مواضيع اليوم

المجتمع .. ذلك المجرم الأكبر

نزار يوسف

2010-08-05 19:20:43

0

المجتمع ذاك المجرم الأكبر

 


درجت العادة في القوانين الوضعية و الأعراف البشرية ، أن يرتبط الفعل الجرمي ، بتعدد أنواعه ( سرقة – اغتصاب – قتل .... الخ ) بشخص الفرد الفاعل ، فتحدثت القوانين البشرية منذ القدم و حتى يومنا هذا ، عن توصيف جرم معين ، و تحديد العقوبة التي تقع على فاعله أو مرتكبه المباشر .


أحياناً و في حالات محدودة معينة ، يندرج في خانتي التوصيف الجرمي و توصيف المجرم .. شخص ثان يوصف بأنه المحرض أو الشريك ، في الحالات اللاحقة لتاريخ القوانين البشرية . و عادة و إلى الآن ، ما يقتصر القانون بشكل عام على تلك الحالة و لا يتعداها .


و لعلنا نلاحظ كيف أن أول قانون بشري معروف و مكتوب ، و هو قانون حمورابي ، قد نحا المنحى عينه المذكور آنفاً .. ذلك ما يلاحظ في حيثياته و بنوده .. من قتل ، يعاقب بكذا .. من سرق تقع عليه عقوبة كذا .. من زنى .. من .. إذا قام شخص بفعل كذا يعاقب بكذا . حتى الحوادث التي لا يقوم بها أو يتحمل مسؤوليتها أشخاص بعينهم .. جُيّرت عواقبها و نتائجها إلى أشخاص محددين بشكل منفرد ، و بالأحوال عامة ، تم تحاشي الكثرة أو الجماعة أو النخبة ، و بالأحوال كافة ، تم تحاشي المجتمع كمسبب أو دافع رئيس في جريمة من الجرائم أو كبيرة من الكبائر . و قانون حمورابي يعتبر ربما أبو القوانين البشرية اللاحقة فيما بعد ، كونه قد تطرق إلى معظم نواحي الحياة و المجتمع و معظم ما تطرقت إليه القوانين البشرية الآن . فهو قد تطرق إلى قضايا الجرائم العامة و جرائم المجتمع ( السرقة و القتل و غيرها ) و تطرق إلى ما يعرف الآن بجرائم القضاء و الإدارة العامة ( كالرشوة و المحاباة و شهادة الزور .. الخ ) و ناقش قضايا الأحوال المدنية ( الزواج - الطلاق – الإرث – الأسرة .... الخ ) كما تطرق إلى قضايا الأراضي و العقارات ، حتى القضايا التي يكون فيها الحيوان طرفاً في المشكلة . و تطرق أيضاً إلى القضايا الاقتصادية و المالية و الحقوق المادية بين الأفراد ( بيع – شراء – إيجار – رهن ... الخ ) و نظام العقود و غيرها من الأحكام المختلفة التي طالت مفاصل المجتمع و الدولة و التي نحن لسنا بصدد تفصيلها الآن .


هذه القضية اندرجت لاحقاً ، منذ تلك العهود و إلى الآن ، مروراً بالفترات المفصلية الهامة لتاريخ البشرية و تاريخ الأديان و الحركات و الدول الكبرى فيه .. التي استوجبت في حيثيات نشوئها و مضامين مقوماتها و الخطاب الفكري فيها صياغة قوانين المجتمع بشكل من الأشكال ( القانون المصري القديم – قوانين اليونان القديمة – القانون الروماني – القوانين الدينية .. الخ ) .. انسحبت على تناول الإنسان الفرد في مجمل بنودها و تعاطيها مع الجرائم و الأحداث المرتبطة بالمجتمع و تركزت على اعتبار هذا الفرد أو القلة القليلة من الإفراد ( فاعل و شريك و محرض مثلاً ) طرف أساس في جنح و جرائم المجتمع حيث بدت القضية هنا متعلقة بطرفين جريمة أو جنحة .. و فرد فاعل قد يرتبط معه شريك أو محرض .


من الملاحظ أيضاً ، أن هذه القوانين بعمومها و مجموعها ، قد تحاشت المساس بالأعراف الاجتماعية ، إلا فيما ندر و ضمن حالات استثنائية معينة استوجبتها ضرورة التغيير المرتبطة بالعامل الخارجي أو الظروف القاهرة . إذ أضحى من المعلوم الواضح ، أن الأعراف الاجتماعية لا يتم تغييرها إلا تحت ظرف القوة القاهرة و بعد مقاومة عنيدة قد تمتد لفترات زمنية طويلة أحياناً . و غالباً ما تكون تلك القوى القاهرة ، قوى خارجية ، كالأجنبي المحتل الذي يعمد إلى نقل بعض من ، أو كل ثقافاته و أفكاره ، و يفرضها عنوة .. أو ظروف داخلية معين ( طبيعية – اقتصادية .. الخ ) تفرض نفسها بنفسها و تكون الحاجة ضرورة ملحة لتطبيقها ، تفادياً لكارثة معينة أو أخطار محتمة تحيق بالمجتمع ، لكنها تصطدم بممانعة الجهل أو المصالح النخبوية الضيقة . ما يحدو نهاية الأمر إلى أن يفرض الطرف المنتصر ( بغض النظر عن مصداقيته و موضوعيته و صوابيته ) أن يفرض قوانينه الخاصة به .


مما سبق ، يمكن القول أن العلاقة بين الأطراف الاجتماعية و القوانين الوضعية ، هي علاقة ثنائية ( كما ذكرنا ) يبرز فيها الفرد كطرف أوحد لجهة ارتكاب الجرم و يظهر مبتوراً عن كل عوامل و مسببات ارتكابه لجرمه الذي اقترفه .. و لننتقل من الماضي إلى الحاضر الذي هو نتاج الماضي بكل أسف .


لقد تمخضت نتيجة الصياغة القانونية المذكورة المنحصرة بالثنائية الطرفية ( جرم – شخص فرد ) ، عن تجيير جرائم كثيرة بالتاريخ ، إلى شخص واحد .. جرائم ذهب ضحيتها الملايين .. جرائم باقية على مدار الزمن و تُفتعل كل يوم ، من قتل و سرقة و نهب و زنا و اغتصاب و تعدٍ على الحقوق و الممتلكات .. كلها تُحال مسؤوليتها إلى فرد واحد و الذي هو الفاعل المباشر ، حيث تختصر أبعادها و مفاعليها و مسبباتها كلها ، في هذا الفرد ، و بالتالي التغافل عن مسببات الجرم الرئيسة . و في حال التطرق إلى مسببات الجرم ، فإنها في حدودها القصوى ، لا تتعدى الشخص نفسه . حتى الدراسات و البحوث الاجتماعية أو القانونية التي يقوم بها البعض ، لا تتخطى مجال العلاقة السابقة ، و تبقى محصورة في نطاق ثنائية ( جرم – فرد ) أو مصطلح ( لا أعرف إذا كان موجوداً من قبل ) .. المجرم الفرد .


لقد اطلعت بنفسي على عدد من تلك الدراسات و الأبحاث و ( حتى المقالات ) ، سواء أكانت لمختصين أو طلاب دراسات عليا أو كتاب في الصحف و المجلات . حيث يتم تناول مفهوم الجريمة و الحديث عنها و عن ( المجرم الفرد ) ، و عن مسببات و دوافع القيام بالجريمة . على أنه و في أحايين قليلة ، يتم التطرق بشكل خجول يلفه الخوف و الرهبة ، إلى أبعد من نطاق الفرد في ذكر دوافع الجريمة . لكن لا يُذكر المجتمع كوحدة أو طرف اعتباري منفصل بذاته ، بل يستعاض عنه بذكر حالات اجتماعية دون الوقوف على أسبابها و عوامل و دوافع حصولها التي تكون في بعض الأحيان عبارة عن أعراف اجتماعية ( أنا أعتبر الأعراف الاجتماعية بمثابة ممثل للمجتمع و صورة عنه ) .
فعند التطرق إلى دوافع الجريمة ( أياً كان نوعها ) يتم على سبيل المثال ، ذكر الفقر أو الوضع الاقتصادي المتردي مثلاً ، أو الفوارق الطبقية الحادة ( و هذه تمثل الظلم الاجتماعي ) أو تدني نسبة التعليم أو تفشي الأمية ( أي الجهل ) . لكن و لا واحدة من هذه الدراسات أو المقالات تجرأت على الوقوف خلف مسبب هذه المسببات ألا و هو المجتمع الذي يتحمل المسؤولية الكاملة .


إن تحميل الجريمة ( للمجرم الفرد ) بكل عناصرها و دوافعها و حيثياتها ، أضحى الآن أمراً لا يستقيم ، بكافة معايير الحضارة و الرقي و التطور الذي تعيشه البشرية من جهة ، و الأحداث السلبية الأليمة ( حروب و مذابح ) من جهة ثانية . و التطور الكمي و النوعي الأفقي و العمودي للآلة الإعلامية المقروءة و المسموعة و المرئية . و نشوء المنظمات العالمية الإنسانية و الهيئات الاجتماعية العالمية التي تعنى بالإنسان و الدولة و القانون و المجتمع و التعليم و الصحة و التوعية ، من جهة ثالثة . لأن ذلك التوصيف الحاصل ، يستوجب بداهة إدراك المسببات الحقيقة الفعلية و الأصلية لأي حالة من حالات المجتمع و حوادثه .


تأتي إلى صفحة الحوادث في صحيفة أو مجلة ما ، فتجد مقالات لجرائم تحت عناوين ( وحش بشري يفترس بنت قاصر – المجرم الخطير سارق الموبايلات يقع في قبضة العدالة – السفاح قاتل فلان .... الخ ) . ثم تأتي إلى الفبركة في متن المقالة أو الريبورتاج التلفزيوني مثلاً ، فتجد التهويل المتعمد المنفوخ عشرين ضعفاً بما لا يتناسب خطورة الحادثة .. مقدمة عن الجهود لمراقبة المجرم ..  التخطيط .. إلقاء القبض عليه و إعادة المسروقات لصحابها و هي : طنجرة مقلي – نكاشة أسنان – جرة غاز – بيضة ... حتى المسروقات الكبيرة كالذهب و الأموال و المجوهرات و غيرها ، تخضع لعملية التهويل ذاتها مع تجاهل تام و أعمى – نعم أعمى – للمسببات الرئيسة لارتكاب الجرم .
تأتي إلى صحيفة ما مختصة بالجرائم و شؤون المجتمع ، فتجد فيها جرائم يومية كثيرة متعددة و مختلفة تتدرج من البساطة و حتى الفظاعة . و كلها تأخذ المسارات التوصيفية السابقة . و الملفت للنظر أيضاً في مقالات الجريمة ، هو ( المجرم الفرد ) الذي يكون محكوماً بجنحات متعددة قضى عقوبتها ثم عاد ليرتكب جرم جديداً . وكثيراً ما قرأت في الصحف عند الحديث عن جريمة ما و سرد تاريخ المجرم أو العصابة ، أنه دخل السجن عام كذا لارتكابه جرم كذا ، ثم دخل السجن تاريخ كذا لارتكابه جريمة كذا . ثم حكم عليه في عام كذا نتيجة لكذا ... و هكذا دواليك حتى ارتكابه الجريمة موضوع المقال . و كثيراً ما قرأت عن شخص ارتكب جريمته بعد خروجه من السجن مباشرة ( سرقة – مخدرات – سلب .. الخ ) . و يأتي مضمون المقال بطريقة ساذجة ليقول على سبيل المثال ( غير أن / ط  ز / لم يرتدع .. فبعد أن خرج من السجن أغوته نفسه الضالة و رمت به في مهاوي الرذيلة مرة أخرى فعاد لارتكاب جرائمه و هو يظن أن يد العدالة لن تطاله ) . أو تقرأ عن شخص ارتكب جريمة قتل نتيجة لعرف اجتماعي خاطئ ظالم مغلوط لا يمت إلى الشريعة و ناموسها و لا إلى الأعراف البشرية الإنسانية بصلة . فيأتي الإعلام ليتحدث عن عنه كمجرم و جريمة ، ضمن نظرية ( الفرد المجرم ) السابقة نفسها ، فتجد عناوين مثل ( قتل أخته بعد أن تزوجت من فلان دون موافقة أهلها ) في هذا الضرب من الجرائم لاحظت أنه يتم توصيفها غالباً على أنها حادثة و ليست جريمة ، مع أنها جريمة بامتياز . أما الطرف المناوئ لهذه الجرائم فنجد أن أقصى ما يطالب به هو تعديل القانون و إنزال العقوبة بالمجرم الذي يعاقب عقاباً بسيطاً لا يتناسب و حجم جريمته ، متجاهلاً في بعض الأحيان الأسباب الرئيسة و الأساس في هذه الظاهرة المتجذرة في المجتمع منذ مئات السنين و التي لا علاقة لها بالقانون ، بل هي عبارة عن أعراف اجتماعية ( مجتمع ) تتلبس لبوس الدين . و بالتالي لن يجدِ نفعاً تغيير القانون و تطبيق العقوبة المناسبة ، دون تناول السبب الرئيس . بخاصة و أن شرائح لا بأس بها في المجتمع ( للأسف الشديد ) تبارك  هذه الجرائم و تثني على فاعلها . لهذا .. إذا تم تطبيق القانون و هو أقصى ما يطالب به البعض ، ستبقى هذه الجرائم على حالها ، و سيتحول المجرم بكل بساطة ، بعد إعدامه إلى بطل شعبي و ربما أسطوري كما في الأساطير اليونانية ( طبعاً أنا من مؤيدي صدور هكذا قانون ) .


من خلال ما تقدم ، نقول ..


أولاً : المجرم الفرد المرتكب لجرمه مهما كان نوعه ( سرقة – قتل – احتيال .. الخ ) و مهما كان حاله في الجرم ( فاعل مباشر – شريك – محرض – مخطط .. الخ ) لا شك هو مجرم بطبيعة جرمه و يستحق العقوبة الموازية لطبيعة جرمه ، لا شك في ذلك ، و ليس له محل للتبرير أو التغاضي إلا في طبيعة و حيثيات جرمه . كالدفاع عن النفس مثلاً أو عدم توافر النية المسبقة للفعل و الإصرار و التصميم ، كالقتل عن طريق الخطأ و ما إلى ذلك . و هذا يخضع كله للتأويلات القانونية .


ثانياً : هنالك بالتأكيد مجرمين و حالات إجرامية فردية تخضع لطبيعة النفس البشرية و أمراضها ، و ليست بالضرورة أن تكون مرتبطة بدوافع اجتماعية أو حالات اقتصادية عامة أو غيرها . و لكن .. ( و لكن حرف استدراك ) معظم الجرائم التي ترتكب ، هي ذات بيئة و منبع و دافع حالات و أعراف اجتماعية تسود المجتمع ، و المجتمع مسئول عنها بالدرجة الأولى .


الشخص الذي يغتصب قاصر ، هو مجرم بالتأكيد و لكن ... ليس ذئب بشري أو وحش أو غيره لأنه بكل بساطة هو شخص مكبوت جنسياً لم يوفر له المجتمع سبيل إفراغ طاقته الجنسية لأن المجتمع نفسه هو مجتمع كبت جنسي . و قد اطلعت بنفسي ذات مرة ، على دراسة تشير إلى أن اللواطة و السحاقية تنتشر في المجتمعات ذات الكبت الجنسي و بنسب مرتفعة جداً في بعض الحالات . و أي شخص قد يكون معرضاً لفعل ما فعله هذا الشخص . حتى كاتب المقال الذي يصفه بالوحش البشري أو الذئب أو الدب القطبي و غيره من مسميات تثير السخرية ، قد يفعل أبشع مما فعله هذا الشخص إذا ما تعرض لنفس موقفه و حالته و ظرفه الذي ارتكب به جرمه . و الشخص الذي يقتل امرأة عجوز بقصد سلبها حليها و يتم إلقاء القبض عليه و يظهر في التلفاز و يسأله المذيع عما فعله بالعجوز فيقول له بالحرف الواحد : و الله خالص عمرها و قدرها أن تموت . أليس هذا المجرم نتاج فكر اجتماعي سائد فاسد غير مقبول ؟؟؟ .


دار أمامي في مجلس من المجالس حديث حول جريمة قتل . فتم الحديث عن المجرم و الضحية .. المجرم يستخلص وحده مثل حبة الفستق ، من أية دوافع و مسببات . و أما الضحية فقيل عنها ( يا عمي خالص عمره .. إجا يومه يا عمي ، الله يخليك .. جاء القدر يا عميييييي ... يا عميييييي مكتوب .. مكتوب .. حياتي أنت ، روحي أنت .. بده يموت يعني بده يموت ... لا إله إلا الله ... وحّدووووووووووه ... بده يموت يا عمي .. يا عمي يا بو عبود يا بيي اللي عيونا سود ) . أليس هذا التفكير هو نتاج فكر اجتماعي فاسد و منحرف ، و تبرير غير مباشر للجريمة و المجرم .


مصيبة أن تقرأ في صفحات الحوادث عبارة مثل ( / ط  ز/ شاب عاطل عن العمل لم يجد دخل يعيش منه و يتزوج و ليس له بيت .. و طرده أبوه أو عمه من المنزل فلجأ إلى الشوارع و ساقته نفسه المريضة إلى السرقة و أغرته شهواته الدنيئة إلى الزنا و ارتكاب الفاحشة أو المخدرات ) المصيبة أن المحرر للحادثة يبرر للشخص فعلته تماماً ، و إذا كان يبرر له فعلته فلماذا يلومه و ينعته بصفات قاسية ؟؟!! و يتجاهل التربية الفاسدة التي طالت هذا الشخص و العرف الاجتماعية أو الحالة الاقتصادية التي ساقته مضطراً إلى ارتكاب فعلته ؟؟!!.. هل المطلوب من هذا الشخص أن يخصي نفسه كرمى لحضرة جنابك ؟؟ أليس هو مجرم ضحية مجتمع مجرم ؟؟ إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة و إذا كنت تدري فالمصيبة أعظم .


و يبقى السوآل الكبير هنا هل هذا الذئب هو ذئب حقاً ؟؟!! و هل الشخص الذي يقتل لأجل عرف اجتماعي فاسد و بال ٍ و موجود منذ مئات السنين .. هل هو مجرم حقاً ؟؟!! أم المجرم هو العرف ؟؟!! من المسئول عن هذه الدوافع الفكرية الإجرامية لهذا الشخص أو ذاك ؟؟ أليس المجتمع ممثلاً بالأعراف الفاسدة ؟؟


ثالثاً : عندما يكون هنالك محاولة لتغيير عرف اجتماعي أو حالية اجتماعية سيئة و ضارة بالمجتمع و يتم إجهاض المحاولة بدعم و جهل شرائح اجتماعية معينة و تهديد في حال التغيير . أو خوف من الشرائح الأخرى المقابلة ... يمكن القول أن المجتمع يمثل حالة و بيئة إجرامية .. و ما بعض المجتمعات التي تسود فيها الجريمة بشكل كبير جداً ، إلا حالة مجتمع مجرم . و أحد الأمثلة على ذلك هو مجتمع الجريمة المنظمة الذي تكون فيه الجريمة المنظمة حالة شرعية و مقبولة من معظم الشرائح .. أليس هذا المجتمع هو مجتمع جريمة و هو المجرم الأكبر ؟؟!!


رابعاً : إن الأعراف الاجتماعية الفاسدة و المنحرفة و الباطل مفعولها الزمني . و أية محاولة لتغييرها قد تشعل حرباً أهلية . و الباقية كحالة مرضية مزمنة يعاني منها المدافعون عنها أحياناً أكثر من منتقديها . هي حالة ديكتاتورية تفوق أية ديكتاتورية أخرى و تبدو أمامها بقية الديكتاتوريات ، ديمقراطيات براقة .


إن ديكتاتورية المجتمع تتفوق على أية ديكتاتورية أخرى . و ما يقال عن ديكتاتورية الحكام ، لهو قمة الديمقراطية أمام هذه الديكتاتورية .. ديكتاتورية الحكام يشار إليها بالبنان و تكال لها السهام و الضربات من كل حدب و صوب و قد تكون أحياناً ليست ديكتاتورية بقدر ما هي طريقة لم تعجب معارضيها الذين قد يكونون هم أنفسهم الدكتاتوريين . بينما ديكتاتورية المجتمع هي ديكتاتورية راسخة متجذرة و تابو مقدس لا يمكن المساس به و لا حتى مناقشة صوابيته و منطقية وجوده ، بالرغم من المعاناة منه على مبدأ ( القط يحب خنّاقه ) .


خامساً : نظرية العقد الاجتماعي التي تناولت علاقات الأفراد و تناولت تشكيل المجتمع و السلطة التنفيذية كانت للأسف علاقة ثنائية تبادلية بين طرفين اثنين .. السلطة و الفرد .. اللذان يشكلان أساس و عماد المجتمع .. هذه النظرية ( و هي برأيي أهم ابتكار أو حدث في تاريخ البشرية و هي أساس و ضمان النظام و الأمن ) كان يجب أن تتناول المجتمع أيضاً بوصفه حالة أو جهة اعتبارية .. كان يجب اعتبار المجتمع طرفاً مادياً ثالثاً .. لكن المشكلة أن تم اعتباره حاوي و مستوعب بدل من أن يكون طرفاً . و هنا لب القضية و سر الموضوع .. هنا تكمن مشكلة عدم القدرة على إسقاط ديكتاتورية المجتمع و الاقتراب من أعرافه الفاسدة الظالمة .. هنالك مصطلحات خطيرة جداً ... أخطر مما يفوق التصور مثل ( الأمراض الاجتماعية – الظلم الاجتماعي ) يتم طرحها للأسف كمصطلحات مجردة مستخلصة من كل علاقة أو ارتباط و يبقى المجتمع ذاك المجرم الأكبر ، بمنأى عن أي تناول أو محك . بمعنى أن هذه المصطلحات تطرح كحالة منفصلة عن المجتمع .. أي هي شيء موجود بالمجتمع و لكنه ليس المجتمع . و كذا الأمر مع مصطلح الظلم الاجتماعي . لكن أنا أقول و بالصوت الملآن .. ( الأمراض الاجتماعية ) هي المجتمع بعينه لكن بصورة و هيئة أشكلت على الناظرين . و كذا الأمر .. ( الظلم الاجتماعي ) هو المجتمع بعينه و لكن بصورة و هيئة أشكلت على الناظرين .. هما المجتمع .. المجتمع .. ذاك المجرم الأكبر .


رفعت الأقلام و جفت الصحف


نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !