المثل العليا السياسية
فى أثينا
( 495 – 429 ق . م )
ان خطبة الرثاء الشهيرة المنسوبة الى الخطيب العظيم " بركليس " زعيم الديمقراطية فى أثينا تخليدا لذكرى شهداء العام الأول من حرب أثينا مع اسبرطة ، والتى كشف عنها المؤرخ " توسيديدس " thucydides وكشف لنا فى براعة منقطعة النظير عن المثل العليا السياسية التى يستهدف تحقيقها الرجل الأثينى .
ففى كل سطر من سطورها يلمس الإنسان مدى اعتزاز الأثينى بمدينته ، ومقدار فخره بها ، وتتعرض الخطبة لدعوة كل أطياف المجتمع الأثينى للمشاركة السياسية ، والخدمة العامة ، دون لأخذ فى الاعتبار مركزه الاجتماعى من كونه غنى أو فقير
وأيضا تتعرض الخطبة لعظمة أثينا الموحدة والمؤلفة تحت ظل ديموقراطيتها التى لا تنفصل عن المثل العليا لأثينا ، والمعنى الخلقى الذى فهمه من الديمقراطية الأثنية .
ولقد كان غرض بركليس الأساسى من وراء هذه الخطبة أن يثير فى ذهن سامعيه الإحساس بدولة المدينة باعتبارها أعلى مايمتلكه المواطن الأثينى واثارة الشعور الوطنى ، ودار خطابه حول عظمة الحاضر .. وهو يقول .
" أناشدكم أن تسلطوا أنظاركم يوما تلو يوم على عظمة أثينا حتى تفيض قلوبكم بحبها ، وان أخذتم يوما بمجدها وعظمتها فاذكروا رجالا عرفوا واجبهم ، وأقاموا بشجاعتهم صرح هذه الامبرارطورية ، وكانوا اذا جد الجد لا يخامرهم إلا شعورهم بخوف العار وإباء الضيم ، واذا قدر لهم الفشل أبو أن تفقد بلادهم شرفها أو مجدها فجادوا لها راضين بأرواحهم كأعز قربان يقدمونه فى عيدها "
وكان من أشد ما كان يدعو اليه " بركليس " هو أن أثينا عرفت سر مواءمة المواطنين فيها بين شؤونهم الخاصة والمشاركة السياسية فى الحياة العامة المدنية وهويقول .
" أن المواطن الأثتى لا يهمل شؤن الدولة بحجة انشغاله بشؤن عائلته ، بل أن المنهمكين منا فى أعمالهم لا تنقصهم الفكرة السليمة عن الشئون السياسية ، وأن المواطن الذى لا يعنى بالمسائل العامة لا ترى فيه رجلا منعدم الضرر بل رجل منعدم الفائدة ، ولئن كان قليل منا مبتكريين فان جميعا فى السياسة قضاة موهوبين
" وبهذه المشاركة العامة أصبح من المثل العليا ألا يحرم شخص من هذه المشاركة بسب مركزه الاجتماعى ، كما يحدثنا " بركليس "
" وعندما ينفرد مواطن بميزة من أى نوع ، فانه يفضل أن يتولى الخدمة العامة كمكافأة على جدارته ، لا كامتياز يسمو به على غيره ، وكذلك لم يكن الفقر حائلا أمام الفقير ، بل كان من الممكن أن تفيد منه الدولة أيا كان سوء حالته "
أى وبعبارة أخرى لا يولد إنسان للوظيفة ، ولا تباع الوظيفة للإنسان ولكن يوضع كل فرد فى المكان الذى تؤهله له مواهبه بحكم تكافؤ الفرص للجميع .
انظر الدعوة لتكافؤ الفرص بين الغنى والفقير ، وأيضا المواءمة والتمثيل السياسى فى الجمعية العامة لكل المواطنين الاثنيين .
والخطبة تتعرض للحرية واحترام القانون والحياة المشتركة المتجانسة فى المدن الاغريقية عامة وأثينا خاصة منذ فجر التاريخ فى الفترة التى عاش فيها بركليس
( 495 – 429 ق. م )
عماد هلال
التعليقات (0)