المحظورة ولزوم ما لايلزم
كمال غبريال
اختيار مرسي لن يكون اختياراً لشخص قد يصلح أو لا يصلح لحكم مصر لمدة أربع سنوات، هو اختيار إن حدث سيكون للجماعة المحظورة ذات التاريخ الدموي الذي يحرم الوطنية سعياً لخلافة إسلامية، ويعادي الحضارة مبتغياً بوضوح وجسارة العودة بنا إلى عصور جاهلية وبداوة لم تعرفها مصر وإن عرفتها أمم مجاورة، يريدون لنا هذا رغم أن قياداتهم ورموزهم تعيش عائلاتها في الغرب، وتتمتع بمنجزات الحضارة ومعايير حقوق الإنسان التي يتنكرون لها معتبرينها قوانين وضعية. . يأتون إلينا في الشرق الغارق في التخلف والفقر وملايين المشاكل الحياتية اليومية، لكي يطبقوا علينا نظماً وقوانين ليست من وحي رؤيتهم لما يؤسس لحضارة وما يحل مشكلات الوطن، ولكن لتطبيق رؤى يستخرجونها من بطون كتب التراث المفارقة للزمان والمكان. . التدين في شرعهم ليس تحقيق مقاصد الشرع أو المقاصد الإلهية المفترض أنها تحقيق خير البشر، لكنه قوانين قطع أطراف ورجم وصلب وقتل، يلاحقون بها من يخالفهم، دون أدنى مقاربة أو اهتمام بالوسائل الكفيلة بتحسين حياة الناس، ومساعدتهم على تحقيق الفضيلة حتى تلك المأمولة وفق تصوراتهم البدائية.
لذا فإنه يصح الاختلاف حول أحمد شفيق وصلاحيته لتولي منصب رئاسة الجمهورية، ومدى قدرته أو حتى نيته في تحقيق مطالب الشعب المصري وآماله في غد أفضل، لكن من لا يجب على أي إنسان مخلص الاختلاف حوله هو محمد مرسي مرشح الجماعة المحظورة أو التي يجب أن تعود محظورة، فسجلها من الجرائم الجنائية يعرفه الجميع، وما من دليل حقيقي بخلاف مقولات التقية والتطمين تقول أنهم قد نبذوا نهائياً العنف الذي يسمونه جهاداً، وليس مجرد وعود بتأجيل اللجوء إليه إلى حين يترصدونه، كما ترصدوا ثورة الشباب المصري ودفعوا به للعنف مهاجمة لأقسام البوليس والسجون ومقار أمن الدولة، ولا نعلم ماذا يمكن أن يصدر منهم ويدفعوننا إليه في المستقبل القريب والبعيد. . هذه الجماعة إذن سواء صار مرشحها رئيساً للجمهورية أو لم يصر، فهم في جميع الأحوال يعدون تهديداً بتدمير مصر الوطن والحضارة.
يحتاج المصريون لتغيير شامل في حياتهم، ونظام حكم رشيد وعصري هو بوابة أساسية لبدء السير الجدي في طريق التغيير، لكن السؤال المحوري الآن هو هل جماعة الإخوان المسلمين بتاريخها وفكرها وتنظيرات رموزها هي الجهة القادرة والمؤهلة لقيادة هذه التغيير؟
احتلت الجماعة طوال الثمانية عقود الماضية موقع المعارضة للحكام، وقد جنت من هذا الموقع تعاطفاً شعبياً كان عاملاً أساسياً في جماهيريتها، إلى جانب لعبها على أوتار المشاعر الدينية للبسطاء الأتقياء، لكن هل كانت تنظيراتها وأهدافها وشعاراتها تستهدف ضبط أداء الحاكم لتحقيق العدالة والرفاهية والتقدم للشعب المصري، أو تعادي الفساد المالي والإداري الذي يبدد مقدرات الشعب المصري المحدودة، أم كانت تعادي الحاكم لأنه لم يقم بفرض قوانين تتصورها مقدسة، تطبق على البسطاء وليس على الحكام الذي كانوا يرتكبون طوال التاريخ الإسلامي بخلافتيه الأموية والعباسية ثم العثمانية كل ما عرفت الإنسانية من موبيقات دون رادع أو حسيب. . هي قوانين تحاول فقط أن تجبر الناس على نمط حياة متخلف معاد للحضارة ولكل قيم الإنسانية؟!
تنظيرات وفكر الجماعة في الحقيقة لم يكن أبداً معارضة للحاكم، تلك المعارضة السياسية التي نعرفها وتعرفها جميع الدول والشعوب، بل كانوا دوماً على استعداد لعقد صفقات مع أي حاكم وكل حاكم على مدى عصورهم، ليتيح لهم هامشاً من حرية الحركة، يستطيعون من خلاله تنفيذ أجندتهم المنقطعة الصلة بهموم الوطن والمواطن الحياتية والحضارية. . استهدفت تنظيراتهم دوماً الناس وأخلاقهم ومنهج حياتهم، وهو ما يخرج تماماً عن دور الدولة والحاكم، حيث أن ما يتعرضون له من تغيير في سلوك الناس يدخل في نطاق الحرية الشخصية للإنسان، حيث تكون دور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد هي المسؤولة عن تقويم هذا الأداء، عبر بناء ضمير الإنسان وفق الوصايا الدينية، المفترض ألا تتعارض مع ما توصل إليه الإنسان من معايير لحقوق الإنسان، وبناء الضمير لا يحتاج لحاكم وقوانين قد تجبر على النفاق لكنها لا يمكن أن تدفع حتى إلى تقوى حقيقية، هذا بالطبع لو افترضنا أن تقوى الإنسان الفرد تخص أي أحد سواه!!
نعم يحتاج الشعب المصري إلى تغييرات شاملة أو حتى انقلابية في قيمه وسلوكياته، إذ يحتاج إلى إعلاء قيمة العمل وبذل الجهد المنتج المخلص، كما يحتاج إلى احترام القوانين والالتزام بها واستهجان الخروج عليها، وليس كما هو شائع بمصر الآن من التفنن في التهرب من القوانين والعصف بها. . نحتاج إلى الصدق في القول والتعامل، وإلى الشفافية والإخلاص في العمل وفق ما نقول، لا إلى المراوغة والكذب المبتذل. . هذه القيم جميعها ليست فقط غائبة عن خطاب هذه الجماعة واهتماماتها، بل ورأينا طوال الوقت من رموزها ما يتعارض معها تماماً!!
لا يفيد لتلافي ما أوردنا ما يطلقون من وعود وأحاديث عن نهضة وما شابه، فحتى لو افترضنا فيهم الإخلاص فيما يقولون، فهل سيقبلون تنحية ما في رؤوسهم من أفكار تدميرية لكل حضارة وتحضر؟
وإن فعلوا وتخلوا عن هلاوسهم وخزعبلاتهم، وأرادوا السير في طريق النهضة التي يزعمونها، فهل سيكونون هم الأقدر على التصدي لهذه الأمر، هل يمتلكون المؤهلات العلمية والخبرات التي تتيح لهم ذلك، وهم من أنفقوا عمرهم في ترديد مقولات تغيبية مفارقة للعصر ومعادية للعلم؟!!
هؤلاء باختصار متخصصون ومعنيون بتطبيق "ما لا يلزم" بل يخرب ويدمر ما هو قائم من أبنية حضارية في جميع المجالات، وفي نفس الوقت يفتقدون لأي جدارة لتطبيق "ما يلزم". . لذا فإن إنقاذ مصر مما يتهددها جدياً الآن يقتضي عودة المحظورة لتكون محظورة، لنتقي ما يراد فرضه علينا من "لزوم ما لا يلزم"!!
الولايات المتحدة- نيوجرسي
kghobrial@yahoo.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونية
التعليقات (0)