كانت بغداد في يوم الجمعة الماضي وكأنها القاهرة قبل سقوط الطاغية ، أو صنعاء أو طرابلس أو دمشق اليوم.
وبذات العقلية الغبية اللتي تميز الدكتاتوريات العربية الحالية والمخلوعة ، تعاملت الحكومة العراقية مع ملف الأحتجاجات الشعبية اللتي طالبت بالخدمات وبمحاسبة الفساد والمفسدين في صفوفها وصفوف المعارضة والبرلمان .
كما هي أفعال الطاغية المقبور ، وقبل التظاهرات الشعبية ، قامت حكومة كتلة دولة القانون اللتي يرأس فيها المالكي شخصياً وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات ، بأختطاف شباب عزموا على أسماع صوتهم سلمياً لمن انتفخت بطونهم بأموال الشعب ، حتى باتت ملابسهم غير قادرة على أستيعابها ، ولا احد يعرف مصير أكثرهم الى الآن .
وكما تصرفت وتتصرف القنواة التلفزيونية الحكومية السورية والليبية واليمنية ، قلبت قناة العراقية صورة ساحة التحرير بغباء أعلامي مشابه تماماً لذلك اللذي عند تلك القنواة، لتجعل من المظاهرات الشبابية المطالبة بأستقالة المالكي ، مظاهرات مؤيدة له ، وله فقط .
بل أن المالكي أستغل هذه المؤسسة الحكومية لأغراض دعائية ، وأنتقامية من خصومه السياسيين ، وأكثرهم شركاء له في الحكومة !.
وبنفس الأجراء اللذي تفتق عنه فكر وعقل جمال مبارك وحبيب العدلي ، ملأ المالكي الباصات ببلطجية حزبه وأعضاء الشرطة والأمن ،" اللذين تحولوا الى ميليشيا خاصة على ما يبدوا "، وأرسلهم الى ساحة التحرير بعصيهم الخشبية والحديدية ليضربوا المتظاهرين المسالمين ، وليلقوا بهم خارج الساحة ، في غزوة تستحق أسم "غزوة الباصات" أسوةً بغزوة البغال والحمير .
وكما أستمات ويستميت الطغاة لتصوير المطالبين بحقوقهم سلمياً وكأنهم أرهابيين ، ربط المالكي شباب نصب الحرية بالقاعدة والبعثيين والمندسين وكأنه بشار أو القذافي .
العراق ليس ليبيا أو سوريا أو اليمن وهذا صحيح ، وهو بلد ديموقراطي وهذا أيضاً صحيح ، ولكننا لم نسمع أبداً بحكومة ديموقراطية منتخبة تخاف من مظاهرات شعبية !.
كما أننا لم نرى يوماً ، رئيس وزراء بريطانيا أو رئيس الولايات المتحدة مثلاً يمنعان "البي بي سي" أو " السي أن أن" من تغطية مظاهرات مناوئة لحكومتيهما ، أو أن ينزلان البلطجية من أقربائهم وأعضاء أحزابهم للأشتباك بالمتظاهرين العزل ، بل والتحريض على قتلهم بأعتبارهم أرهابيين .
عندما رأينا غزوة الحمير والجمال في مصر ، أصابتنا الدهشة الشديدة ، ورحنا نتسائل عن الكيفية اللتي مكنت حسني مبارك وأفراد حزبه من حكم شعب عريق مثل الشعب المصري لثلاثة عقود من الزمن وهم بهذه العقلية اللتي صورت لهم أمكانية أنهاء الثورة بجيش من البغال اللتي تمتطي حميراً وجمال !.
وعادت ذات الدهشة المثيرة لذات التساؤول ، ونحن نرى ما يفعله وما يصرح به القذافي وبشار وصالح وحمد ..
ألا أننا ، وبعدما رأيناه في ساحة التحرير ببغداد ، لا بد وأن تكون دهشتنا أكبر ، للأسباب اللتي تفرق الحالة السياسية العراقية عن حالة الأنظمة الدكتاتورية القائمة والزائلة في باقي الدول العربية .
وكما في الحالات السابقة ، لابد وأن تدفعنا دهشتنا هذه الى أن نتسائل وبألحاح عن عقلية قادة العملية السياسية في عراق اليوم ؟ وعن المنطق اللذي يحكم هذه العقلية ، أن كان هناك أي منطق يحكمها ، وأعني بذلك جميع ساسة العراق اللذين في داخل الحكومة وخارجها دون أي أستثناء على الأطلاق ، فتصرفات أحزاب المعارضة بأنواعها ، أثبتت على الدوام بأن هذه الأحزاب لا ترى أكثر مما يرى المالكي وحزبه .
كما أن ما يحصل اليوم من ممارسات مرتبطة بالدكتاتورية , مقرونةً بها على الدوام ، في دولة من المفترض انها ديموقراطية كالعراق ، لابد أن يدفعنا ذلك لأيجاد تعريف للديموقراطية العراقية ، اللتي بات شكلها مختلفاً تماماً عن كل أشكال الديموقراطية ، بل والدكتاتورية ، في جميع دول العالم ؟!.
التعليقات (0)