المخزن و النار
عاش لمدة أربع سنوات في ذاك الحي الجامعي الذي تعرض لتيارات التغيير المحيط أطلسية بالعاصمة معززا مكرما. يرتاد مرافقه وقتما أراد…استغل ما يجب استغلاله : حصل على شهادة في الإعلاميات في نهاية الألفية الثانية و بداية الألفية الثالثة ،أصبح يفوح بها …لم يكن المدير القديم على موعد مع تسونامي كبير سيهز البنية الإدارية للحي هزا …و سيتضح بعد مرور الموجة العاتية أن هناك من هو على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة في مستنقع الخدمة…و أن هناك طالبات استنجدن بمفكراتهم الورقية و الالكترونية المخزنة في أرشيفات الرسائل و الصور القصيرة…و أخريات التجأن إلى فتح محصلاتهن و تحصيل ما ناضلن من أجله في دروب…أما أغلب الطلبة الذكور فبعد سكون الموجة وجدوا باب الحي الجامعي ورائهم و شارع المقاومة أمامهم، و كأن القدر يوصيهم بالمقاومة….أما صعيصعة فلا زال يتأرجح بين اللوائح السوداء و البيضاء داخل الحي.أتاه في مساء الغد أكبر "القوادين" للمدير الجديد للانضمام إلى اللجنة الثقافية .صعيصعة في نظره هذه ليست بلجنة و ما هي إلا عجنة من المخبرين و״ لحاسي الكابا״ ، ذوي الأنفس الضعيفة و التي لا تحب إلا موضع المفعول به…مستسلمين إلى رطوبة المحيط و حرارة السب و الشتم…و الرصد عن بعد.كان صعيصعة يقطن في غرفة تحمل اسم القرن الزمني الذي يعيش فيه، يلهمه هذا الطالع للسير في طريق التحدي و عصيان الأوباش…لما حط صعيصعة رجليه لأول مرة في دهاليز الحي ، وجد نفسه يسكن في غرفة تمارس السحاق مع رطوبة المحيط من ثقب نافذة صغيرة جدا. وجد نفسه بين المكفوفين ، صعيصعة لم يتضايق و ما ضايقه إلا السقف الذي كان دائما قريبا من شعر رأسه…نظام البناء هو نظام السجون ، العنابر تتسع للعشرات من الطلبة ، نظام الأكل في المطعم هو نفسه الذي رآه صعيصعة في سجون الأفلام الأمريكية ، حينما كان يشاهدها في الصغر…طابور كبير من الطلبة و الطالبات ، يمر واحد بعد واحد أو واحدة أمام العون الذي يستلم الورقة ذات الثمن الزهيد و الأجر الوفير إلى العون الذي يسلم الكومير و كأنه بذلك يسرا إليك رسالة إليك فك ثناياها. مع مرور الأيام سيكتشف صعيصعة أن الحي قبل أن يكون جامعي كان ثكنة عسكرية بحي العلو ، هناك ذاق انقلابيو الصخيرات أصنافا من التعذيب النفسي و الجسدي و هناك هددوا بالاغتصاب و الصعقات الكهربائية…الغرفة التي حط صعيصعة فيها رجله كانت زنزانة تحت الأرض مرمي فيها ضباط حليقي الرؤوس…ترش بالماء عبر النوافذ الصغيرة، تحت أضواء برجيكتورات قوية. البروجيكتورات كانت و لا تزال في عهد صعيصعة قوية الإضاءة مركزة أمام واجهة إدارة الحي أما خلفها فكانت ظلمتها الحالكة تستمد من قوة الإضاءة. كان كل طالب يمتلك مساحة من تلك الظلمة لغاية في نفسه، لا يمكن المشي بين الحشائش و الممرات إلا لمن تمرن على ذلك في النهار ، هناك بئر قديمة و ذات عمق سحيق ، خشي صعيصعة ليلة أن تطلع له هياكل بشرية بجماجمها تطالبه بالتعويض …أتى المدير الجديد ، زال الحشائش بعدما زال كل مشتبه فيه في اندلاع تسونامي المحيط، غرس أعمدة كهربائية لطرد كل محب للحشائش و مسك الليل!…صعيصعة لا زال هنا يمتلك الخريطة الطبوغرافية للحي الجامعي، خلال أربع سنوات تعلم الكثير من الجامعة و الحي …أربع سنوات و صعيصعة تحت المجهر ، مجهر المخبرون و متعاونو آخر زمن …ضاق قفصه الصدري بكل مختلف الرطوبات ، أصبح مدربا لفنون الحرب ، صعيصعة في حرب دائما ، نعم نحن في حرب يتذكر أستاذه الخدوم…
تحت صقيع الذين يضربون بالبارد و حرارة المدير الذي طلب من صعيصعة أن يقوم بجرد عدد الخوانجية و محبي ماركس و البيان الشيوعي و ليس كتابة المقالات الصحفية و الدراسات الإدارية العلمية ، نزلت إبرة صعيصعة أمام شوكة طالب صحراوي مادام أن هذا الأخير له قيمة مضافة سياسيا…أنتهزها المدير فرصة لطرد شبح صعيصعة إلى خارج أسوار الحي الجامعي .صعيصعة يتلقى الورقة الحمراء، ليصبح آخر مسمار يدق في نعش المطرودين …
التعليقات (0)