الديموقراطية ، مرآة الأمة اللتي تعكس أرادتها ، وأداتها اللتي بها تحول هذه الأرادة الى أمر واقع .
كانت مصر قبل 25 يناير دكتاتورية عائلية مطلقة . دولة تعمل برؤية حسني وجمال ، وبأرادة عز وحبيب العدلي وفتحي سرور وحسين سالم ...
وفي مسألة العلاقات الخارجية المصرية ، أدى هذا الوضع " اللذي يشبه كثيراً الوضع في باقي الدكتاتوريات العربية " الى نوع غريب من العلاقة مع الغرب ، التناقض سمتها الغالبة ، والتضاد بالأقوال والأفعال في التعامل معها هو السياسة الرسمية للدولة .
كان نظام حسني حليفاً ستراتيجياً للولايات المتحدة والكيان الصهيوني خصوصا ً، والغرب عموماً ، وهذه حقيقة عبر عنها كل الساسة الغربيون أثناء الثورة وبعد سقوط النظام .
ولم يترك حسني ورموز نظامه فرصة أثناء فترة حكمهم ألا وعبروا فيها عن هذه العلاقة الحميمة كلما ظهروا في "السي ان ان" وحفلات الأستقبال في البيت الابيض وتل ابيب ، بل أن الفخر والأعتزاز بهذه العلاقة كان واضحاً في تصريحات أبطال (السلام) هؤلاء .
وعلى العكس ، فأن الخطاب الداخلي كان يؤكد دائماً على رفض النظام للسياسة الأمريكية في المنطقة ، وكان التوجه الأعلامي المصري الداخلي يوجه المواطن الى معاداة الغرب والصهاينة لتكريس فكرة أنه السد المنيع ضد أطماعهم في المنطقة ، بينما نفس النظام كان أداة مهمة لتنفيذ الرؤيا الصهيو-أمريكية في جميع القضايا العربية ، أبتداءً بالفلسطينية والعراقية ، وأنتهاءً بالحرب الغربية على القاعدة ، والقضية السودانية اللتي أدت الى تقسيمه في نهاية الأمر .
أفلام حربية وصور من معركة الفخر في 73 على شاشات التلفزة المحلية ومسلسلات رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة ، بينما التعاون الأستخباري على أعلى مستوى بين أجهزة النظام الأمنية والموساد والسي آي ايه ، ومناورات النجم الساطع للجيش المصري تقام سنوياً بالأشتراك مع القوات الغربية والصهيونية .
السماح بمهاجمة أمريكا والصهاينة في الأعلام الداخلي والبرامج الحوارية بينما صور القبلات بين حسني واولمرت وبوش وباراك وجوندليزا رايس تظهر في نشرات الأخبار العالمية يومياً .
والأهم من كل ذلك مسرحيات هزلية عن غضب الرئيس ونظامه من حوادث مثل مقتل جنود مصريين على الحدود بيد الصهاينة ، وقصف الأطفال والنساء بالأسلحة الكيماوية في لبنان وغزة بينما السفير الصهيوني يصول ويجول في العاصمة المصرية ! .
الغريب في الأمر ، ومع كل التغيير اللذي قلب الأوضاع رأساً على عقب في مصر ، فأن وضعاً مماثلا قد ظهر فجأة أمامنا في اليومين الماضيين بعد أن قام الشاب أحمد الشحات بتسلق عمارة السفارة الصهيونية وأنزل العلم الصهيوني من عليها ورفع العلم المصري بدلاُ منه تعبيرا عن الغضب الشعبي من أستشهاد سبعة من حرس الحدود المصريين .
اللجنة الوزارية لإدارة الأزمات ، برئاسة رئيس الوزراء ، عصام شرف " تؤكد حرص مصر على السلام مع إسرائيل" ، وفي ذات الوقت يرحب السيد شرف "بالبطل الشعبي" احمد الشحات خلال لقائه به ، ليتحدث معه حول جرأته في الصعود لنزع علم إسرائيل ؟! .
محافظ الشرقية يقوم بتكريم أحمد الشحات ابن الشرقية بأقامة حفل كبير له بديوان عام المحافظة ، وتوفير فرصة عمل تليق بمكانته الوطنية "كما جاء في بيان المحافظ" ، وتخصيص وحدة سكنية له ليتمكن من الزواج ، بينما حكومة الجيش تتراجع عن قرارها بسحب السفير المصري من تل أبيب ، ولاتطرد السفير الصهيوني في القاهرة !؟ .
بدون أي حاجة للذكاء يمكننا نعرف أن حسني وباقي الأنظمة الدكتاتورية كانت ولازالت تلعب على حبال الأستسلام والخنوع للقوى العالمية ، في ذات الوقت اللذي تقدم نفسها فيه كحامية للعروبة والأسلام لشعوبها ، وهي تعلم جيداً موقف هذه الشعوب الرافض للكيان الصهيوني والسياسات الغربية اللتي تقف في وجه الشرعية القاضية بالقصاص من جرائم هذا الكيان بحق الأنسانية ، وكل ذلك للحفاظ على الكرسي والأمتيازات العائلية .
ولكن ما يصعب فهمه هو أنتهاج حكومة الجيش المصري الحامي لثورة 25 يناير لذات الأسلوب اللذي انتهجه نظام حسني ، خاصة وأن الأخبار تتهم المشير طنطاوي والمجلس العسكري بالضغط على حكومة شرف للتراجع عن سحب السفير والأجرائات الشديدة الأخرى اللتي أتخذتها الحكومة المصرية .
المفروض أن مصر تحولت الى الديموقراطية والشفافية، والصدق من أهم مقومات اي نظام ديموقراطي ، فأذا كان المجلس العسكري يرى أن السلام مع الصهاينة أمراً مهماً لمصر لايمكن التراجع عنه ، فالأولى به الخروج الى المصريين للتأكيد على أن دماء سبعة من ابنائهم لا تحتاج الى سحب السفير من تل أبيب .
وأذا كان رأيه ان العلاقة مع الغرب أهم من الكرامة المصرية اللتي " لاتؤكل الشعب خبزاً " ، فالمفروض أن مصر تجرب عهداً جديداً تصلح فيه خطايا النظام السابق ، ما يتطلب من الجميع المصارحة والمكاشفة وأبداء الرأي في النور ليشترك الجميع في التأسيس الصحيح للعهد الجديد .
أما تكريم الشحات أمام شاشات التلفزة ، والتراجع عن سحب السفير في ظروف غامضة لابد وان يجعلنا نتسائل عن دور المجلس العسكري اللذي بلغ عدد اللذين حاكمهم من المدنيين في المحاكم العسكرية بتهم منها الأسائة الى شخص المشير 12000 مدني؟ وعما يريده هذا المجلس بالظبط في هذه المرحلة اللتي من المفروض أنها انتقالية ، سيعود بعدها الى ثكناته دون اي تدخل في السياسة ؟ .
فكما قلنا بالسابق ، ان لعبة تقبيل الأيادي في واشنطن وتل ابيب ، وتمزيق العلم الصهيوني في القاهرة في وقت واحد يعيد الى الأذهان طريقة النظام الساقط في تثبيت الكراسي واوضاع سياسية أخرى .
التعليقات (0)