المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة 11 ينايـر للمطالبة بالاستقلال، قدمت رسميا إلى المقيم العام الفرنسي بالرباط، وممثلي عدد من الدول، قالت عنها ابنتها فاطمة الزهراء الفاسـي، أنها ولدت في أسـرة متعلمة، حيث كان أبوها المهدي الفاسي مديرا لجامع القرويين. تلقـت تعليمهـا الأولي على يـد أساتذة من القرويين، بدار الفقيـه، كتاب قرآني خاص بالفتيات، وتابعت تعليمها على يد كثيـر مـن الأساتـذة والعلماء ببيت الأسرة ومن جملتهم العلامة سيدي عبـد السلام السرغيني، والشهيد محمد القـري...، وقد مكنهـا وسطها الوطني والعلمي مـن التشبـع بمبادئ الفكـر الوطني الاستقلالي.
وأوضحت مليكة الفاسـي أن تعلقها بالعرش العلوي كان قويا، لعدة اعتبارات منها أن جلالة الملك محمد الخامس كان محبا صادقا لشعبه، وهب نفسه لاستقلال البلاد، بحيث كان جلالته حريصا في المحافل الدولية على المطالبة بالاستقلال وخروج المحتل.
وفي سياق آخـر أبرزت مليكة الفاسـي أن جزء مهما من اهتماماتها ارتبط بقضية تعليم الفتاة المغربية، فكانت أول المناديات بتمكين المرأة من متابعة دراستها بجامعة القرويين، وقد ترتب عن ذلك أن تم إدراج تعليم الفتيات في المؤسسات التعليميـة، مؤكدة بأن إدارة زوجها محمد الفاسي لجامع القرويين شجعهـا على دعوتها بالسماح للفتيات بمتابعة دراستهم بالجامعة، فرحب بالفكـرة، وتوجت بتشكيل وفد من النساء والتوجـه إلى المغفور له محمد الخامس، الذي أعطى أوامره لفتح فرع خاص للطالبات يكون تابعا للقرويين.
وأكـدت المجاهدة أن هذه الخطـوة تزامنت واستكمال عدد كبير من الفتيات دراستهم الابتدائية، وتحدوهن الرغبـة في الالتحاق بمؤسسات التعليم الثانوية، فتم كذلك فتح عدد من الثانويات لتعليم الفتاة بالرغم مـن المستعمر الفرنسي كان يمنع تعليم الفتيات.
وأشارت بأن المشروع المغربي ذلك مكن مـن تخـرج عدد من القرويات أمثال الراحلة زهور الزرقاء، والأستاذة حبيبة البورقادي، والأستاذة فطومة قباجة...، وبتن يشغلن اليوم مناصب هامـة في مختلف المواقع والتخصصات.
وفي معرض حديثها عن علاقتها بالقصر الملكي أبرزت بأنها كانت لها علاقة حميمية بمحمد الخامس وزوجته الأميرة عبلة منذ اللقاء الأول، ولم تفتها الإشادة بعبقرية الأميرة لالة عبلة التي وصفتها مليكة الفاسـي بالمرأة الذكية والوطنية الغيورة، التي كان لها الفضل في تزكيتها حتى نالت ثقة جلالة المغفور له محمد الخامس.
وأضافت بأن تلك الثقة زكيت أيضا بالحظوة التي كانت لزوجها محمد الفاسي الذي كان يشغل منصب مدير للمدرسة المولوية وأستاذ يلقـن الأمراء والأميرات مبادئ الدين الإسلامي واللغات. حيث كان محمد الخامس يحرص على حضور دروسـه.
واستطردت مليكة الفاسي القول بأن بيتها بحسـان كان مكانا لعقد اجتماعات أعضاء الحركة الوطنية السرية، حيث يتم عبرها وزوجها التنسيق بين حزب الاستقلال والحركة الوطنية والمغفور له محمد الخامس، ومؤكـدة بأن محمد الخامس كان يزور بيتها متخفيا للتنسيق مـع أعضاء الحركة الوطنية.
وأشارت بأن انتماءها المبكر إلى الجناح السري للحزب الوطني، جعلها موضع ثقتـه، أقسمت على القسم السري، وكانت أول امرأة من دون غيرها من النساء الوطنيات تنتمي لفئة "الطائفة" أحد الخلايا السرية للحزب، فعهد إليها بتنظيم الحركة النسائية في دائرة الحزب.
وأقرت بأن المغفور له محمد الخامس كلفها لتقوم بمساع سريـة لدى العلماء بمختلف مدن المغرب لتجديد بيعة محمد الخامس ملكا شرعيا وحيدا لا يقبل الشعب المغربي عنه بديلا، وفي الوقت التي كانت الإقامة الفرنسية تهيئ بنعرفة لتنصيبه ملكا، بعد رفض محمد الخامس التوقيع على مطالب يتبرأ فيها من عمل حزب الاستقلال، والحركة الوطنية.
وقالت بأنها لإنجاح هذه العملية قامت باتصالات سرية مكثفة بالعلماء في عدة مدن كفاس ومكناس والرباط، سـلا والدار البيضاء...، كما استعانة بعدد من أعضاء الحركة الوطنية كبنسالم الكوهن وعبد الكريم الخطيب وجواد الصقلي... لتوزيع نسخ من عريضة تجديد البيعة وجمع التوقيعات من العلماء إلى أن اكتملت لائحة الموقعين، فدخلت القصر منقبة حتى لا تثير شكوك الجيش الفرنسي وقدمتها لمحمد الخامس.
وأبرزت مليكة الفاسي بأن الإعلان عن وثيقة المطالبة بالاستقلال خلفت تنظيم المستعمر الفرنسي حملة في صفوف أعضاء الحركة الوطنية، فاستشهد العديد ونفي علال الفاسي إلى الغابون واعتقل محمد الفاسي وسجن آخرون، مشيرة أن ذلك كان يجعل محمد الخامس يتألم لحال المغرب وحال أبنائها من المناضلين.
وأعلنت مليكة الفاسي بأن هذا البطش لم يكن أن يمـر دون أن يخلف حالة من الاحتقان في صفوف الشعب المغربي الذي واصل حركاته الاحتجاجية والفدائية، شاركت فيها المرأة المغربية بفعالية التي كانت ترمي الجنود من الأسطح بالحجارة والماء الساخن، وهو ما خلف استشهاد الشهيدة حسنية الريفية، بعدما اقتنصها أحد الجنود الفرنسيين من الطابق الرابع وهي تهم برمي الجنود بالحجارة. كما استمر العمل السري بإشراف عدد من رموز الحركة الوطنية كعبد الكبير الفاسي بجناح الحركات السرية بالبيضاء وبمدن أخرى.
مشددة علـى درجة التلاحم القوي الذي كان قائما بين حزب الاستقلال والحركة الوطنية ومحمد الخامس، والتي جعلت المحتل يعلن أن الملك وحزب الاستقلال والحركة الوطنية شيء واحد. بحيث ظل محمد الخامس يطالب في كل التجمعات والمحافل الدولية باستقلال المغرب وخروج المستعمر.
وفي سياق آخر أكدت بأن حملات التقتيل والسجن والنفي لم تمنـع مـن التفكير في اعتماد أساليب جديد للمقاومة، حيث تم الإقرار بضرورة تجاوز الحركة الوطنية العمل السياسي نحو العمل المسلح، وعرف هذا الموضوع نقاشات عميقة استدعيت إليها مليكة الفاسي فتقبلت رأي أعضاء الحركة، مؤكدة أن هذا التطور راق محمد الخامس وجشع عليه. مبرزة بأن تشكيل الخلايا تم بأشراف حزب الاستقلال، وضمت هذه الخلايا الأحرار أيضا، بهدف القيام بتنفيذ عمليات فدائية ضد المحتل.
التعليقات (0)