مواضيع اليوم

المتآمرون.

محمد مغوتي

2013-10-09 00:04:06

6

     إذا قرأنا مستجدات الملف السوري على ضوء نظرية "المؤامرة" التي يحلو للعرب والمسلمين أن يتمسحوا بها ويعلقوا عليها كل مصائبهم ومآسيهم التي لا تنتهي، فإنه يجدر بنا أن نعيد صياغة سؤال المتآمرين والمتآمر عليهم من جديد. ذلك أن استدعاء هذه النظرية في نازلة الكيماوي السوري يخلط الوقائع ويشوش على المتتبع لما يجري في بلاد الشام. فإذا كان صحيحا أن الوضع السوري لم يعد شأنا داخليا أو مجرد صراع على السلطة هناك. وإذا كان صحيحا أيضا أن لعبة المصالح الدولية تنزل بكل ثقلها في تأزيم المشهد السوري، وتتغذى على جراح ودماء ضحايا الإقتتال الداخلي من السوريين الأبرياء، فإن الطريقة التي انبطح بها نظام بشار( الممانع) بخصوص ترسانته الكيماوية، تثبت أن المتآمر الأول على شعوب المنطقة هو نظامها السياسي الرسمي قبل اتهام أي طرف آخر.

 

     اختار بشار الأسد الذي لا يمل من تكرار أسطوانة المقاومة المشروخة على مسامعنا بمناسبة أو بدونها... اختار إذن أن يسلم المقدرات الحربية السورية بدون مقاومة. ولم يكن هذا القرار الجبان صادرا عن وعي استراتيجي بضرورة التخلص من أسلحة الدمار الشامل، كما لم يكن صادرا أيضا عن حرص على حماية الشعب والبلد من أي تدخل عسكري أجنبي بدا وشيكا عندما زمجر العام سام، وهدد بشن حرب تأديبية على النظام السوري بعد حادثة الغوطة... فالجميع يدرك الآن أن بشار مستعد لبيع البلاد والعباد من أجل الإستمرار في الحكم. وهو لن يتورع عن خطب ود الولايات المتحدة الأمريكية وتقديم كل الضمانات والتنازلات لحماية أمن إسرائيل من أجل ضمان مسعاه في البقاء في السلطة. لذلك آن الأوان لكل المخدوعين والواهمين أن يستيقظوا من سباتهم. آن الأوان لكل الذين يصدقون أكذوبة الممانعة التي يرددها بشار وحليفه حسن نصر الله أن يفهموا أن النظام السوري ومعه " حزب الله " هما خط الدفاع الأول عن أمن إسرائيل، فسيناريو إتلاف الكيماوي السوري يعني اختلالا واضحا في قوى الرعب لصالح إسرائيل التي تعتبر المستفيد الأول من كل مآسي المنطقة. ولا حاجة لنا هنا إلى التذكير بأن نظام البعث لم يطلق رصاصة واحدة من أجل استرجاع الجولان المحتل، بينما استمر لأكثر من سنتين في مسلسل من القتل المتواصل الذي يستهدف شعبه بكل أنواع الأسلحة وبكل سادية ووحشية.

    لقد كانت شماعة المؤامرة دائما ملاذا آمنا ومتنفسا حقيقيا للأنظمة الشمولية التي تجثم على أنفاس شعوبها، وفي المنطقة "العربية" تمت المتاجرة بما يسمى " القضية الفلسطينية" على أكمل وجه، ونجح النظام السياسي العربي في توجيه الرأي العام الداخلي عن قضاياه الحقيقية من خلال الترويج الواسع لملهاة: الصراع العربي الإسرائيلي عندما اتفقت الدول " العربية والإسلامية" على اعتبار فلسطين قضية وطنية ( قولا وليس فعلا على كل حال). لذلك كان من السهل جدا أن تتغلغل فكرة المؤامرة إلى عقول ووجدان الشعوب تمهيدا لتدجينها وتسليمها بالأمر الواقع، وتأجيل كل طموح نحو تحقيق الكرامة والحرية والديموقراطية في انتظار "غودو" الذي قد يأتي أولا يأتي... ونظام بشار هو الوجه البشع لهذه السياسة، فبالرغم من أن الحدث السوري لا ينفصل عن موسم "الثورات" التي عرفتها عدد من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فإن الرأي العام الحالم بقومية عربية ( أو إسلامية حتى) مازال يؤمن بعمق أن زعزعة أمن سوريا هي حلقة جديدة من حلقات مسلسل الـتآمر الغربي على العرب والمسلمين.

    السياسة هي فن تدبير المصالح والحفاظ عليها، ولا يمكن أن ننفي دور القوى الإقليمية الوازنة في كل الأحداث التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، لكن لعبة التوازنات وأحكام السياسة وتجارب التاريخ تمنح المشروعية لأي تدخل أجنبي في شؤون سوريا أو غيرها، فالغرب لا يتآمر على أحد. إنه فقط يحافظ على مصالحه في المنطقة، ويحق له أن يفعل ذلك، لكن الأمر يتم بتواطؤ مباشر من النظام الحاكم الذي يبيع كل شيء في سبيل كرسي السلطة الوثير. فمن يتآمر على سوريا وعلى شعوب المنطقة بعد كل هذا؟.

             محمد مغوتي. 08 – 10 – 2013.




التعليقات (6)

1 - الاستاذ\\محمد\\المغوتى\\صدقت\\

مازال\\النيل\\يجرى - 2013-10-09 00:29:51

لاكن\\لم\\ارى\\فى\\حياتى\\قائد\\عربى\\منحط\\مثل\\ابن\\السفاح\\حافظ\\الجحش\\كانت\\اسرائيل\\تضربة\\هو\\وابنة\\ويقول\\الرد\\فى\\المكان\\والوقت\\المناسب\\مات\\السفاح\\الاول\\واجا\\من\\بعدة\\ابنة\\المنحط\\دنيا\\واخرة\\ومن\\اجل\\الكرسى\\حرق\\الاخضر\\واليابس\\ودمر\\سوريا\\الحبيبة

2 - وما الحل ؟

أحمد قيقى - 2013-10-09 05:34:28

ما ذكرته يا عزيزى عن نظرية المؤامرة التى امتطاها حكامنا صحيح , ولكن هؤلاء الحكام هم من بيننا لم تصدرهم إلينا دولة أخرى , هم الذين هتفت جموعنا لهم : بالروح والدم نفديك يا . . هم إفراز ثقافتنا المتجذرة فى عقولنا . هنا يبقى السؤال : ما الحل ؟

3 - رد على تعليق أحمد قيقي

محمد مغوتي - 2013-10-09 20:29:25

أهلا بالأخ أحمد. صحيح، إنهم إفراز مباشر لثقافة سائدة ومتجذرة في العقول. وسؤالك عن الحل له وجاهته ومبرراته، لكن تجارب التاريخ أثبتت أن الشعوب الحية لا تعدم الوسيلة لفرض إرادتها في الحياة الكريمة والحرية والديموقراطية. هذه الشعوب تحتاج إلى الحياة. مع تحياتي الخالصة.

4 - رد على تعليق ابن النيل

محمد مغوتي - 2013-10-09 20:31:53

شكرا على التعليق. للأسف مازال الكثيرون يؤمنون بوهم محور الممانعة والمقاومة رغم أن الوقائع تكشف كل الحقائق. مع تحياتي.

5 - شَغْلة أبوك .. لا يِغْلبوك

طارق المبروك - 2013-10-09 20:45:02

قال لي أبي : فيما يُحكى من الحكايات أنّ شابّاً دأَبَ على سؤال أمّه عن مهنة أبيه الذي توفّي قبل أن يراه،وكانت الأمّ دوماً تُجيبُه بأنّها لا تعرف ماذا كان يعمل أبوه،ومع استمرار السؤال نفسه والإجابة نفسها استقرّ في ذهن الشاب بعد أن أعيتْه الحيلة بأنّ في الأمر سرّ. هذا الشاب جرّبَ كثيراً من المهن والأعمال ولم يفلح في أيٍّ منها ليعودَ في كلّ مساءٍ للمنزل متذمّراً من حظّه العاثر مردّداً ذات السؤال على أمّه أملاً في أن يجدَ طريقاً ليعملَ مثلما كلن يعملَ أبوه، لكنّ جواب الأمّ كان سدّاً منيعاً دون هذه المحاولة المتبقّية له في عالم الأشغال والأعمال. في صباح يومٍ من الأيام واتَتْ الفِكرة الذهبية عقلَ هذا الشاب ليستحثَّ أمّه على إفشاء السرّ الذي أرّقه فوقَ أرقه من انسداد أبواب الرّزق في وجهه، قال الشاب لأمّه وهو يخرج من المنزل أودّ أن يكونَ غداؤنا اليوم “رز وعدَس” فما كان من والدته إلا أن هيأتْ ما طلبه ابنها الوحيد منها انتظاراً لقدومه ظهراً . وعلى مائدة الغداء وقد وُضَع “المعدوس” في إناء يليق بكرامته وقدْره عندَ أهل الحجاز وبُخار النّضج يفوح من ذلك الطّعام الفاخر، باقى المقال بالرابط التالى www.ouregypt.us فجأة أخذَ الولد بيدِ أمّه ملتقطاً لها بسرعة مطبقاً عليها وأغرقَها بالكامل في الطّبخة التي ما زالت تلفظُ أنفاس الغلَيان،وقالَ لأمّه وهي تصيحُ من الألم لن أُخرجَ يدَك حتى تُخبريني ماذا كانَ أبي يعمل؟..

6 - رد على تعليق المبروك

محمد مغوتي - 2013-10-10 20:04:11

شكرا لك على التعليق المفيد بدلالته العميقة. مع تحياتي.

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !