والسنة
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175
التعليقات (0)