المجرمة أنوثة
ينتابها الكثير من الغضب امرأة، غاضبة امرأة تقاتل الهوى، وتزاحم الحلم، وترش من عطرها بدل الهال في قهوتها..
امرأة من الدمع النازف من تاريخ الوأد، إلى لحظة صورة عارية لامرأة في إعلان، من تاريخ القمع، وتهمة الأنوثة في تفاصيل الجسد، تحمل جريمتها في تفاصيلها وأدلة جازمة بأنها تمارس غواية الشيطان نفسه.. باتت تحب الشيطان لكثرة تلازمهما ونطقهما اللغة ذاتها معا.. باتت تفتقده إن غاب من جلسة، أو جملة بينها وبين رجل؛ فتظن أن أنوثتها أدركتها الشيخوخة، فيضطرب عقلها.. كثيرة هي الأسئلة التي لا تفهمها من هي..؟، ما تاريخ المرأة في عين الذكورة؟ أهل الذكورة ترى أن المتعة امرأة ؟ تلك الأشياء التي تدور في الخفاء.. وسوسة الرغبة شياطين الأنس.. وكل تلك الثورات من هرمونات، واندريالين. تاريخ من القهر تحمله المرأة جينيا .. هل تعاتب عينا تترصد فتحة قميصها، أو ساقها من خلال فستان يلامس الأرض، أم عيونا خلف نقاب اسود، تثير رغبة في رجل فيصورها في تخيلاته. لماذا عليها دائما أن تثبت إنسانيتها قبل جنسها؟
ولماذا عليها دائما أن تحارب النظرة المسبقة الحكم لمتلازمة الأنوثة والمرأة؟.. هل جريمتها تكمن في تلك التضاريس التي خجلت دائما من إظهارها حين كانت تخبئها في ملابسها الفضفاضة ولا تظهرها، فلا تلتقط تلك الأعين الفضولية نضج الرمان في جسدها؟. أول مرة ضبطت رجلا يتلصص على جسدها، وهي تسير في الطريق؛ كان عمره يقارب الستين، وحين اقتربت منه تفوه بعبارات ما زالت، رغم كل تلك السنوات حين تتذكرها تشعر بالغثيان والاشمئزاز. كان من الممكن أن تناديه جدي وتساعده ليقطع الطريق، قطعت الشارع مسرعة خائفة مهزومة. كانت طفلة تكتشف الحياة .. تلك الحادثة مرعبة بالنسبة لها، رغم أن الأمر لم يتجاوز ثواني مرت بها بقربه؛ الا انه ما زال مطبوعا بذاكرتها. بعد سنوات عجاف تفحصت الأعين فيها تفاصيلها. تحرشات لا تنتهي في الشارع، والعمل، وعند الباعة، وأصحاب النفوذ، ومن يتشدقون بالفكر وعقولهم تختبئ خلف سراويلهم. سيطر عليها خوف رهيب، فكل تلك السنوات، والمراحل العمرية المختلفة التي مرت بها، وكل تلك الأعين التي اصطادت ما اصطادت من أحلامها، جعلت لديها هاجسا واحدا يقلقها، هو خوفها على ابنتها.. وسوسة أصعب من وسوسة الشيطان تصل إلى حد الفوبيا تسيطر عليها. ترى هل ستجيد ابنتها حربها ضد أنوثتها؟ هل ستتقن التعامل مع كل المغريات والتحرشات؟. تعلم أن الكثيرين الذين سيقرأون كلماتها سيتهمونها بأشياء كثيرة، وتعلم أنهم سيقولون إن هناك نساء يمتهن الغواية. ولكن خبرتها في الحياة تجعلها تقول أن هناك نساء يستغللن الغواية، ويستسلمن لأنهن يدركن ألا قيمة حقيقية في كينونتهن، إلا تلك التفاصيل التي تشغل رأس الرجل. ومن هنا يطوعن كل شيء، ويمررن ما شئن، ولا يجدن المقاومة .
كل تلك السنوات؟ وتلك الحرب الصامتة التي دارت على جبهات بينها، وبين نفسها، وبينها، وبين أنوثتها، وبينها، وبين الرجل لم تفضِ، إلى إي نصر. وان كان العمر قد أخرجها من المعركة فهي ترى ابنتها تكبر، وستخوض غمار العمل، والحياة وستواجه ما واجهت من جهل ونظرة ضيقة.. هي تعلم أن المرأة هي المجرم الوحيد في الكون المدان، وأدلة إدانته هي نفسها ما يلخص بجسده، إنها جريمة واضحة تتمثل بتلك التفاصيل!!. لذا هي غاضبة، وستبقى لأنها لا يمكنها أن تغير من هذه النظرة التي تتسمى بأسماء منها إعجابا، ومنها تسبيحا للخالق في خلقه، ومنها حبا، ومنها حلالا، ومنها حراما. وهي لا تتعدى كونها رغبة شهوة تحرش بيّن، لا احد قادر على إثباته في مجتمعنا. فنحن لسنا ببلاد العم سام، ونساؤنا لسن مونيكا لتتهم اكبر رأس بهرم الولايات المتحدة. من تجرؤ على القول إن احدهم تحرش بها ستكونه أول من يلعن وتتهم وتدان؛ لان مفهوم المرأة بمجتمعاتنا قائم على أن الرجل كائن يتلقى الغواية، ولا يسعى لها أو يصنعها. هي لا تملك إلا الدعاء أن تنجو ابنتها فلا احد سيسمع صرخة (المجرمة) في مجتمع كل من يديره ذكوره.
-
التعليقات (1)
1 - المرأة
May - 2015-11-12 14:59:51
الله المستعان