إسماعيل علالي
إن كثرة النقاشات التي أثيرت مؤخرا حول المازيغية في علاقتها بحرف التيفناغ-من حيث صلاحيته أوقصوره- لخير دليل على أن الخط/ الحرف التيفيناغي الذي ارتضاه لسانيو المازيغية –نسبة لمازيغ - وتمت الموافقة عليه-لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى-، لم ينل بعد إجماع كافة المغاربة حيث لايزال موضع خلاف- سواء- بين اللسانيين المغاربة أو بين مكونات المجتمع المغربي الأمر الذي يستدعي-فرضا- استفتاء شعبيا يكون مرفوقا بحجج منطقية و لسانية يقدمها اللساني –لا السياسي- للمغاربة حول الحرف الأنجع والواجب كتابة المازيغية به باعتبارها إرثا مشتركا بين جميع المغاربة ومنصوص على)رسميتها( في دستور2011.
فالملاحظ في عدد من الاستطلاعات التي قامت بها بعض الصحف الإلكترونية تقارب نسب التصويت -نسبيا- ما بين التيفيناغ والخط العربي، لكن إذا عمدنا إلى تحيين هذه الاستطلاعات وتحديد الفئات المصوتة وتصنيفها فسنجدها متباينة سواء من حيث مستوى الوعي اللساني أو من حيث الدافع الذاتي والفهم الموضوعي لهذه القضية اللغوية.
غيرأن الباحث-الموضوعي- في حقل اللسانيات الاجتماعية قد يميل-في نظري- وهو يقارن ويقابل بين العربية والمازيغية إلى ضرورة كتابة المازيغية بالحرف القرآني للاعتبارات التالية:
1أنه لما كانت اللغة هي مرآة العقل التي تعكس أفكاره وثقافته، فإن الثقافة المازيغية هي بالفعل-المنطقي- ثقافة إسلامية ، بدليل أن العقل المازيغي إنما هو عقل مسلم يستقي مفاهيمه و تصوراته –عن الكون والوجود وو..- من منظومة قيم الدين الإسلامي ، وبذلك فإن اللغة المازيغية لا بد وأن تعكس معاني هذه المفاهيم الإسلامية وتعبر عنها وفق نظامها الداخلي الذي يشارك نسق لغة القرآن في عدة خصائص، وليس التعبيرعن ثقافة وثنية- وبعث معجم من العادات والعقائد القديمة-التي نسخها الإسلام وتبرأ منها أجدادنا المازيغ-المغاربة- الأحرارمنذ ثاروا على الكاهنة وكسيلة حين ارتضوا الدين الإسلامي عقيدة ومنهاج حياة، فعبروا عن مفاهيمه وأحكامه بلغة الدين مشافهة وتأليفا-عند مخاطبة الطبقة المتعلمة- وبلغتهم مشافهة- اللهجات المازيغية قبل التقعيد- عند مخاطبة العامة-.
2 أن الرابط النفسي الدافع إلى تعلم المازيغية بخط التيفيناغ ضعيف،لانعدام الحسية به في وجدان الإنسان المازيغي،نظرا لكون التيفيناغ غير مألوف لدى شريحة مهمة من أبناء مازيغ -رغم قدمه- عكس الحرف القرآني الذي يحيل مباشرة إلى دين الإسلام وكلام الرحمن المتجسد في القرآن،وبذلك تكون كتابة المازيغية بالحرف القرآني دليلا على انتماء أبناء مازيغ-خاصة والمسلمين عامة على اختلاف لغاتهم- إلى الإسلام والقرآن الكريم أولا وآخرا،عكس التيفيناغ الذي من شأنه إضعاف انتماء أبناء مازيغ إلى الأمة الإسلامية وهنا تكمن خطورة حرف التيفيناغ –بجدوره التاريخية-على هوية المازيغ –المغاربة-الإسلامية.
3أن أمام اللغة المازيغية تراث إسلامي ضخم -نحو14 قرن- في مختلف الفنون والعلوم لا بد من ترجمته إلى المازيغية حتى يتمكن المازيغي المسلم-كمرحلة أولى- من الإحاطة بدور أجداده في خدمة الحضارة التي ينتمي إليها بالفعل-الحضارة الإسلامية-،بلسان لغته الأم - قبل إتقانه لسان لغة القرآن –الذي هو واجب شرعي- ، مما يستدعي اختيار الحرف القرآني سيرا على خطى علماء المازيغ الأجلاء–القدماء والمحدثون-الذين كانوا يعتمدون الحرف القرآني حين ترجمة مؤلفاتهم أو مؤلفات غيرهم إلى اللهجات المازيغية-ابن تومرت والمختار السوسي مثلا- مادامت اللغة المازيغية تستمد ثقافتها من هذا التراث الإسلامي الذي أنتجته أمة الإسلام على اختلاف أعراقها –أعاجم وعربانا- .
4أن كتابة المازيغية بالحرف القرآني ، سيضمن لها الانتشارخارج حيزها الجغرافي،باعتبار أن أغلب المسلمين على اختلاف لغاتهم على دراية بكيفية تهجئة وكتابة الحروف العربية، مما سيمكن الشعوب الإسلامية-بشكل عام- من التعرف والانفتاح على لغات بعضها البعض-انفتاح الأندونيسيين مثلا على المازيغية والعكس- عن طريق اعتماد الحرف القرآني في كتابة لغاتها-أي لغة الشعوب المسلمة عامة- الذي بموجبه يمكن دراسة نظام وخصائص أي لغة ينضوي شعبها تحت راية الإسلام "مع اختراع رموز كتابية لأصوات لا توجد في العربية وتناسب كل لغة إسلامية على حدة" )اجتهادات لغوية،تمام حسان،ص:144( .
5أن مخارج الحروف متساوية في اللغتين"حتى حرف الضاد، فإنه ينطق به عند الشلحيين-مثلا- كما ينطق به عند العرب سواء سواء.فإنهم يقولون: أضاض للإصبع،ويقولون أبضت من بضعه أو قطعه،ولا يفوت الشلحة-خاصة والمازيغية عامة- من حروف العربية إلا المعجمات منها ،كالثاء والذال والظاء"،و"مما اتفقت فيه اللغتان-أيضا- كاف الخطاب فإنه يستعمل في الشلحة-باعتبارها لهجة مازيغية-استعماله في العربية وكذلك ما الاستفهامية..."وغير هذا مما اشتركت فيه اللغتان.)تأثير العربية في اللهجة الشلحية،المختار السوسي،مجلة لسان العرب،العدد2،ص:-3233(. ،
فلأجل هذه الاعتبارات تترجح -إذن- كفة كتابة المازيغية بالحرف القرآني بدل التيفناغ،مادمت اللغة المازيغة هي مرآة لفكر المازيغي المسلم وتعبير عن كينونته المسلمة .
التعليقات (0)