هي مفارقة أن يتحدد التاسع من يناير المقبل ، تاريخا لإجراء الإستفتاء السوداني حول الوحدة أو الإنفصال ، لأن الولادة الطبيعية عادة ما تكون بعد تسعة أشهر ! .. فهل ستكون الولادة الطبيعية لدولة جديدة جنوب السودان بعد تسعة أيام فقط ؟! .. علما أن الولادة المرتقبة لدولة جديدة في العالم ، حدث لاتعيشه البشرية إلا نادرا ، تماما كمرور نيزك بالقرب من كوكبنا كل مائة عام ، لذلك تجدنا نجهز أنفسها لنعيش اللحظة .. لحظة ميلاد دولة ! ..
السودانيون لايكادون يصدقون ـ كبقية الشعوب العربية ـ بأن مصير السودان بات شبه محسوم ، بالنظر إلى التحضيرات الجارية على قدم وساق في شوارع (جوبا) عاصمة الحكومة الجنوبية ، وتزيينها لتكون عروسا تليق بالحدث ! .. الحدث الحلم في علم جديد يرفرف فوق مؤسسات الجنوب ، ونشيد جديد يتغنى به الأطفال في مدارسهم كل صباح ! .. الحدث الحلم في مرتع مستقل للإثنيات ! ..
السودانيون لا يكادون يصدقون مشهد البشير المختنق بالدموع ، والعاجز عن البكاء أو الصراخ ! .. الرجل يحترق لأن السودان تحترق ، لكن الشعب لايملك سوى العزاء ، له ولهم ، وحضور خطاباته الجماهيرية ، التي يسودها الإحتشام من الطرفين ! .. الشعب محتشم لأنه يدرك الحقيقة المرة لنظامه الواهن ، ويشعر بالحسرة في أعماقه ، لكنه أيضا يشعر بالولاء ! .. والبشير محتشم لأنه يرى الألم في عيون شعبه ، ويعرف بأنه المسؤول الأول والأخير عن مآل السودان ! ..
فلو تخلى البشير عن السلطة قبل عقود ماضية ، وترك معترك السياسة لمعارضيه ومنتقديه ، لكان الآن في ضيعة على أطراف العاصمة الخرطوم ، وحوله بنيه وحفدته ، يشعر بالسكينة في أعماقه ، وبراحة الضمير لأنه ما فرّط في وحدة السودان ! ..
البشير مصمم على الإستأساد مع الوهن الظاهر للعيان ، ومصر على المكابرة مع الإنكسار الواضح في بريق عينيه الخافت !.. البشير أصبح مصابا بعقدة (النكران) مع شهادة التاريخ على أنه كان أول من دق المسمار في نعش الوحدة ، بتعاطيه بالقوة مع إستفزازات الحركة الشعبية ، التي لايضيرها أن تضحي ببضعة أرواح من الأبرياء ، ما دامت التضحية لديها بمفاهيم أخرى ، لكن البشير المسلم جاراها في لعبتها ، فخسر نفسه ، وخسر شعبه ، وخسر أرضه ! .. والبشير ليس إستثناءا لباقي الحكومات العربية ، التي لم تتقن بعد فن الديمقراطية ، ولازالت تتعامل بالقوة مع الحركات المناهضة لسياساتها ، ولا تدرك أن القمع يزيد من إشتعال فتيل الأزمات ، ويجرالدول ككل إلى أوضاع كارثية ! ..
المؤكد أن خارطة العالم ستتغير بعد التاسع من يناير القادم ، وتلك ليست دعوة مني إلى الإنقسام ، بل هو الإعتراف بواقع رسم حدوده أصحاب الشأن فيه ، ممن إختاروا التيمن بالوُجُهات من الشماليين والجنوبيين !.. وأتساءل عن الأسماء التي ستطلق على المواليد الجدد ؟! .
وكما هو حالنا تجاه الكثير من القضايا التي لانستطيع التدخل فيها ، لانملك لأصحاب الشأن فيها سوى التفرج والدعاء أن يوحّد الله صفوفنا ، وأن يجمع كلمتنا على الحق ، وأن يقينا شر التفرقة .. آمين يا رب العالمين .
ــــــ
تاج الديـن : 01 ـ 01 ـ 2011
التعليقات (0)