السلام عليكم
المحبات والتحريم
عندما تفرز المحبات في الأعصاب والدم، ويكون محْدثها أُم؛ فإنَّها لا تتغير لو كان محْدثها أنثى أُخْرى لا تمُت بأي صلة للأم، لا بل لا تختلف حتى لو كان محْدثها صديق أو أخ، أو أبو، إلا من حيث الحُبِنْبَى (المَحَبَّات المفسية)، فالحب الموجة للأم يختلف عن الحب الموجه للأخ، أو الزوجة، من حيث المَحْدَث الحُبِنْبَى..
نظرة الأنسان إلى أنَّ الجِّماع مع الأم رذيلة، أو محرمة، مكتسبة من المجتمع: عادات تقاليد، خبرات، دين، إلخ، فالطفل لو لم يُمَثْوَر من دين، أو شيء آخر، على أنَّ جِماع الأبن لأمه، أو الأخ لأخته محرما، أو على الأقل مرذولا، فلن يجد أي مشكلة في أنْ يمارس جِماعا مع أمه، أو أخته، بل لو اعترض أحد على فعله، من الذين يشاركونه عاداته وتقاليده، لَنَسَبَه إلى فساد فكره، أو أنَّه يرى أنَّه تأثر من خارج جماعته باعتراضه، وتغيير نظرته لهذا الأمر، أو أنْ ينسبه إلى الجنون..
تحريم جماع الأبن للأم، أو الأخت، على الأغلب اكتسبها الإنسان من بعد أنْ انتشرت عاهات في النسل، ويأتي الخصام في البيت - الذي يسببه هذا الجماع - في الدرجة الثانية؛ وهذا جعل الناس تنظر لهذا الجِّماع نظرة اشمئزاز، فمنع، فتحريم، كل هذا من التجربة التي يخوضها الإنسان، ولكن من غير المستبعد أنْ يكون هذا وحيا، ولو كان وحيانا فليس بالضرورة أن يكون في كل بني البشر، بل ربما يكون بين قوم لا يُعْمِلوا فكرهم، كما أنَّ عقلهم للأشياء قليل.
أميل إلى أنَّ الوحي يجد الناس مشمئزة من هذا الجِّماع، أو صارت تتجنبه، فيُشدد على تحريمها، وذلك لأنَّ الناس صاروا مؤهلين للابتعاد عنه تماما، فهو ممرضه..
من هنا فإنَّ توقف الابن عن جماع أمه، والأخ عن أخته، سببه اتقاء أولا مشكلات بين الأقرباء، ثم ثانيا – إتقاء - مرض، ثم ثالثا قد حُرِّمَ، ومن هنا بَدَأ يَتَمَثْوَر أخلاقيا، فالأخلاق سببها المشاكل التي تحدث في مجتمع ما، فلولا حُدُوث المشاكل، لما كان ثمة أخلاق؛ وبهذا فإنَّ الأجيال الجديدة التي لم تَعْهَد المشاكل، والأمراض المتعلقة بهذه المسألة، تستمد الخلق تقليدا، كما أنَّ صاحب الحسن يُمْدَح؛ وبهذا نَجِد الناس تَسْعَى في التَّخلق لنيل شرف المدح، وبعد هذا كله يأتي الوحي ليؤكد الأخلاق؛ وذلك لأنَّ المجتمع مؤهل لتقبلها، فبدونها ستحصل مشاكل، فلولا أنْ ذاقوا المر من المشاكل التي عايشوها، والتي علاجها الأخلاق، لَمَا تقبلوا الأخلاق، ولا تثبيتها من الوحي الإلاهي..
الأخلاق تتهاوى بفعل التخلف الذي يطرأ على جماعة بشرية ما، فيأتي الوحي الإلاهي لإحيائها، ويضيف أشياء جديدة غير مطروح لها أسئلة آنَما نزل الوحي، مثل:”مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان"، فلم يسأل أحدٌ محمدا – صلى الله عليه وسلم - بشأن هذه الآية، كما أنَّ الأيات التي يوحيها الله إلى رسله تكون مشفرة، لا يَرى شفرتها إلا الذين يتفكرون في القرآن فيعقلونه، فالأرقام التي تربط الأيات ببعضها مَذْهَلَة، وهي من المعجزات الباقية، وليس مثل معجزات الرسل التي لم تتجاوز وقت حدوثها..
الوحي لا يجيئ ما لم يكن المُوحى إليه يستطيع أنْ يعقل الأشياء، فلو نزل الوحي على من لا يستطيع عقل الأشياء، ومن ثم عقل المُوحى إليه، لكان مُرْسِلُ الوحي عابثا، ويكلف الأشياء فوق وسعها؛ وهذا دليل على سبق قدرة الإنسان على عقل الأشياء قبل نزول الوحي، فالعقل يسبق الوحي، لأنَّ مرسل الوحي يريد من مخلوقاته أنْ تسمو، فتتفكر في الأشياء وتعقلها، لأنَّ الوحي لا يجيء دائما، بل يجيء بين فترات (من فتور) وبهذا يكون التفكر والتقعل بديلا عن استمرار مجيء الوحي، وقد خُتِمَ الوحي بنبوة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم -، وقد فُتح الطريق للتفكير والتعقل الإنساني على مصراعية بمجيء خاتم الأنبياء محمد – صلى الله عليه وسلم -، فختم الأنبياء يعني ألا ينتظر الإنسان حلا عن طريق الوحي الإلاهي لمشاكله، بل لا بد أنْ يحل مشاكله بنفسه، كما أنَّ القرآن يحتوي على توجيهات، ومن ضمن هذه التوجيهات:”قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"، ولو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لكانت كافية، فآية:”وقل رب زدني علما" مطوية فيها، وكذلك:”أفمن يعلم كمن لا يعلم"، و"إنما يخشي اللهَ من عباده العلماء"..
الألم الناتج عن انقطاع الوحي، يعوض الله صاحبه يوم القيامة حسنات، فهو في ميزان حسناته، فالله قادر على أنْ يرسل الوحى ليخبر رسول له عن دواء الداء كذا وكذا، ولكنَّه لا يفعل، فالإنسان قادر بتفكيره وتعقله أنْ يصل للدوء ولو بعد حين، وآلامه من المرض تتبدل حسنات عند الله..
وعلى ما سبق، فالحُب عندما يَحْدُث؛ فإنَّه يكون أولا فكرة حُب تجعل الأعصاب تفرز محبات، والدم يُفْرِز محبات، ولكن المحبات التي في الأعصاب لا تكون وحدها، بل تَحْدُث إلى جانب روت ونسميه في هذا الحال مجهدات.. إذا فهمنا هذا، فلا شك أننا نفهم أنَّ الاختلاف بين حُبْ الأم، وحُب الأخت، وحُب الأخ، وحُب الأب، وحُب الصديق، وحُب الجار: سببه فكرة الحُب، الموجودة داخل كلمة الحُب، فعندما نقول: حُب فيجب أنْ نفهم أنَّ أحد أجزاء كلمة الحب: أولا: الفكرة، كما أنَّه يوجد جزء في الدم، وجزء في الأعصاب، وبلا هذا التصور يكون فهمنا لكلمة الحُب ناقص..
التعليقات (0)