المالكي في مواجهة "أبناء الجاليات"!
بقلم رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل
صراحة المالكي وجرأته اكّدها لنا اكثر من شخص عايشه عن قرب ورغم انني لم التقي بالرجل الا مرة واحدة حينما كان مسؤولا لمكتب حزب الدعوة الاسلامية في منطقة "الصناعة" في العاصمة السورية دمشق في كانون الاول من العام 2000 الا ان ذلك اللقاء لم يغب عن مخيلتي كما لازلت اتذكره وهو يمشي الهوينا الى الحسينية الحيدرية في منطقة السيدة زينب (ع). في ذلك الوقت يهمس بعض المقرّبين منه عن صراع للرجل مع من يطلق على تسميتهم "ابناء الجاليات" وهو مصطلح متعارف عليه بين ابناء الحركة الاسلامية يطلق على مجموعة من الساسة "المدللين" اللذين اتخذوا من لندن وطهران ملاذا لهم من بطش الدولة انذاك!
تحوّلت الايام بأهلها ودار الزمن دورته واصبح نوري كامل المالكي "ابو اسراء" رئيسا للوزراء ولكن يبدو انه قد بقي على ذات الشاكلة من الخلاف المبطن الغير معلن مع "ابناء الجاليات". هؤلاء الابناء اللذين يحاولون الاستحواذ على كامل الكعكة وعلى كامل المالكي ايضا. لكن ديناميكية الرجل وجرأته مضافا اليها قدرته على اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة فضلا عن عدم مشروعية مطاليبهم تمنعهم من اخراج الخلاف او الاختلاف الى العلن وهو مايجعل من المالكي على قمة اتخاذ القرارات الحاسمة من دون ممانعة من احد او مواجهة مع احد.
قرار المالكي الاخير الذي تمثّل في اعفاء ثلاثين مسؤولا بين مدير عام وسفير يشكّل خطوة جريئة تحسب للرجل لا عليه خصوصا لو علمنا ان قرار من هذا النوع لايقدر عليه الا صاحب قدرة. مصدر مقرّب من المالكي ومنا ايضا اكّد ان الغالبية العظمى من هؤلاء المسؤولين قد اتت بهم المحسوبية الى هكذا مناصب مع شهادات مزوّرة وليس من مؤهلات لهم الا قربهم من القائمة الفلانية والشخصية السياسية الفلانية وقد تسلّقوا الى تلك المناصب في زحمة الوضع الامني المتدهور وانشغال الحكومة في ترتيب البيت الداخلي. بيد ان اغلب من تقلّدوا تلك المناصب قد حوّلوا دوائرهم سواء اكانت مديرية او سفارة قد حوّلوها الى بيوت تختص بتمشية امور ومعاملات "ابناء الجاليات" حصرا بينما يتلوّع المواطن العادي على ابوابها ألما وحسرة. هذا التسلّق يمنع هؤلاء من اخراج تلك الموضوعة على العلن وسيكتفي غالبيتهم بما سيقدم لهم من تقاعد مجزي على اعتبار انهم من ذووي "الدرجات الخاصة"!
خطوة المالكي هذه وحسب المصدر هي اول الغيث وان رئيس الوزراء لن يترك فترة رئاسته الا وقد اكمل محاربة الفساد بنسبة كبيرة حيث بدأ للتو بتكليف مجموعة مرتبطة بمكتبه مباشرة تعمل في الخفاء لتقديم قائمة له بالمفسدين في دوائر الدولة وذلك انطلاقا من السلم الوظيفي الاعلى ولان المالكي لايقوى على اقالة اي وزير من دون تشاور مع حزب الوزير فانه اي المالكي قد بدأ للتو في تتبع ملفات فسادهم وعلاقاتهم ومن يدير اعمالهم المريبة في مقدمة للاستفراد بالوزير بعد بتر اطراف الفساد المرتبطة به والتي تسهّل له وتتستر عليه وتفتح له الحسابات البنكية الدولية.
يبدو ان رئيس الوزراء قد انهى مهمته في ملف الامن والاستتباب الامني وقد تحوّل الى ملف الفساد الاداري والمالي وهو مايترجم واقعا وبشكل ميداني برنامجه الذي طرحه على مجلس النواب يوم اختير رئيسا للحكومة. ايا كانت تسمية مايقوم به المالكي سواء اكان خروجا على "سياسة التوافق" كما يسميها البعض او "انقلابا" كما يحلو للبعض الاخر تسميتها الا انها بنظرنا كمراقبين لعمل الحكومة هي خطوة وطنية لابد منها نحو بناء الدولة بصفتها القانونية والدستورية والاخلاقية وليس بالصفة الحزبية والطائفية والقومية كما يريدها الاخرون.
التعليقات (0)