تأخرت الجامعة العربية كثيراً حتى ناقشت الوضع في سوريا.! لذلك أسباب عديدة؛ من بينها أن الدول العربية لم تقطع مع هذا النظام بسبب خوف بعضها الشديد من «رعونته» فهو يملك أوراقا مجربة أرهبت بعض الدول؛ وبعضها الآخر ملتهياً بوضعه الداخلي. وأخرى غير مهتمة؛ وبالتالي لم يتكرر السيناريو «الشاذ» عن تقاليد الجامعة، الذي تعاملت به مع انتفاضة 17 فبراير الليبية.
المبادرة جاءت والنظام يمعن في حرب مفتوحة ضد السوريين العزل وقد بدى أن العالم أجمع قد تخلى عنهم؛ دفعتهم للقول «الله معنا».
من حيث الفحوى فبنود المبادرة [ كما نشرتها جريدة الحياة] أغلبها جيد؛ عدا البند الرابع الذي ينص على بقاء بشار الأسد رئيسا حتى عام 2014 ؛ وأغلب بنودها هي مطالب لقوى الثورة السورية سواء تلك العاجلة؛ كوقف القتل [العنف] و سحب الجيش والأمن من المدن السورية وإطلاق سراح المعتقلين؛ والمتوسطة المدى؛ كالانتخابات النزيهة، وحكومة الائتلاف، ودستور جديد، وفصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية.. بالتأكيد ينقص المبادرة بنود أخرى عن محاسبة القتلة؛ وحل الأجهزة الأمنية.الخ
ومن حيث الشكل المبادرة موجهة للنظام رغم ذكرها قوى سياسية بعينها تدعو النظام لاجراء الاتصالات السياسية معها بما فيها التنسيقيات الميدانية؛ وبالتالي هي في حلٍّ من قبولها أو رفضها من حيث المبدأ
من الواضح أن النظام غير مرحب بمبادرة كهذه؛ خصوصا وهي تنص على وجود «فريق عربي لمتابعة التنفيذ» و«برنامج زمني» للتنفيذ ودور للجامعة العربية في الحوار مع القوى السياسية، أي أن الأمر في حال قبول «النظام» بها لن يكون خاضعاً لأساليبه في إفراغ كل شيء لا يريده من محتواه فعلى الأقل سيكون هناك «شهود» ليس بوسعه حبسهم أو قتلهم.
نحن أمام خيارين:
الأول؛ وهو الخيار المحبب للسوريين؛ أن يرفض «النظام» هذه المبادرة كما هو متوقع؛ في حال علم أنه لن يستطيع تحويلها إلى مبادرة شكلية كمبادرته إلى« الحوار الوطني»، ومراسيمه التي لا تستحق ثمن الورق التي كتبت عليه، وجعجعاته الإصلاحية التي لم تفعل أكثر من زيادة تصميم السوريين على إسقاطه مهما بلغت التضحيات. وبالتالي سنكون أمام دفعة جيدة للموقف العربي يكسر حالة التردد التي تعيشها دوله أمام «النظام» وهو يمارس القتل يوميا بحق شعب أعزل دون رقيب أو حسيب؛ ويعطي الجامعة مجتمعة براءة ذمة من «دم النظام» وسيتكرر سيناريو ليبيا على الأرجح مع تعديلات ملائمة؛ وستضغط الدول العربية على «مجلس الأمن» وعلى أعضائه المعرقلين [تحديداً] لأي قرار دولي مناهض لهذا «النظام»، وقادر على إيقافه عن الاستمرار في استباحة دم أناس عُزل.
الثاني؛ وهو الأسوء للسوريين؛ [نظرياً] أن يقبل النظام المبادرة ويضعهم أمام تجرع بقاء الأسد حتى 2014؛ وهنا على القوى المنصوص عليها في هذه المبادرة أن تباشر «اتصالات» مع «النظام» برعاية عربية. هذا خيار سيغضب الناس الذين في الشوارع والذين رفعوا سقفهم مؤخراً إلى «إعدام الرئيس».
هذا الاحتمال ليس مخيفاً فحتى المعارضة الرخوة «حسن عبد العظيم وتياره وآخرين» لاتجرؤ أن تبدأ حوارا مع «النظام» دون إيقاف القتل والعنف وإطلاق سراح المعتقلين وسحب الجيش من المدن.. وهذه المرة بوجود «فريق عربي» ذلك مكسب لقوى الثورة بكل تأكيد فالمبادرة لاتنص على إيقاف التظاهر، ووجود المراقبين هو أحد مطالب المتظاهرين، الناس ستزيد في الشوارع وذلك مايريده الجميع؛ ستتبدل السقوف والشروط في حينها، فليفاوض «السياسيون» «النظام» عندها، وليبق المتظاهرون يدهم على زناد الحشود في الشوارع حتى تتحقق كل مطالبهم.
التعليقات (0)