مواضيع اليوم

المجلات النسائية تكرس النظرة التقليدية للمرأة

محمد العدلوني

2011-02-09 12:14:32

0

أصبح موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان في الآونة الأخيرة، من أهم الموضوعات المطروحة في الساحة السياسية والإعلامية العربية، فالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تطالب العرب بمزيد من الديمقراطية وتعتبر حقوق المرأة جزءاً لا يتجزأ من الإطار العام للديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولعل موضوع  حقوق المرأة يعتبر من الموضوعات المهمة والحساسة جداً في وطننا العربي، نظراً للواقع الموجود في معظم الأقطار العربية، من اضطهاد للمرأة، وعدم المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع، يرى الدارسون والمحللون لهذا الموضوع، ان هناك عدة عوامل وراء ذلك، فمنهم من يرى الدين عاملاً أساسياً في عدم المساواة، زاعمين أنّ الدين الإسلامي لا يساوي بين المرأة والرجل ولا يعطي المرأة حقوقاً متساوية في بعض الأمور.

بينما يرى آخرون أن عدم المساواة ترجع إلى أسباب اقتصادية واجتماعية في المقام الأول، وهناك الكثيرون ممن يعتقدون أن المرأة لا تستحق أن تعامل مثل الرجل أو أن يكون لها حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية مساوية لتلك التي يحصل عليها، بسبب الفروقات البيولوجية والجسدية بل وحتى الفكرية، أي أن الرجل بطبيعته متفوق على المرأة، ولذلك فمن حقه أن يأخذ حقوقاً أكثر من تلك التي تحصل عليها المرأة.

أما أشكال التمييز ضد المرأة في الوطن العربي فهي عديدة، وهناك عدة مفاهيم أو ممارسات اجتماعية تعبر عن اضطهاد المجتمع لها، لعل أهمها النظرة التقليدية للمرأة والتي ترى مهمتها الأولى والأهم في المجتمع هي أن تكون زوجة صالحة، تنجب الأولاد وتعتني بتربيتهم، وأيضاً فمن واجبات الزوجة أن تهتم بمنزلها ونظافته وبالطبخ وجميع الواجبات المنزلية. أما مهام الرجل، بحسب هذه النظرة التقليدية، فهي العمل خارج المنزل لجلب المال والطعام لزوجته وأولاده، وأن يوفر لهم حياة كريمة، أي أن مكانة المرأة في المجتمع هي الداخل، أما الرجل فمكانه الخارج.

والمرأة، بحسب هذا المفهوم، هي جسد لمتعة زوجها، وأداة للانجاب، أما الرجل فهو الفرد المنتج في الأسرة وواجبه أن يعمل ليحصل على المال من أجل أسرته، الا أن بعض علماء الاجتماع والباحثين وعدداً من ناشطات الحركات النسوية العربية، يعتقدون بأن هذه النظرة التقليدية للمرأة ودورها في المجتمع آخذة في الانحسار، وأن عملية تحرر المرأة وانعتاقها من هذه المفاهيم قد بدأت بالفعل، وأنها أي المرأة العربية، قد حققت انجازات فعلية في هذا المجال.

في هذه الورقة، سنحاول البحث في المجلات النسائية العربية محاولين التعرف على كيفية معالجة هذه المجّلات لموضوع المرأة العربية، والأسئلة المطروحة للبحث هي، هل تنظر هذه المجلات للمرأة وفق الاطار التقليدي العربي، أم أن هذه المجلات تحاول أن تعزز من عملية تحرر المرأة العربية وخروجها من الأطر التقليدية السابقة الذكر، أي أننا سنحلل مضمون هذه المجلات ونرى ان كانت تخاطب المرأة باعتبارها عضواً فاعلاً في المجتمع خاصة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأن مكان المرأة هو في جميع مجالات المجتمع، أم أن هذه المجلات ترى عكس ذلك، وأن دور المرأة محصور في المنزل «الداخل» وبالتالي فان من واجبات المرأة الاعتناء بمنزلها وزوجها وكذلك بجمالها وأناقتها وما الى ذلك، وأن الموضوعات السياسية والاقتصادية والأمور المهمة في المجتمع والدولة هي ضمن صلاحيات الرجل.

أخذنا عينة من ثلاث مجلات نسائية عربية، تعتبر من أكثر المجلات انتشاراً، وهي «زهرة الخليج، سيدتي، لها» ، بمعدل خمسة أعداد من كل مجلة، أي أن العينة البحثية تشمل خمسة عشر عدداً.

في تحليلنا لمضمون هذه المجلات، كان التحليل على مستويين، الأول تقسيم الموضوعات الموجودة في كل مجلة الى عدة أقسام لمعرفة ما هي النسبة التي يغطيها كل قسم في هذه المجلات، وفي المستوى الثاني والأهم من التحليل، سنلقي الضوء على مضمون كل قسم من هذه الأقسام وما يحتويه من موضوعات.

أما الأقسام فهي، الاعلانات، الموضة والجمال، الديكور، المطبخ، مجتمع، مقابلات مع النجوم، الشعر والقصة القصيرة ومتفرقات، وأيضاً حاولنا أن نحلل مضمون بعض هذه الأقسام عن طريق اللغة المستخدمة، فمثلاً عند التطرق الى قسم المطبخ، سنرى ان كانت اللغة المستخدمة موجهة الى المرأة فقط، أم الى المرأة والرجل، وعند تحليلنا للمجلات الثلاث، فلن نذكر اسم المجلة لعدة أسباب، وسنستعيض عن ذلك بتسمية المجلات أ،ب،ج.

الجداول التالية تبين النسبة المئوية التي احتلتها الأبواب التسعة التي قسمنا المجلات على أساسها.

التحليل

بداية، حللنا معنى المساحة التي تشغلها أبواب الموضة والجمال، والديكور، والمطبخ، حيث أن هذه الأبواب مجتمعة تغطي حوالي ربع مساحة المجلات النسائية الثلاث. باب الموضة والجمال، يغطي أخر صيحات الموضة والأزياء عن طريق صفحات تعج بصور لعارضات الأزياء، أما الجمال فهو عبارة عن عرض لأخر مستحضرات التجميل والطرق الحديثة لحفاظ المرأة على جمالها وأناقتها وغيرها من الأمور المتعلقة بالجمال.

وهذا يعيدنا الى النظرة التقليدية للمرأة في الثقافة العربية السائدة فالمرأة، من منظور هذه النظرة التقليدية ليست مخلوقاً لديه عقل وقدرات فكرية، كتلك الموجودة لدى الرجل، ومن هنا فان واجب المرأة هو الاهتمام بجمالها ولباسها وأناقتها، حتى تسعد زوجها، والثقافة العربية مليئة بالأمثال الشعبية التي تعزز من هذه النظرة.

وفيما يخص الديكور والمطبخ فان الخطاب فيهما موجه للمرأة فقط، وكما أسلفنا سابقاً من أن المنظور التقليدي للمرأة يستوجب وجودها في المنزل والاعتناء به والاعتناء بالأمور المنزلية وبخاصة الطبخ وهي ليست من مهام الرجل على الاطلاق، النسبة المئوية التي تغطيها هذه الأبواب الثلاثة مجتمعة، الموضة والجمال، الديكور والمطبخ هي 4. 29% في المجلة أ و7. 21% في المجلة ب، و6. 16% من مجموع صفحات المجلة ج، وبشكل عام، فان هذه الأبواب الثلاثة تغطي ما مجموعه 5. 22% من مجموع صفحات المجلات الثلاث.

أي أن 5. 22% من صفحات المجلات النسائية العربية الثلاث تعزز من النظرة التقليدية للمرأة في المجتمع العربي بشكل مباشر، من حيث كون المرأة زوجة و/أو أماً ومهامها هي الطبخ والانجاب.

أما الاعلانات فهي تشكل كما بينت الجداول السابقة حوالي 20% من مساحة المجلات الثلاث، واذا حاولنا تحليل مضمون هذه الاعلانات فان ما نسبته حوالي 70% منها هي تعزيز للأبواب السابقة الذكر، وبخاصة أبواب الموضة والجمال، حيث أن هذه الاعلانات هي في الغالب لمستحضرات التجميل والعطور وما شابه. بالاضافة الى استغلال المرأة في هذه الاعلانات من أجل الترويج لهذه المنتوجات، اذ اننا نجد أن غالبية هذه الاعلانات هي عبارة عن صور لنساء في محاولة لترويج هذه السلع عن طريق استغلال المرأة، بمعنى أن ما نسبته 70% من الاعلانات في مجلات المرأة العربية هي لمستحضرات تجميل، أي أن 14% من مجمل صفحات المجلات هي اعلانات لهذه المستحضرات، نخلص من ذلك الى أن 34% من صفحات المجلات النسائية العربية تقع في اطار النظرة التقليدية للمرأة، بل وتحاول أن تعزز من الصورة التقليدية.

أما في باب التحقيقات، الذي يغطي 11% من صفحات المجلة أ و6. 11% من المجلة ب، و15% من مساحة المجلة ج. فان التحليل حول هذه التحقيقات التي تقوم بها المجلات الثلاث يوصلنا الى نتيجة مفادها أنه من الصعوبة استنتاج أرقام واضحة وقاطعة الا أن نسبة كبيرة من هذه التحقيقات تغطي وتناقش موضوعات ومشكلات اجتماعية تهم المرأة العربية، مثل مشكلات الزواج والطلاق وحجاب المرأة والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي والميراث وعمل المرأة خارج المنزل، وغير ذلك من الموضوعات الحساسة والشائكة في مجتمعاتنا العربية. انّ هذه النقطة هي في صالح هذه المجلات، من حيث محاولتها التطرق للموضوعات التي تتعامل مع المرأة كمخلوق له حقوق وواجبات، وأن الكثير من هذه التحقيقات تتطرق لموضوع المساواة بين المرأة والرجل، أي أن غالبية هذه التحقيقات تعمل وتحاول أن تعزز من مكانة المرأة في المجتمع، خارج نطاق المنظور التقليدي. والمساحة التي تغطيها هذه التحقيقات في المجلات الثلاث هي 5. 21% وان لم تكن جميعها تصب في هذا الاتجاه، الا أن الغالبية منها هي كذلك.

أما باب الشعر والقصة القصيرة وبعض المقالات الأدبية التي يكتبها أدباء عرب بارزون فتحتل ما نسبته 1. 5% من اجمالي مساحة المجلات الثلاث، وما اذا كان تصنيف هذا الباب يقع ضمن اطار مع أو ضد النظرة التقليدية للمرأة، فهذا موضوع شائك للغاية ويحتاج الى بحث تفصيلي لمعالجة مضمون القصة والشعر المنشور في هذه المجلات، الا أن عدداً لا بأس به من هذه القصص والأشعار تكتبها أديبات عربيات، وهو ما يعزز من مكانة المرأة في المجتمع ويؤكد أنها تستطيع أن تكون أديبة وشاعرة ومثقفة، وليس فقط زوجة تهتم بمظهرها.

قد يجد البعض في ذلك طرحاً ساذجاً للأمور ما لم يتم تحليل مضامين هذه الأشعار بدقة، حيث أن المرأة نفسها قد تكون من مؤيدي النظرة التقليدية لها، وهو أمر موجود كما يعرف الكثيرون.

الا أنني سأجازف في هذا التحليل، وأصنف هذا الباب ضمن الموضوعات التي تحاول تعزيز عملية تحرر المرأة، ضد النظرة التقليدية السائدة، لأن الشعر والقصة والمقالات المنشورة في هذه المجلات تتحدث عن الحب والصداقة والمشاعر، وهي أمور لا تقع بالطبع ضمن المفاهيم التقليدية عن المرأة ودورها في المجتمع، حيث أن الحب وافصاح المرأة عن مشاعرها هي أمور مرفوضة تماماً.

نجوم يغطي باب «مقابلات مع النجوم» مساحة لا بأس بها من صفحات المجلات الثلاث، فهي تشكل 3. 13% من صفحات المجلة أ، و 12% من المجلة ب، وتشكل 9% من صفحات المجلة ج، في هذه الصفحات نجد مقابلات مع نجوم ونجمات السينما والغناء، والملاحظ في هذه الصفحات، أن أكثر من نصف صفحات هذه المقابلات هي عبارة عن صور للنجوم، وبشكل خاص النساء، وهي ظاهرة عامة في مجلات المرأة العربية، حيث نجد أن الصورة تغلب على الخبر أو الموضوع، ومضمون هذه المقابلات في الغالب يدور حول الشائعات التي تطلقها بعض هذه المجلات نفسها عن النجوم والنجمات، أو عن الحرب الكلامية بين مشاهير السينما والغناء، ونادراً جداً ما نجد سؤالاً حول أحد الموضوعات السياسية أو الاجتماعية في هذه المقابلات، أما عن العلاقة المباشرة بين هذه الصفحات وموضوع البحث، فمن الصعوبة الادعاء بأن هذه المقابلات تعزز من الصورة التقليدية السائدة عن المرأة، وفي الوقت نفسه فانها لا تعزز من عملية تحرر المرأة ومكانتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة صور نجمات السينما والغناء التي تملأ هذه الصفحات.

الا أن بحثاً احصائياً دقيقاً عن قرّاء هذه المجلات، قد يلقي الضوء بشكل أكبر على هذه المسألة ويعطينا جواباً أو فكرة عن السبب وراء امتلاء هذه المقابلات بصور النجمات، فهل وجود عشرات الصور للنجمات في المجلات النسائية العربية يهدف الى ترويج أكبر عدد ممكن من هذه المجلات بين الشباب الذكور العرب؟ وبالتالي فهو هدف تجاري بحت، أم أن الأمر متعلق بتقنيات خاصة بهذه المجلات؟ الباب الأخير وهو باب المجتمع، لا يختلف كثيراً عن الباب السابق، «مقابلات مع النجوم» حيث أن، غالبية أخباره تتعلق بالنخبة والمشاهير في المجتمع، مثل الفنانين والفنانات ورؤساء الدول والوزراء ورجال الأعمال، وكما في باب مقابلات مع النجوم، نجد في هذا القسم أيضاً أن صور النجوم والمشاهير وبخاصة النساء تشكل المساحة الأكبر من الخبر، وفي أحيان كثيرة، نجد أنه ليس هناك خبر بل صور للنجوم فقط. وبالتالي فان التساؤلات التي طرحناها في الفقرة السابقة، تنطبق بشكل كلي على هذا الباب.

«متفرقات» هذا القسم هو عبارة عن عدة موضوعات مثل الأبراج، صفحات التعارف، رسائل القراء، كلمات متقاطعة وغير ذلك من الأبواب المتنوعة والمختلفة، وبشكل عام يمكن تصنيف هذه الصفحات في مجال التسلية، ليس أكثر.

خلاصة

كما بينا في هذه الدراسة المختصرة فان حوالي 35% من مجموع صفحات المجلات النسائية العربية الثلاث، تحتوي على موضوعات تعزز من النظرة التقليدية للمرأة في المجتمع العربي. والجدير بالذكر هنا، أن غالبية هذه الصفحات تحمل صبغة تجارية، فبجانب الاعلانات المباشرة التي أشرنا اليها سابقاً، فان صفحات الموضة والجمال هي في المحصلة دعاية لاحدى دور الأزياء العالمية، ونفس الشيء ينطبق على صفحات الديكور، وفي المقابل نجد أن حوالي 17% من مساحة المجلات الثلاث هي موضوعات تحاول أن تعزز من مكانة المرأة في المجتمع عن طريق التحقيقات التي تجريها هذه المجلات وكذلك أبواب الشعر والقصة، أمّا أقسام المجتمع ومقابلات مع النجوم فمن الصعوبة تصنيفها ضمن اطار معين، لعدم وجود احصائية دقيقة للفئة المستهدفة من هذه المجلات، هل هي المرأة أم الرجل؟

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !