ماهر حسين.
سارع البعض لرفض المبادرة الفرنسية وسارع البعض الأخر لتأييدها علما" بأن الرئيس أبو مازن أعطى موافقة مبدئية قائلا" (بأنها من حيث المبدأ مقبولة ) مستندا" في موقفه إلى أن المبادرة الفرنسية تستند إلى خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الداعي لإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وكما أن المبادرة تحتوي على مبدأ هام وهو (الامتناع عن الأعمال الأحادية الجانب ).
فلسطينيا" من سارع للرفض له الحق ومن يؤيد التعاطي مع المبادرة الفرنسية له الحق فهذا أساس العمل السياسي فبين الموافقة والرفض تتراوح المواقف مع تأكيدي على أن السياسة الرسمية تختلف عن المواقف الحزبية وقد ظهر لنا هذا جليا" في الفترة الأخيرة وبل أن هذه الحقيقة فرضت نفسها على المؤيد والمعارض في أوساط المنظمات الفلسطينية .
بشكل أولي يجب أن نشير إلى أن التًغيرات في المنطقة كبيرة ومتعددة ومُربكة للجميع وتقتضي إزالة بؤرة التوتر الأهم بالمنطقة وعلى مستوى العالم والمتمثلة بالاحتلال الإسرائيلي لأراضينا المحتلة عام 1967 وهذا سيكون الضمانة لان نحصل على نتائج ايجابية من التغيرات الحاصلة ديمقراطيا" بالمنطقة وإلا فان تراجع سلطات الدول وظهور قدرة الجماهير على الفعل قد يكون مقدمة لفعل مؤثر وغير متوقع وقد يأتي بإطار حالة الانفلات الحاصل بالمنطقة أو بإطار الثورية التي جعلت الجماهير على قناعه بأنها قادرة على إحداث تغيير قد يصل بهذه الجماهير لقناعات مرتبطة بإسرائيل وبكل الأحوال كل ما يحدث هام ومؤثر ويأتي بظل تراجع الدور الأمريكي بفعل البداية المبكرة لمعركة الانتخابات الرئاسية ولكل ما سبق ولتفادي الأزمات الخطيرة في المنطقة والعالم وبظل الفراغ القائم بفعل تعطل المفاوضات فلا بد من تحرك سياسي لتجاوز الفراغ ولتقليل فرص الصدام .
لن يكون التحرك السياسي في المنطقة أمريكيا" بحكم الانتخابات القادمة ..فالتحرك الأمريكي بحاجه إلى حسم في اتجاهين الأول على جبهة إسرائيل وهو مرتبط بموقف الإسرائيليين المتعنت من وقف الاستيطان ومن شروطها المجحفة لاستئناف عملية السلام وبالجانب الأخر هناك ضرورة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لوقف التوجه الفلسطيني للمنظمة الأممية من اجل دعم الدولة الفلسطينية وهو ما ترفضه أمريكا تماما" ولكنها لا تقدم بديل له .
إن التحرك الفلسطيني عبر الأمم المتحدة سيجعل الولايات المتحدة من جديد في موقف ضعيف أخلاقيا" حيث أنها ستقف وحيدة في مواجهة العالم من اجل عيون إسرائيل وهو ما سيجعل الموقف الأمريكي المنحاز واضحا" وهو ما سيسبب مزيدا" من مشاعر الإحباط والغضب من أمريكا في منطقه تموج فيها الجماهير وتمارس فعل الثورة بحق مع تأكيدي على أن هذا هو أخر ما تحتاجه الإدارة الأمريكية والرئيس اوباما وخاصة بأنهم يسعوا لان يجدوا لهم سلطة ونفوذ من نوع جديد عبر ثورات العرب الساعية للحرية هذه الثورات التي انتصرت في مصر وتونس وقريبا" وكما يبدو في اليمن والجميع ينظر إلى سوريا وينتظر انتصار الشعب على النظام والحرية على القمع .
في ظل عدم وجود تحرك أمريكي وبظل تراجع دور الرباعية الدولية وبالطبع في ظل عدم رغبة أمريكا وإسرائيل بأي دور للأمم المتحدة وكما أسلفنا فلا بد من دور أخر....دور محدود ..مرتبط بفترة زمنية ومبادرة وبالتنسيق مع الأمريكان ....من هنا ... جاء الدور الفرنسي المستند إلى رغبة فرنسا بتعزيز دورها بالمنطقة بالتنسيق مع الولايات المتحدة ...فالتحرك الفرنسي هو محاولة لإعادة الاعتبار للمفاوضات بظل خطاب الرئيس الأمريكي الأخير والداعي إلى إقامة دولة فلسطينية بحدود مع الأردن ومصر وعلى أراضينا المحتلة عام 1967 واعتقد بأنه من المعلوم للجميع بان هناك أحاديث دائمة عن تبادل محدود للأراضي والهدف الأساس منه ليس سيطرة إسرائيل على الحدود وإنما الهدف منه إنشاء الدولة الفلسطينية المتواصلة والقابلة للحياة.
الدور الفرنسي هام ويجب الترحيب به ..فهو تعبير عن الموقف الأوروبي بالتنسيق مع الأمريكان وفرنسا وأوروبا كلها دول صديقه و يجب أن نراعي علاقتنا معها ونمنحها الاهتمام المناسب فنحن من نطالب بزيادة الدور الأوروبي وتفعيله ..ومن هنا فإن التعاطي مع المبادرة مهم وبل أساس للفلسطينيين علما" بان الجانب الإسرائيلي لم يرد على المبادرة الفرنسية حتى كتابة المقال وان كنت اعتقد بأنه سيكون هناك تحًفظ إسرائيلي على المبادرة وهذا مرتبط بطبيعة الحكومة الإسرائيلية وهو ما سيؤدي إلى مزيد من عزلة الحكومة الإسرائيلية خاصة بظل تراجع العلاقات الإسرائيلية للحد الأدنى وبشكل خاص مع كل من مصر وتركيا وهو ما سيترك تبعات استراتيجيه على إسرائيل.
إسرائيل لا تريد أي دور لأي احد سوى للولايات المتحدة الأمريكية التي تربطها بها مصالح تجعلها قادرة على التعامل مع الموقف هنـــاك وبغض النظر عن الإدارة الأمريكية وطبيعتها واعتقد بان هذا واضح الآن بظل قدرة إسرائيل على ممارسة الضغط على الرئيس الأمريكي لتغيير مواقفه وبل أن الموقف الإسرائيلي وصل إلى حد ممارسة الإذلال للرئيس الأمريكي وللإدارة الأمريكية وهذا على حد وصف الصحف الإسرائيلية ...هذا الإذلال بالسياسة له ثمن وعزلة إسرائيل لها ثمن وتراجع علاقات إسرائيل بالمنطقة للحد الأدنى مع تركيا ومصر مؤشر على أن الموقف الإسرائيلي غير مقبول ويعزز هذا الاعتقاد تراجع العلاقات الإسرائيلية الأوروبية وهذا سيؤدي حتما" إلى فرض دولتنا الفلسطينية خاصة إن تمسكنا بالسلام وبالعمل السياسي بالإضافة إلى عملنا الدائم لبناء المؤسسات وتفعيل علاقاتنا .
العالم اجمع الآن يتحدث عن دولتنا المستقلة وأمريكا موقفها يتطور وأوروبا بدأت تشير إلى استعدادها للاعتراف بدولتنا ..هذه حقيقة ثابتة علينا أن نعيها وعلينا أن نتمسك بالأمل .
باختصار نحن نرحب بالدور الأوروبي وهم يرفضوه ...نحن نقف مع خطاب الرئيس الأمريكي الداعي لإقامة الدولة الفلسطينية وهم يرفضوه ...هم المعزولون ....ومن هنا فأنني أرى أهمية الموقف السياسي للقيادة الفلسطينية فلقد تعاطوا مع المبادرة الفرنسية بالشكل المناسب بمنحها الاهتمام المناسب ترحيبا" بالدور الفرنسي وتأكيدا" على موقفنا الداعم لخطاب الرئيس الأمريكي .
أما من رفضوا المبادرة من المنظمات الفلسطينية فلا اعتقد بأنهم قادرين على تبرير الرفض بإطار سياسي سوى بتمسكهم بخطاب سياسي بالي قائم على الرفض المطلق للمبادرات وهو خطاب قاتم أدى إلى نتائج كارثية على قضيتنا وشعبنا وجعل قضيتنا رهينة بأيدي الغير لتحقيق مصالحهم والبعض الأخر من الرافضين سيمارس النقد المرتبط بمواقفهم السابقة والتي ستبقى أسيرة لمحاولات إثبات الذات بعيدا" عن وعي خطورة المرحلة السياسية التي تمر بها قضيتنا وشعبنا وبعيدا" عن فهم الإجماع الدولي الكبير الداعم لحقوقنا .
دولتنا ستقوم ..والآن العالم يتحدث عنها ولكنها لن تقوم بالقوة ولن تقوم بالعنف ولسنا بحاجه إلى صواريخ نوويه أو إلى صواريخ تنكيه تقتل منا وتضر بقضيتنا ..نحن بحاجه إلى تعزيز سياستنا القائمة على أساس العدالة وحقنا بالعيش بسلام في دولتنا وكما أننا بحاجه إلى تعزيز الخطاب السياسي الواعي والواقعي على شاكلة خطاب السيد خالد مشعل خلال المصالحة فهذا هو النضال الحقيقي للتعبير عن موقفنا بكل إخلاص وبعيدا" عن القوالب الثابتة والنظريات الجاهزة .
المبادرة الفرنسية ...مخرج سيؤدي بنا فقط إلى دولتنا المستقلة .
المبادرة الفرنسية ليست سوى جزء من الواقع السياسي الفلسطيني والعربي والدولي ...وهي ليست رجسا" من عمل الشيطان .
التعليقات (0)