المتشابه في القرآن / الجزء الرابع
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
............................
[15] قال اللهُ تعالى : } وَهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِباده { [ الأنعام : 18] .
إن اللهَ تعالى هو القاهرُ المسيطِر على كُل شيء . وهو تعالى فَوْقَ كُلِّ شيء فَوْقِيَّة القَهْر والجبروت والهيْمنة ، ولا شيء فَوْقَه . أي إن عباده تحت قُدرته ، وخاضعون لعَظَمته ، لا فَوْقِيَّة المكان ، لأن اللهَ تعالى مُنَزَّه عن المكان . كما نقول : إن الحاكم فَوْق الشَّعب ، أي فَوْقِيَّة السُّلطة والقوة والنفوذ .
قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 172): (( أي وهو الذي خَضعت له الرِّقاب ، وذَلَّت له الجبابرة ، وَعَنَت له الوجوه ، وقَهَرَ كُلَّ شيء، وَدَانت له الخلائق ، وتواضعت لِعَظَمة جلاله وكبريائه وعَظَمته وعُلُوِّه وقُدرته على الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه ، وتحت قَهْره وحُكمه )) اهـ .
قال ابن شيخ الحزاميين في صفات الرَّب ( 1/ 30 ) : (( لأن فَوْقِيَّته _ سبحانه وتعالى _ وعُلُوَّه على كل شيء ذاتي له ، فهو العَلِيُّ بالذات )) اهـ .
كلمة " بالذات " لم تَرِد في القرآن والسُّنة ولا كلام السلف ولا كلام الخَلَف . وهي زيادة مرفوضة لأنها تُثبِت مكاناً لله سبحانه . وإذا كان اللهُ عَلِيَّاً بالذات ، فهذا يَعني أنه سبحانه محصور في مكانٍ مُحدَّد ، ومحصور في جهة مُعيَّنة ( حيِّز مُعيَّن ) ، وهذه من صفات الأجسام . واللهُ تعالى لَيْس جِسماً ، وهو سبحانه موجود قبل المكان وقبل الزمان .
[16] قال اللهُ تعالى : } إِلَيْه يَصْعد الكَلِمُ الطَّيِّب { [ فاطر : 10] .
إلى الله تعالى يَصعد الكَلِمُ الطَّيب الذي هو ذِكْر العبد لربِّه سبحانه . وصعودُ الذِّكر يدل على القُبول . وهذه الآيةُ لا تعني أن اللهَ تعالى حَالٌّ في السماء ، أو أن العَرشَ مكانٌ له سبحانه .
قال القرطبي في تفسيره ( 14/ 286 ) : (( ضَرب صُعوده مَثلاً لقبوله ، لأن موضع الثواب فوق ، وموضع العذاب أسفل . وقال الزجاج : يُقال : ارتفع الأمرُ إلى القاضي ، أي عَلِمه فهو بمعنى العِلم ، وخُصَّ الكلام الطَّيب بالذِّكر لبيان الثواب عليه . وقوله : } إِلَيْه { ، أي إلى الله يَصعد ، وقيل : يَصعد إلى سمائه ، والمحل الذي لا يَجري فيه لأحد غَيْره حُكم )) اهـ .
وقد أخطأ مَن قال إن قَوْله تعالى : } إِلَيْه يَصْعد الكَلِمُ الطَّيِّب { دليلٌ على إثبات الجهة . فالغايةُ هنا لَيْست غاية المكان ، بل هي غاية انتهاء الأمور إليه سبحانه . كما قال الله تعالى : } ألا إلى اللهِ تَصيرُ الأمورُ { [ الشُّورى : 53] . وكما قال النبيُّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم: } إني ذاهب إلى ربِّي { [ الصافات : 99] .
وعن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ قال : (( إذا حَدَّثْناكم بحديث آتيناكم بتصديق ذلك في كتاب الله : إن العبد إذا قال : سُبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، قَبَضَ عليهن مَلَكٌ فَضَمَّهُنَّ تحت جَناحه ، وصَعد بهنَّ لا يمرُّ بهنَّ على جَمْع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وَجْه الرحمن )) ثم تلا عبد الله: } إِلَيْه يَصْعد الكَلِمُ الطَّيِّب{.{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 461) برقم ( 3589 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .}
وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية ( 2/ 157و158 ) : (( باب الحد والعرش . وادعى المعارِض أنه ليس لله حَد ، ولا غاية ، ولا نهاية ، قال : وهذا هو الأصل الذي بَنى عليه جهم جميع ضلالاته ، واشتق منها أغلوطاته ، وهي كلمة لم يَبْلغنا أنه سَبق جهماً إليها أحد من العالَمين ، فقال له قائل ممن يحاوره : قد علمتُ مرادك أيها الأعجمي، تعني أن الله لا شيء، لأن الخلقَ كلهم عَلِموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حَد وغاية وصفة ، وأن لا شيء لَيْس له حَد ولا غاية
ولا صفة . فالشيء أبداً موصوف لا محالة ، ولا شيء يُوصَف بلا حَد ولا غاية . وقَوْلُك : لا حَد له تعني أنه لا شيء . قال أبو سعيد: والله تعالى له حَد لا يَعْلمه غَيْره ، ولا يجوز لأحد أن يتوهَّم لِحَدِّه غاية في نفْسه ، ولكن نؤمن بالْحَد ، ونَكِل عِلْمَ ذلك إلى الله ، ولمكانه أيضاً حَد ، وهو على عرشه فوق سماواته . فهذان حَدَّان اثنان . قال : وسئل ابن المبارك : بِمَ نَعرف رَبَّنا ، قال بأنه على عرشه بائن مِن خَلقه . قيل : بِحَد . قال : بِحَد . حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن علي ابن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال : فَمَن ادَّعى أن لَيْس لله حَد فقد رَدَّ القرآنَ ، وادعى أنه لا شيء ، لأن الله تعالى وَصَفَ حَدَّ مكانه في مواضع كثيرة مِن كتابه ، فقال : } الرَّحْمنُ عَلى العَرْش استوى { . } أَأَمِنتم مَن في السماء { ... فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الْحَد ، وَمَن لَم يعترف به فقد كَفر بِتَنْزيل الله ، وجَحَدَ آياتِ الله )) اهـ .
هذا الكلامُ الخطيرُ لنا معه وقفات :
أ ) إن اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عن الحَد والغاية والنهاية . فاللهُ تعالى أكبرُ من كُل شيء . ولو كان سبحانه له حَد أو غاية أو نهاية لكانَ جِسماً مقهوراً ومحصوراً في حَيِّز الزمان والمكانِ . واللهُ تعالى يقول : } لَيْسَ كَمِثْله شَيء { [ الشُّورى :11] . واللهُ تعالى هو الأوَّل فليسَ قَبْله شيء ، وهو الآخِر فليسَ بَعْده شيء ، لا بداية له ولا نهاية. ولو كان لله تعالى بداية أو نهاية لكانَ محصوراً في نطاق زمني ، ولكانَ خاضعاً لحركة الزمن . واللهُ تعالى أكبر مِن كُل شيء ، وهو خالق الزمان والمكان ، فلا يُعقَل أن يَخضع الخالقُ لمخلوقاته. وابنُ تيمية يَزعم أنه ملتزم بالكتاب والسُّنة وأقوال السلف، فمِن أينَ جاء بهذه الألفاظ: الحَد ، الغاية ، النهاية ؟! . هل وَردت في القرآن والسُّنة ؟! . ومعلومٌ أننا لا نَصِفُ اللهَ تعالى إلا بما وَصَفَ به ذاته العَلِيَّة ، أو وَصَفه به رسولُه صلى الله عليه وسلم . كما أننا لا نُثبِت صِفةً لله تعالى إلا بِنَص قَطعي الوُرود ( القرآن والسُّنة المتواترة ) وقَطعي الدلالة . فهذه عقيدةٌ ، وينبغي أن تُبنَى على قَطعيات لا يتسلل إليه الوَهم أو الاحتمال أو الشَّك .
ب ) لا يجوز وصفُ اللهِ تعالى بأنه شيء. فاللهُ تعالى لَيْسَ شيئاً بدليل قَوْله تعالى: } قُل اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء { [ الرعد : 16] . إذن ، كُل شيء مخلوق ، وبما أن اللهَ تعالى هو الخالق وليس مخلوقاً، فهو سبحانه ليس شيئاً. فلوْ كان شيئاً لكانَ مخلوقاً، وهذ مُحال. وبالتالي ، فصفاتُ الأشياء المخلوقة كالحَد والغاية والنهاية لا يَجوز إطلاقها على الله تعالى ، لأن اللهَ سبحانه ليس جِسماً ولا شَيئاً ، ولا يَعْرف اللهَ إلا الله ، وكُلُّ ما في بالِك ، فاللهُ بِخِلاف ذلك .
ج ) اللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عن المكان . ولو كان له سبحانه مكان لكانَ محصوراً في هذا المكان ، ولكانَ المكانُ محتوياً على الله تعالى وأكبر من الله تعالى . ولكانَ اللهُ تعالى يَحُل في خَلْقه ( المكان ) .
وهذا لا يقول به مُسْلم . فاللهُ أكبر مِن كُل شيء . واللهُ سبحانه كان موجوداً ولا شيء ، فلم يكن عرش ولا سماوات ولا مكان ولا زمان . وفي صحيح البخاري ( 3/ 1166) : أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( كان اللهُ ولم يَكن شَيء غَيْره )) . فأينَ كان اللهُ قبل خلق العرش ؟ ، وأينَ كان الله قبل خلق السماوات ؟. وأينَ كان اللهُ قبل خلق المكان والزمان ؟ . كانَ اللهُ ولا شيء ، وهو الآن كما كانَ ( يُغيِّر ولا يَتغيَّر ، لأن التغيُّر من صفات الحوادث المخلوقة ) ، وهو سبحانه الآن حيث كان ( بلا مكان ) .
د ) ونحن نقول : مَن قال إن لله حَدَّاً أو مكاناً فقد كفرَ، وسبقَ أن شَرَحْنا هذه القضية. أمَّا قَوْلُ الله تعالى : } الرَّحْمنُ عَلى العَرْش استوى { ، وقَوْله سبحانه : } أَأَمِنتم مَن في السماء { فلا يعني إثبات مكان لله تعالى . ومَن أثبتَ مكاناً لله تعالى أخذاً بظواهر الآيات فقد خالفَ السلفَ والخَلَف معاً ، واعتمد على هواه .
هـ ) نحن لا نأخذ عقيدتنا من أقوال الرجال سَواءٌ ثَبَتَ النقلُ عنهم أَم لم يَثْبُت . وإنما نأخذها من القرآن والسُّنة المتواترة . وكُلُّ إنسان يُؤخذ مِنه ويُرَدُّ عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم . والعِصمةُ للحق لا أقوال الرجال.اعرف الحقَّ تعرفْ أهلَه.وقد قال ابن الجوزي عن إحدى المسائل في كتابه تلبيس إبليس ( ص 171 ): (( وقد قِيل لأحمد بن حنبل _ رحمة الله عليه _ إن ابن المبارك يقول كذا وكذا ، فقال : إن ابنَ المبارَك لم يَنْزل مِن السماء )) اهـ .
هذا هو الفهمُ الدقيق للإمام أحمد الذي يَعرف أن الرجال يُعرَفون بالحق ، والحقُّ لا يُعرَف بالرجال ، والعِصمةُ للأنبياء وَحْدَهم . هذا هو فهم الإمام أحمد الذي لَوَّثَ مُجسِّمةُ الحنابلة سُمعته، وأهانوا مذهبَه بعد أن أَدْخلوا فيه عقائد التجسيم التي اخترعوها من بنات أفكارهم .
[17]قال اللهُ تعالى: } إِذ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إِلَيَّ { [ آل عمران : 55].
بَعضُ الجهَّال يَفهمون مِن هذه الآية أن اللهَ تعالى رَفَعَ عيسى صلى الله عليه وسلم إلى السماء التي يَحِلُّ فيها اللهُ تعالى . وهذا الفهمُ المنحرف جاءَ من إيمانهم بأن السماء هي مكان لله تعالى ، وقد رَفع اللهُ سبحانه رسولَه عيسى صلى الله عليه وسلم إلى مكانه تعالى . وهذا انحرافٌ واضح . وقد سبقَ وأن شَرحنا قضية تَنْزيه الله عن المكان. ولو كانَ اللهُ تعالى موجوداً بذاته في السماء ، أو موجوداً بذاته على العَرش ، لكانَ محصوراً في مكانٍ وَجِهةٍ ، وخاضعاً لظروف المكان ، ومقهوراً في حَيِّز مُحدَّد . وهذا يتعارض بالكُلِّية مع عَظَمة الله تعالى ، فهو أكبرُ مِن كُل شيء ، وفوقَ كُل شيء ، فَوْقِيَّة القهر والجبروت والهَيْمنة .
قال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 54 ) : (( إلى مَحَل كرامتي ومَقر ملائكتي )) اهـ .
[18] قال اللهُ تعالى : } أَأَمِنتم مَن في السماء { [ الْمُلْك : 16].
إن اللهَ تعالى في السماء، بمعنى أنه العَلِيُّ الكبيرُ الذي قَهر المخلوقاتِ ، وعَلا فَوْقَها فَوْقِيَّة المكانة لا المكان . أمَّا اعتقاد أن اللهَ تعالى حالٌّ في السماء، فهذه عقيدة كُفرية ، لأنها تعني أن السماء أكبر من الله تعالى ، وأنها محتوية عليه سبحانه . واللهُ أكبر مِن كُل شيء ، وقاهرٌ لكل شيء . واعتقادُ أن الله تعالى في جهة العُلُو بذاته عقيدةٌ كُفرية لأنها تعني أن الله تعالى محصور في نطاق ضيِّق . واللهُ تعالى أكبر من الأمكنة والأزمنة . واللهُ تعالى كان موجوداً ولا شيء معه . فالخالقُ قديم ، والمخلوقات حوادث وُجدتْ بعد إذ لم تكن .
قال السيوطي في تنوير الحوالك ( 1/ 140 ) : (( وقال الباجي : ... يُقال : مكان فلان في السَّماء : يعني عُلُو حاله ورِفعته وشَرفه )) اهـ .
أمَّا الذين يَأخذون بظواهر النصوص ، فنسألهم : ماذا تقولون في قَوْله تعالى : } أَأَمِنتم مَن في السماء { [ الْمُلْك : 16]. وقَوْله تعالى: } وَهُوَ اللهُ في السَّماواتِ وفي الأرضِ {[الأنعام : 3 ]. فهل اللهُ تعالى في السماء حقيقة أَم في السماوات أَم في الأرض ؟! . وإذا أردتُم إثبات مكان لله تعالى ، فلماذا لا تُثبِتون مكان الله سبحانه بين العبد والقِبلة أخذاً بظاهر الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه ( 1/ 159 ): عن أنس _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يُناجي رَبَّه _ أو إن رَبَّه بَيْنه وبين القِبلة_ فلا يَبزقن أحدكم قِبَل قِبلته ولكن عن يساره أو تحت قَدَمَيْه )) ؟! .
قال الحصني في دفع شُبه مَن شبَّه وتمرد ( 1/ 8 ) : (( ومن التناقض الواضح في دعواهم في قَوْله تعالى : } الرَّحْمنُ عَلى العَرْش استوى { [ طه : 5] أنه مُسْتَقِر على العرش مع قَوْلهم في قَوْله تعالى : } أَأَمِنتم مَن في السماء { [ الْمُلْك : 16] ، إِنَّ مَن قال إنه ليس في السماء فهو كافر ، ومن المحال أن يكون الشيء الواحد في حَيِّزَيْن في آنٍ واحد )) اهـ .
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 5/ 24 و25) : (( قال القاضي عياض : لا خِلاف بين المسلمين قاطبة ، فقيههم ومُحدِّثهم ومُتكلِّمهم ونظارهم ومُقلِّدهم أن الظواهر الواردة بِذِكْر الله تعالى في السماء ... ليست على ظاهرها ، بل مُتأوَّلة عند جميعهم . فمن قال بإثبات جِهة فَوْق مِن غَير تحديد، ولا تكييف مِن المحدِّثين والفقهاء والمتكلِّمين تأوَّل في السماء، أي على السماء. ومَن قال مِن دهماء النظار والمتكلمين وأصحاب التَّنْزيه بنفي الحد واستحالة الجهة في حقه سبحانه وتعالى تأوَّلوها تأويلات بِحَسْب مُقتضاها )) اهـ .
إن العقيدة القائلة بأن الله تعالى موجود وحالٌّ في السماء عقيدة وثنية جاهلية متخلفة ، وللأسف فإن بعض المجسِّمة الذين يُسَمُّون أنفسهم مسلمين يقولون بها ، وينافحون عنها بكل ما أُوتوا من قوة وجدل . قال اللهُ تعالى مُبَيِّناً هذه العقيدة الباطلة ورادَّاً عليها : ] وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ . أَسْبَابَ السَّمَاواتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبَاً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ [ [ غافر : 36و 37]. فها هو فرعون يعتقد أن الله تعالى حالٌّ في السماء، لذا حاول_ بزعمه _ أن يصعد إليه ، والله تعالى سَمَّى هذا العمل المستند إلى عقيدة باطلة سيئاً، وقال إن هذا العمل السيئ زُيِّنَ لفرعون ، وصُد عن السبيل.
[19] قال اللهُ تعالى : } وَاللهُ مَعَكم { [ مُحمَّد : 35].
لا يُوجد عاقلٌ يعتقد أن الله معنا بذاته _سبحانه وتعالى_ . ومعنى الآية : أن الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد . قال القرطبي في تفسيره ( 16/ 217 ) : (( أي بالنصر والمعونة )) اهـ .
وقال ابن تيمية في دَرء التعارض ( 3/ 178 ) : (( كلام آخر للإمام أحمد عن الْمَعِيَّة ... في النصر لكم على عدوكم )) اهـ .
ولا يخفَى أن هذا تأويلٌ للآية ، وصَرفها إلى غير ظاهرها . وهو تأويلٌ مُعْتَمَد شَرْعاً ولُغةً .
[20] قال اللهُ تعالى : } وَهُوَ مَعَكم أينما كُنتم { [ الحديد : 4].
والْمَعِيَّةُ هنا هي مَعِيَّةُ العِلْم والقُدرة والإحاطة لا المكان . فاللهُ تعالى معنا بعِلْمه لا بذاته . فالْمَعِيَّةُ بالذات تَعني أن اللهَ موجود معنا بذاته عندما نَدخل الأماكن القذرة كالخلاء وغَيْره . وهذا لا يَقول به مُسْلم . وإضافةُ مَعِيَّة القُرب بالمسافة إلى الله تعالى مُحالٌ ، لأن اللهَ تعالى مُنَزَّه عن المكان والزمان . وهكذا ، وَجب تأويل الآية ، وصَرْفها عن ظاهرها .
قال أبو السعود في تفسيره ( 8/ 204 ) : (( تمثيل لإحاطة عِلْمه تعالى بهم ، وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما داروا )) اهـ .
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5/ 191 ) : (( وقال يحيى بن عثمان في رسالته : لا نقول كما قالت الجهمية : إنه بداخل الأمكنة وممازج كل شيء ، ولا نعلم أين هو ، بل نقول : هو بذاته على عَرْشه ، وعِلْمه محيط بكل شيء وسمعه وبصره وقُدرته مُدرِكة لكل شيء ، وهو معنى قَوْله : } وَهُوَ مَعَكم أينما كُنتم { )) اهـ .
وهذا الكلام لنا مع وقفات :
أ ) يحيى بن عثمان لم يَنْزل من السماء ، وهو غير معصوم .
ب ) اللهُ تعالى مُنَزَّه عن المكان والزمان . كان اللهُ قبل خلق المكان والزمانِ . وهو الآن حيثُ كان . اللهُ موجود بلا مكان ، ولا يقال أين ، فالذي خَلَقَ الأينَ ، لا يُعقَل أن يُحصَر بالأين . فالخالقُ لا يَخضع للمخلوق . بل المخلوق يخضع للخالق سبحانه .
ج ) العِبارة " بل نقول : هو بذاته على عَرْشه " ، عبارة مرفوضة لأنها مُخالِفة للقرآن والسُّنة وأقوال علماء المسلمين سَلَفاً وخَلَفاً . فكلمة " بذاته " لم تَرِد في القرآن والسُّنة . ولا يَجوز وَصْفُ اللهِ تعالى إلا بِنَص شَرْعي ( قَطْعي الورود وقَطْعي الدلالة ) .
التعليقات (0)