بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
سبق أن نقلت كلام الإمام عبدالقادر عيسى رحمه الله تعالى في أصناف أعداء التصوف وهنا أنقل كلامه عن الصنف الثاني لعل فيه إيقاظ لكل منصف صادق.
الصنف الثاني:
هم الذين جهلوا حقيقة التصوف الإِسلامي ولم يأخذوه عن رجاله الصادقين وعلمائه المخلصين؛ بل نظروا إِليه نظرة سطحية بعيدة عن التمحيص والتبين، وهؤلاء أقسام:
أـ قسم أخذوا فكرتهم عن التصوف من خلال أعمال وسلوك بعض الدخلاء والمنحرفين من أدعياء التصوف؛ دون أن يُفرِّقوا بين التصوف الحقيقي الناصع، وبين بعض الوقائع المشوهة التي تصدر عن الدخلاء على الصوفية والتي لا تَمُتُّ إِلى الإِسلام بصلة [انظر بحث بين الصوفية وأدعياء التصوف ص449 في هذا الكتاب].
ب - وقسم خُدعوا بما وجدوه في كتب السادة الصوفية من أمور مدسوسة أو مسائل دخيلة؛ فأخذوها على أنها حقائق ثابتة، دون تحقيق أو تثبت [انظر بحث الدس على العلوم الإِسلامية ص 398 في هذا الكتاب] أو إِنهم أخذوا الكلام الثابت في كتب الصوفية ففهموه على غير مراده، حسب فهمهم السطحي وعلمهم المحدود، وأهوائهم الخاصة، دون أن يرجعوا إِلى كلام الصوفية الواضح الذي لا يحيد عن لب الشريعة، والذي يعطي الضوء الناصع والنور الكاشف لتأويل هذا الكلام المتشابه [انظر بحث التأويل ص 415 في هذا الكتاب]. مثلهم في ذلك كمثل الذي في قلبه زيغ ومرض؛ فأخذ الآيات القرآنية المتشابهة في القرآن الكريم فأوَّلها حسب هواه وانحرافه، دون أن يلتفت إِلى سائر الآيات القرآنية المُحْكَمَة التي تُلْقي النور على معاني هذه الآيات المتشابهة وتوضح معانيها، وتبين أغراضها. قال الله تعالى في حقهم: {هُوَ الذي أنْزَلَ عليكَ الكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكتابِ وأُخَرُ مُتشابهاتٌ فأمَّا الذينَ في قُلوبِهِم زيغٌ فيتَّبِعونَ ما تشابَهَ منهُ ابتغاءَ الفتنَةِ وابتغاءَ تأويلِهِ}[آل عمران: 7]. لهذا ولئلا يلتبس الأمر على جاهل أحمق أو مغرض متحامل، وضع علماء الصوفية عقائدهم صريحة واضحة لا تحيد عن مذهب أهل السنة والجماعة، ومنهم الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى، فقد ذكر عقيدته واضحة مفصلة في مطلع كتابه الفتوحات المكية، وكذلك صاحب الرسالة القشيرية وغيرهما..
ج - وقسم هم المغشوشون المخدوعون الذين أخذوا ثقافتهم وعلومهم عن المستشرقين كما بيَّنَّا سابقاً، وتَبنَّوا مزاعمهم وأباطيلهم كأنها بَدَهياتٌ لا تقبل الجدل، أو تنزيل من حكيم حميد. ولم تسعفهم الفطانة والذكاء إِلى إِدراك حقيقة هؤلاء المستشرقين الذين نَصَبُوا أنفسهم وجنَّدوا ثقافتهم لهدم الإِسلام، بتشويه معالمه، وطعنه في جوهره وروحه.
إِلا أن هذه الأمة الإِسلامية لا تزال فيها طائفة ظاهرة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله [أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون” ومرَّ الحديث وعزوه ص42]، ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلاً، يدعونَ مَنْ ضل إِلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرون بنور الله أهلَ الضلال والعمى، اهتدوا بهدي النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، واستضاءوا بنوره على مر الأزمان والدهور.. انتهى من كتاب حقائق عن التصوف الباب الخامس
التعليقات (0)