أصبح في حكم المستحيل نجاح أي مبادرة وطنية للإصلاح, بسبب فوات الأوان, وإذ أصبحت المبادرات الملكية الهادفة إلى خلق جو جديد وتنقية الأجواء وزرع الأمل تولد هنا وهناك, من الأسرة والمجتمع والمرأة والطفل والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والرياضة بمختلف أنواعها والقضاء والحقل الديني, إلا أن الواقع المغربي قضى ويقضي في براثن الجهل والفقر واستأسد منها وشرب منها حتى الثمالة فغدا عنده المجتمع بتشكيلاته البشرية وتنوعه أشبه بغابة يسود فيها الأقوى فأصبح مجرد الدخول إلى حي مظلم في أي مدينة مغربية أشبه ب"الحريك" لأن النتيجة واحدة الحياة أو الموت.
مبادرات هنا وهناك وتحديات واستحقاقات أصبحت تروى على كل لسان, وأصبح للسياسي المحنك دور في التفاخر بها وأصبح لديه من الكلمات التملقية الشيء الكثير يكتبها في مذكرته ويحفظها عن ظهر قلب, ويعتبرها إنجازاً تاريخياً, فللتذكير فأغلب المبادرات في هذا الوطن إن لم نقل كلها هي مبادرات ملكية محضة تعرضت للمناقشة السطحية من طرف نائبي الأمة ولم تكن أبداً تاريخية لأن الظروف الراهنة هي من حتمت خروجها إلى الوجود وأنها ما تزال حبراً على ورق أي قيد التجريب, ربما تنجح أو ربما يساهم هؤلاء الساسة بفشلها.
- فالانطلاقة أو أقول وأصحح "نصف الانطلاقة" المتأخرة بسنوات وربما بقرون كانت في الألفية الثالثة, حيث تنفس المغرب بربع الرئة التي يملكها بفضل رجل اسمه عبد الرحمان اليوسفي هذا الرجل حتى وإنه لم يقض في كرسي الوزارة الأولى غير ولاية واحدة إلا أن إنجازاته المتراكمة سواء في المجال السياسي والحزبي وأيضاً في المجال التنظيمي والدبلوماسي وضعت المغرب في وضع مريح بالنظر إلى الوضع الراهن في العهدين السابقين, فنظرة واحدة إلى العالم بمختلف دوله تعطي نتيجة واحدة "من الحسن إلى الأحسن" ونظرة بطرف العين إلى هذا الوطن تعطي نتيجة سلبية بمختلف المقاييس فالمغرب يا سادة يتطور إلى العكس أي بطريقة معوجة وسلبية يستحيل جبر الاعوجاج الذي ألحقته به العهود السابقة من المتقالبين على كرسي الوزارة الأولى منذ الاستقلال حتى اللحظة, هذا ويعتبر الكثيرون أن السنوات التي قضاها المغرب وهو يحارب نفسه "السلطة والرأي" هي التي جعلت الأمور تبقى على حالها, وجعلت كل شيء جامداً لا يبارح مكانه..
- فالمبادرة المتعلقة "بمدونة الأسرة" لم تحمل جديداً على مستوى حقوق المرأة بل حملت الكثير من اللغط المغالطات وسوء الفهم لذلك فشلت في مهدها وظهرت عيوب كثيرة في هذا المجتمع منذ خروجها إلى حيز الوجود, فبين جبروت النساء الزوجات و"قصوحية راس" الرجال أنجبت جيلاً لا ينتمي إلى هذا الوطن يتحدث لغات العالم ولا يؤمن بمبدأ ولا بمنطق, أفرز سوء فهم كبير وعلامة استفهام كبيرة أنتجت تضاعف حالات الاعتداء ضد المرأة والطفل وتضاعفت كذلك نسبة العزوبة والعنوسة إلى حد مهول يقتضي من الوزارة المكلفة بالمجتمع والأسرة والتضامن التحرك بكل الوسائل الممكنة والغير الممكنة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه, فعيبنا أيها الأعزاء في هذا الوطن العزيز هو أن غالبية السكان أميون وإذ نتحدث عن مبادرات إصلاحية "وترقيعية" فهو مضيعة للوقت والمال وإهدار لطاقات.
فعندما يفقد أي مجتمع أساسه الذي هو لبنته فهو مجتمع بدون عنوان ويقتضي هدم هذا الأساس وإعادة بنائه على أسس متينة يستحيل أن تهدم.
- تبقى المبادرات الملكية والشعبية التي خرجت إلى الوجود أهم ما تحقق في السنوات العشر الأخيرة من حيث شعبيتها وطريقة تقبل المجتمع المدني لها, فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية تعد أضخم مشروع مجتمعي في المغرب بالنظر إلى الإمكانيات المادية والبشرية الهائلة التي خصصت لهذا المشروع وذلك لإنجاحها, كل هذا من أجل تخليص الشعب من آفة الفقر والحاجة, إلا أنها فشلت بعد مرور سنتين على ميلادها, ولا أحد يذكر هذا الفشل لا سراً ولا حتى جهراً بسبب كون المبادرة ملكية ولا يجب ذكرها بالسوء ولا إفشالها حتى بمجرد كلمات, لكننا أمام الأمر الواقع وأمام حقيقة مرة ينبغي قولها لأن هذه المبادرة لم تكن فاشلة لكن الأيدي الآثمة والغير المسئولة أفشلتها وربحت منها الكثير من المال, وتم التصرف بأموال الشعب بحرية تامة بدون حسيب ولا رقيب, إذ يعمد الكثيرون من عمال الأقاليم ورؤساء الجماعات والمسئولين عن الجمعيات والتعاونيات المستفيدة إلى كتابة أرقام خيالية في فواتير الآلات أو القطعان من الماعز أو النحل أو الأرانب الخ… والتي تُشْتَرَى بغير أثمانها هذا مع الإتفاق التام مع المنتج أو البائع ويستفيد من ذلك الثلاثي المكون من العمالة والجماعة القروية ورئاسة الجمعية أو التعاونية المستفيدة حيث يقتسمون الوليمة بينهم بحسب مساهمة كل منهم. ويكفي "تحقيق" واحد مع جمعية واحدة مستفيدة في سوس ليظهر العجب للتذكير فأغلب الجمعيات أو التعاونيات إن لم نقل بعضها في سبات عميق وفي راحة تامة وأن الحال رجعت بأولئك النسوة إلى نقطة الصفر بعد أن قضى المسؤول عن الجمعية غرضه وانصرف إلى حال سبيله للبحث عن وليمة أخرى.
فالجمعيات المستفيدة والأشخاص المستفيدون والمناطق المستفيدة لا تخضع لمعايير صارمة لمعرفة أين تصرف أموال الشعب المستثمرة في مشاريع متوقفة وفاشلة وصلت إلى أكثر من 70 في المائة,وإذا نظرنا إلى الأشخاص المستفيدين نجدهم عبارة عن مجموعة من النساء الأميات في الدواوير النائية حيث يتم استغلالهن من طرف رئيس جمعية أو تعاونية فلاحية يبلغ بهن مقصده ويحقق من ورائهن الكثير من المال الذي أخذه من وليمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وينصرف تاركاً كل شيء لأنه أكل الفخذ من الوليمة ولا جدوى من البقاء يرحلون تاركين جمعيات وتعاونيات بدون عنوان, فالعديد من جمعيات إنتاج زيت الأركان في سوس توقفت بفعل عدم مقدرتها على مسايرة الركب بفعل الغلاء الذي تشهده المادة الأولية وكذا لغياب إستراتيجية وتجربة عند المسئولين عن الجمعية أو التعاونية لتسويق هذا المنتوج, بحيث أن التعاونية الواحدة تنتج كل شهر ما يقارب 50 لتر من الزيت وهذه كمية صغيرة بالمقارنة مع الإمكانيات الهائلة التي منحتها الدولة من آلات للعصر إلى غير ذلك, كلفت الدولة اعتمادات مالية تصل إلى 70 مليون سنتيم أو أكثر لكل جمعية أو تعاونية أما الأشخاص المستفيدون بشكل فردي فقانون الزبونية والمحسوبية حاضر بقوة في موضوعهم وفي استفادتهم من هبات الدولة. فرئيس الجماعة القروية وسيادة العامل ومنتج آلات عصر الزيوت ورئيس التعاونية المستفيدة كلهم في كفة واحدة, "كلشي كيضرب غير على راسو" "يا راسي يا راسي", أما الهدف الأسمى وراء هذه المبادرة فقد أصبح في خبر كان.
-مبادرة أو برنامج مقاولتي, هذا المولود الذي توفي وهو يرضع ثدي أمه بعد اشهر قليلة من إعلان ميلاده, شهدت فشلاً ذريعاً لم يسبق له مثيل حيث أن غالبية الوعود التي أطلقها السيد إدريس جطو ووعد فيه بتبسيط المساطر والتعاون المطلق مع حامل المشروع, لكن كل هذا أصبح أضغاث أحلام بالنسبة لحاملي المشاريع وخصوصاً الأولين, إذ سارعت البنوك لتوقيع شراكات مع الدولة لكنها لم توفي بمضامين هذه الشراكة, وظهرت عيوب كثيرة في هذه المبادرة التي تركها إدريس جطوا في وضع الغريق الذي يطلب النجدة, ليأتي بعده عباس الفاسي ويطلق رصاصة الرحمة في صدر الغريق. لتأتي هذه السنة بقانون جديد أنتجته غضبة ملكية على الحكومة وعدم تيسيرها لهذه المبادرة من أجل إنجاحها,فدواليب المحاكم مليئة بالملفات الشائكة التي تتعلق بهذا المشروع بين الشباب حاملي المشاريع والأبناك. ولا داعي لذكر الأسماء.
- 10 ملايين سائح في أفق 2010, كان الدويري وزير السياحة السابق متفائلاً جداً بهذا المشروع الذي ينظر إليه من ثقب باب وزارة السياحة الصغير, فقدمت له الدولة اعتمادات مالية خيالية, في الإشهار وتحفيز وكالات الأسفار في الخارج إلى غير ذلك… لكن الدويري "ماشي حريفي" لأنه ركز بالأساس على الخارج وصرف كل ما أمدته له الدولة من إمكانيات ليترك المجال لخلفه ليعلن عن استحالة تحقيق الرهان, فالدويري لم ينظر أبداً إلى القطاع السياحي في المغرب بل إن عينيه لا تنظر إلا إلى أوروبا, فلو تم التركيز على المؤسسات السياحية في المغرب وجعل مستواها يصل إلى العالمية لتحقق الرهان لكن ربما للدويري رأي آخر تجلى في اعتماد أموال الشعب لصنع إشهارات وكلمات تملقية في التلفزيون وإرسال مهرجين إلى أوروبا من أجل إعطاء الأوروبي لمحة عن المغرب.
- القضاء على السكن القصديري, طيلة سنوات والسيد حجيرة يقاتل بكل ما أوتي من أجل ان يضمن مقعده الوزاري دائما في الحكومة فالسيد احجيرة دائما حاضر في كل "الكاريانات" يوصي أصحاب"البراريك" الذين حصلوا على مفاتيح الشقق بالرجوع على العقل وعدم بناء" براكة" مجدداً لكن هذه السياسة لم تنفع بسبب أن "البراكات" تتناسل كالفطر في المدن المغربية لأن أصحابها يعلمون بأن براكة واحدة تساوي شقة. (يا لهه من فكرة جميلة). فكان العنف وحده هو الذي جعل السيد احجيرة يدخل مكتبه ولا يضطر إلى الذهاب إلى "كاريان" ما إلا نادراً. فمشروع الإسكان في المغرب شهد فشلا كبيراً لأن غالبية الشقق مغشوشة ويعيش أصحابها الآن في أوضاع صعبة للغاية بسبب الشقوق والخوف من انهيار العمارات التي يسكنونها. فشبح "البراكات" زال لكن بقي شبح "العمارات المغشوشة" فهل يستطيع السيد احجيرة أن يخلص السكان من هذا الغش ومن "العمارات المغشوشة" كما خلص الوطن من "البراكات"؟؟؟
- الرياضة, القضاء, الحقل الديني, الثقافة, الخ… كل هذه المبادرات ومبادرات أخرى شهدت وتشهد نزيفاً حاداً لم يستطع احد أن يخلص الشهب من آلامه.
- الكثير من الرهانات والتحديات إذن أصبحت في خبر كان وصرفت عليها اعتمادات مالية كبيرة من أموال الشعب, وأصبح معها حلم التغيير صعب المنال.
- ويستمر النزيف ويستمر الألم وتستمر الجراح. ويستمر المسلسل "نزيف الشعب".
أنتهى…
عبد الله بولحيارا
تيزنيت المغرب
deelyara@yahoo.fr
التعليقات (0)