مواضيع اليوم

المجتمع المدني والشرطة.. البحث عن دور مشترك

أميرال الاميري

2010-05-29 07:06:33

0

المجتمع المدني والشرطة.. البحث عن دور مشترك

محمد الأمين أحمد عبد النبي : الصحافة
لقد نجح معهد تنمية المجتمع المدني بكلية شرق النيل في خلق منبر للحوار والتواصل بين منظمات المجتمع المدني والشرطة «ورشة حول: تجنب العنف الانتخابي» التي نظمها بالتعاون مع وزارة الداخلية ومعهد السلام الامريكي، وقد جاءت تحت شعار «نحو بناء المواطنة والتحول الديمقراطي السلمي خلال الفترة 9 ــ 11 يونيو 9002م، التي امها لفيف من أهل الاختصاص والشأن، وقدمت فيها اوراق مهمة وخرجت بتوصيات تدعم وتعضد دور المجتمع المدني والشرطة في المجمع بصورة عامة وتجنب العنف في الانتخابات القادمة بصورة خاصة نأمل أن تجد طريقها للتنفيذ.
دخل المشاركون الورشة بحذر وتوجس شديدين يحمل كل طرف على الآخر فهما معينا مسبقا وصورة ذهنية ونمطية محددة، فالشرطة في نظر المجتمع المدني هي التي تقمع المعارضين وتفض المسيرات والمظاهرات السلمية، وتنفذ تعليمات الحزب الحاكم، وهي التي تستغل القانون لمحاربة المعارضين، وهي التي ارتبطت بالجباية والتحصيل بمختلف المسميات دون مراعاة لحال المواطن، وهي الجهة التي تعلقت في اذهان البعض بالتعذيب، وهذا يتنافي مع مبدأ الحريات والحقوق الاساسية والديمقراطية كأهم مبادئ المجتمع المدني ..
اما نظرة الشرطة لمنظمات المجتمع المدني فهي تلك الواجهات الحزبية والسياسية التي تسعى لتقويض النظام الدستوري بالبلاد، وتلك المنظمات ذات الارتباط الخارجي والاجندة الدولية التي تسعى لاستعمار السودان من جديد، وهي بداية للعولمة والجريمة والانفتاح. وهي مسميات لتكسب بعض الافراد دون فاعلية وغيرها.
ولكن عندما انهمك الجميع في جدول اعمال الورشة الذي كان سلسا ومتدرجا ويقوم على مجموعات عمل، والتي بدورها اتاحت سانحة طيبة للضباط وممثلين المجتمع المدني، التعرف على بعض والتحاور والتفاكر والنقاش المستفيض حول اية من القضايا والتوصل الى رؤية مشتركة وعرضها على الآخرين، وفي كثير من الاحيان يكتمل النقاش في فترات الاستراحة والتطرق لمواضيع اخرى.
وقبل استعراض الدور المشترك المنشود نسلط الضوء على طبيعة كل من الشرطة ومنظمات المجتمع المدني ودورها في خدمة المجتمع والوطن، فواجبات الشرطة حسب قانون الشرطة 2008م هي «المحافظة على أمن الوطن والمواطنين، وسلامة الانفس والاموال والاعراض ومنع الجريمة واكتشافها، وترسيخ سيادة حكم القانون والحفاظ على الآداب والاخلاق الفاضلة، وتنفيذ الاوامر والاحكام الصادر عن السلطات ذات الاختصاص».
والشرطي محكوم بمدونة سلوك الموظفين المسؤولين عن انفاذ القانون الصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 1979م، التي تنص على احترام كرامة الانسان وحمايته والمحافظة على حقوق الإنسان، وان يؤدي الواجب الذي يلقيه على عاتقه القانون بدرجة عالية من المسؤولية، وألا تستخدم القوة إلا في حالة الضرورة القصوي وفي الحدود اللازمة، ولا يجوز لاي من رجال الشرطة ان يقوم بأي عمل من اعمال التعذيب او غيره من المعاملة القاسية والمهينة. والتعذيب هنا يقصد به حسب تعريف الجمعية العامة للامم المتحدة «أى عمل ينتج عنه الم او عناء شديد جسديا كان او عقليا يتم الحاقه عمداً بشخص ما بغرض الحصول منه على معلومات او اعتراف او تخويفه»، كما يمنع اي شرطي عن ارتكاب اي فعل من افعال افساد الذمة «الرشوة وغيرها»، وكذلك الشرطي محكوم بميثاق الشرف والسلوك الشرطي الوارد في المادة «41» من قانون الشرطة 2008م ويتمثل في اداء الواجب بدقة وامانة، وبذل اقصى الجهد الممكن، واطاعة الاوامر الاعلى، والالتزام بالصدق والامانة وعفة اليد واللسان، والمحافظة علي كرامة المواطنين، واتباع السلوك القومي المنسجم، مع احترام الوظيفة والترفع عن كل ما لا يتفق مع وضعية الشرطة ومكانها في المجتمع، هذه هي الصورة التي ينبغي ان يكون عليها الشرطي السوداني .
ومنظمات المجتمع المدني هي تلك الاجسام الفاعلة في الفضاء الجمعي ما بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتشغل حيزاً مهماً في المجتمع، وذلك لطبيعتها غير الربحية وغير الحكومية وهي مستقلة وديمقراطية التكوين، وتستمد شرعيتها وقوتها من المواثيق الدولية واهدافها والمجتمع المستفيد من خدماتها واصحاب المصلحة في التغيير المنشود، كما ان لهذه المنظمات مجالات عديدة تنشط من خلالها، منها قضايا السلام والديمقراطية، ومكافحة الفقر والتصحر، والحفاظ على البيئة، وقضايا الاعمار والتنوع الاجتماعي، ورفع القدرات البشرية في كافة المجالات، والتصدي للسياسات الخاطئة، والعون الانساني والقانوني والمدني، والعمل الخيري، وقضايا حقوق الانسان والتنمية المستدامة، ولا تخرج اهداف ومبادئ ومنظمات المجتمع المدني من «سيادة حكم القانون ـ الشفافية الديمقراطيةـ قبول الآخر ـ الحوار ـ نبذ العنف ـ المشاركة ـ المحاسبة ـ العدالة الاجتماعية ـ التنوع ـ المواطنة ـ المساواة ـ احترام حقوق الانسان والحريات العامة ـ حماية البيئة ـ مساعدة الضعفاء».
وتدخل في دائرة منظمات المجتمع المدني كل الكيانات الدينية والمؤسسات البحثية والمراكز والجمعيات والاتحادات والنقابات والهيئات الشبابية والنسوية والنوادي والتنظيمات الاجتماعية. والبعض يعتقد ان الاحزاب السياسية جزء من منظمات المجتمع المدني، والبعض الآخر يعتقد انها ليس جزءا لانها تسعى للسلطة عبر معارضتها، ولكن منظمات المجتمع المدني لا تؤيد او تعارض الحكومة، وانما تؤيد وتعارض الساسات، وذلك لأنها تؤثر على حياة المواطنين وتعمل على تغييرها وتقدم السياسات البديلة.
ويرى البعض ان انتشار وفاعلية منظمات المجتمع المدني في المجتمع اكسبها مكانة مرموقة في التعبير عنه وعن احتياجاته، مما جعلها في توازي كل ما هو حكومي او عسكري، فصار مدني نقيض عسكري، واتسمت العلاقة بالصراع والنزاع والشك والريبة والتباين، ويسعى كل طرف لتقويض الآخر، وظهر مفهوم الميري «كل شئ ملك للحكومة» والشرطة في خدمة الشعب وغيرها، فهذه الصورة المشوهة لا مكان لها في ظل الدولة المدنية بشكلها الحديث، حيث ان المجتمع المدني والدولة مكملان لبعضهما البعض، وان المجتمع المدني والشرطة في خدمة الشعب والحفاظ على سلامته، فهنالك الكثير من القضايا ذات الطابع المشترك مثل محاربة المخدرات والفساد والبطالة ومحاربة الجريمة ومنعها والجرائم الانتخابية والتوعية بحكم القناون والحقوق الدستورية ونشر الأمن والطمأنينة والسلام.. الخ.
ان دور منظمات المجتمع المدني لا يتناقض مع اية جهة في الدولة، فخدمة المجتمع واحداث التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي من خلال احداث التنمية والاصلاح، يجب ان يشجع من قبل الدولة لكي تؤدي دورها كفاعل وطني. كما أن دور الشرطة في حفظ أمن وسلامة المواطن والوطن وتأمين المكتسبات من اى اختراق داخلي أم خارجي، واجب يمليه القانون يجب أن يشجع من قبل المجتمع المدني. وعليه فليس هنالك داعٍ للتشكيك في أي من وطنية هذين الفاعلين «الشرطة، منظمات المجتمع المدني» فأول مبدأ للدور المشترك هو الاعتراف المتبادل «كل ميسر لما خلق له».
وتطوير العلاقة يقتضي إعادة النظر في الذهنية النمطية لكل طرف والتعمل بعقل مفتوح حتى تتسع دائرة المشتركات وتقلص الفوارق، وحينها يمكن اقامة شراكة ذكية «منتخبة» «praduetire pertnen ship» ومن متطلبات هذه الشراكة تفعيل اللوائح وقواعد السلوك لافراد الشرطة، واعلاء شأن المواطن وكرامته وامنه، واشراك المجتمع المدني في خطط وبرامج الشرطة الهادفة لتأمينه وسلامته «شرطة المجتمع ومجتمع الشرطة» والاستخدام الامثل لاجهزة الاعلام ومنها «ساهرون» لتوصيل الرسالة التثقيفية لدور الشرطة وعلاقتها بالمواطن، واهمية الشراكة ما بينها والمجتمع المدني... ورفع كافة القيود والرسوم «الجمركية وغيرها» عن برامج وانشطة منظمات المجتمع المدني، وتسهيل كافة الاجراءات الفنية للمشاريع وبرامج المجتمع المدني وتقديم الدعم الفني واقامة البرامج المشتركة ذات الصلة، وتتبنى منظمات المجتمع المدني التوعية والتبصير بدور الشرطة ومساعدتها في تقديم واجبها ومهامها.
الانتخابات القادمة ليست كسابقاتها، فهي معقدة وتأتي في ظل تحديات جسيمة، فهي تمثل للشعب السوداني الوسيلة الوحيدة للتغيير الديمقراطي وحسم الشرعية لمن وكيف يحكم السودان؟ لذا تعوق هذه الانتخابات مهددات عدة، ولربما تكون بواعث ومسببات للعنف «عدم الالمام بالجوانب الفنية للانتخابات- ازمة دارفور ـ عدم الالتزام بالتوقيت ـ التعداد السكاني المختلف حوله ـ الاختلاف حول لجان المراقبة ـ التدخل الخارجي ـ القوانين المقيدة للحريات ـ الجماعات المتطرفة ـ عدم اتفاق الشريكين ـ الصراعات القبلية ـ ترسيم الحدود ـ ابيي ـ وترسيم الدوائر الجغرافية ـ تأجيل الانتخابات ـ عدم اتاحة الفرص المتكافئة في الاعلام».. فهذه المسببات تحتاج لتضافر الجهود المشتركة من اجل درء وتجنيب البلاد شرور العنف، فعلى الشرطة الالتزام بالحيدة والاستقلالية والمهنية للقيام بدورها في تأمين الانتخابات لضمان امن ارواح وممتلكات المواطنين، حتى لا يؤثر ذلك على التعبير عن آرائهم السياسية والانتخابية، وتوفير الأمن للمرشحين اثناء الحملات الانتخابية وإجراء الانتخابات، وضمان سلامة موظفي الانتخابات في مراكز الاقتراع والفرز، وضمان تأمين المواد الانتخابية من السرقة والتدمير، وضمان اجراء انتخابات حرة ونزيهة وأمنة وقانونية، وتهيئة الاجواء القانونية للاحزاب والمرشحين دون تمييز، والتعامل مع الاساليب الفاسدة والمخالفات غير القانونية والجرائم الانتخابية المذكورة في القانون «الرشوة ـ الاكراه ـ التزوير ـ اعاقة واعتراض المراحل الانتخابية ـ انتحال الشخصية ـ اساءة استخدام موارد الدولة ـ التمييز بين المرشحين في الاعلام ـ اتلاف الصناديق والبطاقات»، وغيرها من الاساليب التي تؤثر على السلوك الانتخابي. ويكون ذلك بالتحري في هذه القضايا وتقديمها للمحكمة الخاصة بالانتخابات، الى جانب ذلك تلعب الشرطة دورا مهما في تسهيل اجراءات السجل المدني حتي يتمكن المواطنون من استخراج اوراقهم الثبوتية. وغني عن القول أن تلعب الشرطة دوراً في تثقيف وتوعية بأساليب الانتخابات وتدريب منسوبيها على أعمالها ودورهم فيها، لتقديم التسهيلات اللازمة للمواطن «الناخب».
اما منظمات المجتمع المدني فيمكن ان تلعب ادوارا عديدة خلاف دورها ثلاثي الابعاد في الانتخابات، «رفع الوعي للناخبين بالتصويت واهميته وطريقته ومكانه وتوقيته»، وتدريب المرشحين وتطوير قدراتهم في ادارة شؤون الناس والحكم، وتنمية مهارات العاملين في «حقل الانتخابات» مثل وضع الآليات للضغط على الحكومة والمفوضية والاحزاب بالالتزام بالقانون والتعهدات سواء أكانت نبذ العنف او نزاهة العملية الانتخابية، كما يتعين عليها التأكد من اتساق برامجها مع تحقيق الديمقراطية والانتخابات النزيهة، واتخاذ الخطوات اللازمة لضمان مشاركة الشباب والمرأة، ووضع برامج التدريب التي تهدف لبناء قدرات الناشطين والناشطات في الاحزاب، والتشبيك وفق الاهتمامات المشتركة للمشاركة الايجابية في العملية الانتخابية «التثقيف ـ المراقبة ـ المناصرة».
ودور منظمات المجتمع المدني والشرطة تكاملي تثقيفي وتوعوي ورقابي، ويقوم على اساس علاقة مشتركة من أجل هدف مشترك هو بناء دعائم المواطنة والتحول الديمقراطي السلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة وسليمة خالية من العنف والاكراه والتزوير، ومقبولة لدى كافة الاطراف السياسية المتنافسة، لكي تعيد الثقة في الديمقراطية الراجحة والمستدامة.

 





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !