مواضيع اليوم

المجتهد مثل المقصر و الترقية بالاقدمية !!

عبدالعزيز الرشيد

2010-08-26 01:10:51

0

هناك أمر واضح نختص به عن باقي شعوب الأرض .. آلا وهو .. أننا هنا إلا من رحم ربي .. نباشر أعمالنا " , من المدير للغفير كما يقال , وفي جميع المجالات تقريبا, بنصف وعي ونصف جد !! .. والغريب أن ديننا الحنيف هو الوحيد من بين الأديان السماوية وغير السماوية الذي يركز على تأصيل روح العمل والإتقان فينا , فقد قال تعالى في محكم التنزيل (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) .. وجاء في الحديث ( من عمل منكم عملا فليتقنه ) أو كما جاء عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم ..وجاء في التراث ما يملأ الكتب أمثلة وشعرا تدعو وترغب العمل بالجد والاجتهاد قال الشاعر:

(وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا )

.. ولكن الواقع المرير هو أن الرغبة في العمل والتجويد وحسن أداء العمل مهما كان ذلك العمل صغيرا أو كبيرا وضيعا أو عظيما , هو عند غيرنا شهوة وشوق , حماس واجب أخلاقي , ..! أما نحن.. فهو عندنا واجب مملى من الخارج , تكليف شاق ..يمن به من هو عليه واجب وطبيعة عمل .. عند غيرنا يخرج الإنسان للعمل , كأمر روتيني ملزم به " ناهيك إذا ما كان يحبه ويعشقه " .. عندنا يخرج الإنسان للعمل وهو يشعر أن أمراً مهماً نسيه .! أنه لم ينسَ شيئاً .. فقط صلته بعمله ثانوية .! يشغله عن عمله أمر غير محدد .. لذلك تجده يتعامل مع الناس و الأشياء ببلاهة وكبرياء .. ولو أننا أنصفنا أنفسنا وكتابنا ونبينا , وأحسنَّا الأسوة بسلفنا الصالح , ومشينا في الطريق الذي أقام عليها الآباء الكبار اعرق حضارة عرفتها الدنيا , لتغير حالنا وأصبحنا مضرب الأمثال بين الأمم في الإتقان والجد في العمل .. ولكننا أسأنا الفهم وأسأنا العمل .

 

وقد تكون أفضل النماذج حرصاً على العمل بجد وإتقان لدينا صنفان .. الأول هم الملتزمون دينياً الذين يفهمون الدين كجوهر , وليس بالتطبيق الأعوج للالتزام ..اهتمام كبير بالمظهر والشكل دون مراعاة للقيم والمقاصد الأخلاقية لتعاليم الدين , من اقصدهم هم من يفهمون روح الشريعة التي حثت على العمل في الدنيا بجد واجتهاد وعمارة الأرض وطلب ما في الآخرة من أجر ومثوبة , لذلك هم يعملون بجد وإتقان لخوفهم من الله سبحانه وتعالى وحرصهم على أن يكون ما يتقاضونه من مال حلالا لا شبهة فيه , وهذا لعمري هو ما علمنا إياه ديننا الحنيف وحثنا عليه .

 

النموذج الثاني أو الصنف الثاني هم من قدر لهم مخالطة شعوب دول العالم الأول والعيش في ربوعهم لزمن , بسبب عمل أو دراسة , فهؤلاء أصابتهم تلك المجتمعات بعدوى الالتزام بالجد والإتقان في العمل , وحب النظام حتى انك تجدهم بعد عودتهم للوطن يلتزمون بربط الأحزمة المقاعد عند القيادة ويقفون عند إشارة ( قف) في تقاطعات الطرق , ولكن تجدهم يتخلون مرغمين صاغرين عن هذا الالتزام .. حتى لا يصبحوا غرباء في بلادهم .

 

وهنا لي استدراك .. قابلت صديقاً لي قادماً للتو من الولايات المتحدة الأمريكية بعد عشر سنين قضاها هناك يطلب العلم , وقد استوقفني شكل سيارته الذي هشم من الخلف بشكل محزن , فالسيارة لا زالت جديدة , وحين سألته عن السبب قال لي : الحمد لله أنها توقفت عند ذلك فلو أني لم أكن البس حزام الأمان لأحزنك شكلي بدون أسنان .. فقلت له لماذا .. قال : كنت أسير داخل الحي , وحين وصلت التقاطع وقفت لأن هناك إشارة" قف" تزين ركن التقاطع , ولم ادر إلا بأحد الإخوان العارفين بأنظمة السير عندنا يصدمني من الخلف , وحين عاتبته وقلت له أنا توقفت لأن هنا إشارة قف .. قال لي متهكماً .. "قف يا أبو الشباب .. سلم لي على قف ..!!"

 

ولعله مما ينبغي توجيه النظر إليه في موضوع الرغبة في العمل والتجويد وحسن الأداء هو مبدأ مكافأة المجتهد في أنظمتنا بشكل عام .. فالذي أدى ما عليه واشتغل وبذل جهداً , ونرى جهده بارزا في العمل – يؤسفنا كل الأسف بل ينكس رؤوسنا أن يساوى هذا المجتهد بمن العمل لديه تمضية وقت.! – ان هذه حقيقة لا يمارى بها احد , خصوصا في الوظائف الدنيا من الهيكل الإداري .. حين يصبح الحاضر مثل الغائب .. والمجتهد مثل المقصر .. ففي نهاية الشهر كل منهم يستلم نفس المرتب .. والترقية بالاقدمية .

 

نحن بحاجة ان نصنع رجال ونساء يحسنون النهضة حتى ننهض, و بداهة لا يتم ذلك إلا بتحوير خطط التنمية بالشكل الذي يساعد على صنع الإنسان المُجِد المجتهد الجاد , فانه لن تنجح خطة تنمية تباشرها أيد لا تعرف معنى العمل وأهميته , كما أن للتعليم ومناهجه دوراً كبيراً في غرس روح التجويد وحسن الأداء في العمل , وفي نفس الوقت يجب علينا حل مشكلة "

الروتين " وعبادة " النظام المكتبي " التي أكل عليها الزمان وشرب ,,

والله من وراء القصد

 

عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات