الماضي مخزون المعرفة وكنز الشعور

الماضي هو مخزون المعرفة وكنز الإحساس وفيه ذكريات الطفولة والشباب وفيه متعة العودة بالخيال للأيام السعيدة ومتعة الإحساس بالنجاة من الأحداث التي لها ذكرى أليمة. إن تذكر الماضي هو معايشة حدث قد انقضى والاستمتاع بما فيه من جمال. أما الحسرة علي اقتراب النهاية وعلي ما انقضى من زمن فهو الوجه الآخر من الذكريات. وينتقي الإنسان من ماضيه ما يحب أن يتذكره ويتناسى ما مر به من ألم. وقد يتحسر الإنسان أحيانا علي ما فقد أو علي ما لم يتحقق, ولو فكر قليلا لوجد أن الحاضر هو ما يملك ولا داعي لأن يفسده بتذكر كل سلبيات حياته لأن ما بقى منها قد يكون قصيرا, فلماذا يتذكر الألم ليعيشه مرتين؟ إن ارتباط الشخص بمكان يتمنى لو ذهب إليه, أو بمجتمع عاش فيه يحب أن يعود إليه, أو بفترة من حياته يحب أن يتذكرها, هو ارتباط الروح ببقايا الصور التي لن تعود, وهو نوع من الهروب من الحاضر أو إلحاح الماضي علي العقل استرجاعا للسعادة المفقودة أو تذكير من العقل الباطن لاستعراض المر من الذكريات لبعث الأمل في الحاضر ولإثبات أنه أفضل من الماضي وكل ذلك وأكثر منه محفزات لاجترار الذكريات. وعادة ما تمر تلك الحالة من الحنين للماضي إذا تعرض الإنسان لحدث مشابه لما في ماضيه أو قابل من شاركه في حياته السابقة, أو سمع بموته, أو مر علي الأماكن التي قضى فيها زمنا, أو قابل حبا قديما أو قارن بين شريك اليوم وشريك الأمس, أو تعرض لحالة من هياج الشعور حبا أو حزنا أو سعادة أو زيادة أو نقصا في الرزق. وليس في الحاضر ولا المستقبل أكثر مما في الماضي إلا نقصا من الأجل وزيادة في عدد الأيام التي عشناها في هذه الحياة التي تمر بنا سريعا.