مواضيع اليوم

المخيال الكولونيالي

يوسف المحسن

2009-12-15 14:06:26

0

المخيال الكولونيالي
شهد المجتمع العراقي مجموعة كبيرة من الثورات والانتفاضات والانقلابات منذ تأسيس الكيان السياسي، ولكن (الدولة) بالمعنى الاستعاري لم تخضع الى متغيرات او اعادة بناء للنسق الوظيفي، وانما دائماً يتم اعادة بناءها على اساس نظام من التوترات المعقدة حيث نجدها دائماً وعبر التاريخ مجال للفوضى والفوضى المضادة تتمحور حول الاستبداد والمدنية المنقسمة والنخب الدائرية والتي يتم اعادة انتاجها باستمرار وقائمة على استنفار المخزونات التاريخية للطبقات السفلى
من المجتمع لتكوين حرتقات ايديولوجية لتوسيع دائرة العنف في الرهانات السياسية، ولحد الان لم يتم كتابة سرديات الاقصاء المتبادل بين الجماعات العراقية والعلاقات الدموية والابادات التي تمت من قبل الدولة القومية العراقية 1921- 2003 وانعكاس هذا كله على تشكل الهويات وتحديد الوجود الموضوعي وتخطيطات انماط الثقافة والهيمنة بوصفها اداة ضبط لفائض القيمة الرمزية.
يبين د. متعب مناف في سوسيولوجيا هيكلة المجتمع العراقي) ان تشكل العراق السياسي في العام 1921. كان محاولة في ضم الموازيك الاجتماعي وفق عملية لصق سياسية وهذا ما تظهره تشكيلة وزارة الملك فيصل الاول كالاتي: رئيس الوزراء عبدالرحمن النقيب، وزير الداخلية حاجي رمزي بك وزير المالية ساسون افندي حسقيل وزير العدل ناجي بك السويدي، وزير الدفاع جعفر باشا العسكري، وزير المواصلات والاشغال العامة عزت باشا وزير التجارة عبداللطيف باشا منديل وزير التربية عبدالكريم افندي الجزائري وزير الصحة العامة حنا خياط، وزير الاوقاف محمد علي فاضل. هذه التركيبة تعني المحاصصة دينياً ومذهبياً واثنياً ومناطقياً، الا ان نجاح عملية اللصق على صعيد الدولة لم تنجح على مستوى المجتمع فقط ظلت المفاضلة والتهميش والاقصاء سائد رغم ذلك ان هذا اللصق الحكومي ادخل المكونات العراقية في نوع من القبول بالاخر، ترتب عليه شيوع نوع من تقسيم العمل الاقتصادي وبذلك ساده ضرب من التناطح الاجتماعي عززته ماله معينة من التعايش. هذا المستوى من التعايش المشترك، لم يرق الى مصاف نوع من التعاقد الاجتماعي يحقق نقلة نوعية في العلاقات الاجتماعية ليس بسبب التعددية التكوينية في الوسط العراقي الذي سمى افتراضاً (مجتمع) وانما العوامل التي خلقتها العديد من التبدلات في الاقوام التي وفدت او عبرت او حاربت او هاجرت الى ارض ما بين النهرين والتي اختارت العراق سكنا لها بالاضافة الى غلبة العشائرية الرعوية التي تنتقل بين العراق والاقطار المحيطة به ومن ثم تحول هذه العشائر من البدوية الى النهرية.
ان نظام التنضيد الاجتماعي للمجتمع العراقي يأخذ بالفكر التقليدي بعيداً عن شكل التراتبية الاجتماعية، إذ يتألف الكيان العراقي من مجموعات فسيفسائية معزولة (دينية، طائفية، قومية).
كما يقول الباحث التاريخي حنا بطاطو: (المسلمون فوق المسيحيين واليهود والصابئة وهرميات دينية حيث السنة فوق المسيحيين واليهود والصابئة وهرميات طائفية حيث السنة فوق الشيعة وفوق الاكراد). اذ ان هذه الفسيفسائية المضادة لتكوينات البنية المجتمعية العراقية شكلت خاصية مستديمة لنمو الاستبداد السياسي الطائفي وانتج عن ذلك تمزق الهويات وعدم تبلور معارضة متكاملة ومتسقة فضلاً عن هيمنة الاقلية الطائفية. اذ ان المجتمع العراقي تشكل من دمج مجموعات بشرية وتركيبات خيالية وبشكل قسري اذ نكتشف هشاشة هذا الترقيع البشري حتى في مجال الخرائط الجغرافية الطائفية فالمجتمع العراقي ينقسم الى مجموعات طائفية قومية اثنية متمركزة حول هويات مغلقة ادت هذه البنية من التكوين الى عجز الطبقات الاجتماعية العراقية عن التبلور كنواة سياسية اذ تعاني الطبقة البرجوازية الوطنية العراقية من ازمة تكوين مزمنة وانهيار الطبقة الوسطى وتفتت الطبقة العاملة العراقية وتحول الافراد السياسيين الى نمط من الولاءات والتوجهات المقدسة ادى الى حضور الطائفية السياسية كوعي وسلوك ومحرك اولي للتاريخ. ان هذا الوضع يؤكد الفكرة الاساسية، ان العراق مجتمع لا يمتلك التنظيم الاجتماعي او السياسي فهو يؤسس ذاته على التشظي الشديد والتمركز حول هويات ومرجعيات فكرية وسياسية تتراوح بين التعايش والنزاع المنظم نتيجة للعنف الطائفي الذي مارسته الدولة التوتاليتارية.
اذ ان التمركز حول الهوية الطائفية في المجتمع العراقي يأخذ نسق متعرج هذا النسق من الهوية يختبي في شبكة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية اذ تأخذ تشكيلة مقدسة ونموذجاً اولي لعمليات توصيفات ثقافية ضد الاخر الديني او الطائفي او السياسي تتكثف هذه الظاهرة في المجتمعات المغلقة معرفياً والفاقدة لعناصر التعددية في النظام الثقافي والسلطة السياسية والتي تؤسس نفسها ضمن اطر اقتصادية اجتماعية متخلفة تقنياً لتصل الى فرضيتين: الفرضية الاولى: التمركز حول الهوية الطائفية كجزء من نظام السيرورات السايكو/ اجتماعية للجماعات والافراد وهي محصلة مرتبطة بتعيينات الثقافة. هذه الهوية الطائفية تتكون من عناصر اسطورية/ تاريخيات/ ثقافات عتيقة بنى/ تقاليد/ طقوس/ كارزميات.
الفرضية الثانية: عندما تتعرض هذه الجماعات الدينية الطائفية الى كتلة من العنف المنظم (اخلالات، تهميش، اقصاء). اقصاء من الدورة السياسية، تحقق عودة الى التأسيسات الاولية. حدث تاريخي واسطوري او نصوص تخيلية وضمن هذه الوضعية التاريخية تتشكل صور نمطية بدائية وتركيبات ذهنية عن المقدس الديني والحقيقة الالهية، هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة من المتخيل الديني والطائفي مرتبطة بالحقل السياسي وحقل الهيمنة وتوازنات القوى وانتاج المعنى في الثقافات العراقية.
اذ ان تشريح تاريخية السياسة العراقية وتحليل المكونات الاسطورية الاولية للمتخيل الطائفي والمتشكل داخل بنية الطائفية الشيعية ازاء الطائفة السنية او العكس في الدين الرسمي العلماء – الفقهاء او الدين الشعبوي هو الذي يحكم ويضبط حركة الجماعات الدينية ازاء بعضها للاستحواذ على الرأسمال الرمزي عبر الممارسات التاريخية والسياسية ويتم الكشف عنه في لعبة الهويات المسلحة اذ ان من السهل بكثير ان نلتقط بوساطة هذا التحليل النواة الارضية للممارسات الطائفية من ان نعين بطريقة معاكسة. كيف ترتدي الشروط والظروف الواقعية شيئاً فشيئاً شكلاً اثيرياً، فالطائفة السياسية تشكلت داخل البنيات الاجتماعية للمجتمع العراقي كعلاقات هيمنة وانماط مفارقة على تمزيق الهوية العراقية وكل هذا يأتي نتيجة الازمة السياسية والعجز التاريخي للنخب الحديثة في تأسيس الدولة العراقية مصحوب بأزمة ايديولوجية وتفتيت الرؤية الفكرية التي من خلالها يمكن اعادة تشكيل الدولة. بنية الاقتصاد، الاجتماع البشري، التنمية الاجتماعية، وجود هذه الارضية وفي هذه الشروط التاريخية والاجتماعية والاقتصادية تؤدي الى تكثيف الصراع في الحقل السياسي والتي تعبر عن ذاتها كعنف طائفي ويتم اعادة انتاج هذا العنف ما دامت حركة الشروط الاقتصادية والسياسية والايديولوجية مستمرة ولم يخضع الحقل السياسي ومختلف عناصر القوة والتكوينات في المجتمع العراقي الى تغيرات راديكالية.
جاء تفكك الدولة العراقية 1921- 2003 ليؤدي الى انهيار البنى المرجعية السياسية والاقتصادية والقانونية والارشيفية ويعاد تأسيسها وما رافق هذا التصميم الجديد من عودة الى المرجعيات الاولية لما قبل الدولة وتغيير العقد الاجتماعي السياسية للدولة العراقية والذي يؤشر الى متغيرات راديكالية في التاريخ العالمي تعود الى ظهور شروط جديدة من الهيمنة.
داخل هذه المنطقة الحساسة والمتشابكة من المصالح الاقتصادية والتراكمات السياسية وبسبب انهيار مشروع الدولة القومية الطائفية (كوكس – النقيب) وتبادلات السلطة داخل المكون الطائفي العراقي وتفكيك العلاقات الاقتصادية وما ينجم عن ذلك من اقتلاع وتغيير شكل الملكية ودمار علاقات سياسية محمية بقوة فكرية ومادية اذ ان العلاقات الايديولوجية التي يتم توظيفها في المخيال الوطني تقوم على مكونات اسطورية وتنحو نحو الطوباوية والخطابات الانفعالية اذ انها لا تحمل أي خيار ايديولوجي او مشروع سياسي وانما تعبر عن مجتمع هلامي لم تتبلور فيه التشكيلات والمؤسسات مما يؤدي الى ان تلعب الطائفية السياسية دوراً ديناميكياً في الصراع السياسي وهو في المحصلة النهائية صراع مواقع وهيمنة اذ شكل المشهد السياسي العراقي تماهياً مثيراً لتوزيعات السياسة تتظامن مع طبيعة التشكيلات المجتمعية السفلى للمجتمع.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !