المارقون الجدد!
تندثر الماديات بسهولة ومن الصعب احيانا استعادتها لنشاطها...ولكن النظريات لا تندثر حتى لو اختفت من الساحة لحقبة طويلة من الزمن!...
فمن السهولة اعادتها الى الحياة من جديد! وما فعله اليهود في القرن العشرين من استعادة لغتهم العبرية المنسية الى الحياة هو خير مثال على ذلك.
فالافكار والاراء والمعتقدات هي نتاج عقلي وروحي بحت،والانسان ككائن حي هو نفسه لا يتغير ولكن المعارف تتراكم عنده بمرور الزمن وتضيف له قدرات جديدة للابداع والتفكير والانتاج والتي من بينها المعارف النظرية كما هي العملية والتي تضاعف لحياته الكثير من التعقيدات بالرغم من قصر الفترة الزمنية التي يحياها!.
القمع الوحشي مهما كانت درجته عالية فأنها لا تستطيع ازالة الافكار والمعتقدات من الانسان حتى لو ابيد شعبا ما!...ولذلك فشلت وعلى مدار التاريخ ابادة الافكار والاراء والمعتقدات التي يمكن اعادتها للحياة مرة اخرى بسهولة الا اذا كانت بدائية وخرافية بدرجة لا تقبل الشك!.
شاع حديث عن الامام علي(ع):امرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين...
والمارقين المقصود بهم هم الخوارج الذين خرجوا عليه واشاعوا الدمار والخراب والفساد نتيجة للتفسير الخاطئ للدين وتعاليمه ورسالته السامية من خلال استخدامهم ادوات عقلية ونقلية بطريقة دالة على ضحالة تفكير وضعف معرفي ادى بهم الى تلك النتيجة المعروفة مسبقا والتي تنتهي بالانسان الى كارثة سلوكية تصل الى حد الاجرام البشع كما يحصل الان!
لان التفكير العلمي المستند على اسس قوية وصارمة من المنهجية الموضوعية هو غير متيسر للغالبية التي تتيه غالبا في بحر من الضلالات الفكرية والسلوكية والتي تحولها الى قطيع يسير بدون وعي او ادراك!.
لم ينتهي عصر المارقين وافكارهم الهزيلة المنافية للتفكير المنطقي والسلوكي السوي...ابدا! فهم موجودين في كل زمان ومكان ولكن الظروف الزمنية المختلفة تؤثر كثيرا على نسبة تواجدهم في الساحة،فكلما كانت الظروف قاسية كلما ظهر المارقين الجدد بأفكارهم ومعتقداتهم المنحرفة كرد فعل عصبي غاضب،والعكس صحيح ايضا! فكلما شاعت العدالة والحرية والمعارف العالية كلما ضعفوا الى درجة كبيرة،لا تصل الى الزوال بالطبع!.
ما قام به المارقين الجدد من قتل للصحفي وناشط السلام الايطالي(فيتوريو اريغوني) يوم15/4/2011 في قطاع غزة،ليست البداية بل هي حادثة بسيطة من سلسلة طويلة من الجرائم البشعة والغير منطقية،التي ابتدأت بقتل عبدالله بن خباب وزوجته الحامل قبل 1400 سنة مرورا بالجرائم الاخرى التي وصلت الى استحالة دماء واعراض الكثيرين من الابرياء بطريقة بعيدة عن السلوك السوي للانسان العاقل! والتي ارتكبت ونسبت ظلما وعدوانا للدين الاسلامي وتعاليمه وقيمه السامية التي لا يستطيع الانسان العالم والعارف، فهمها بصورتها التفصيلية وتدارك كافة اسرارعلومها ومعارفها الروحية والعقلية، فكيف بهؤلاء الجهلاء الفارغين الذين يفسرون حسب اهوائهم وسلوكياتهم الاجرامية المنحرفة!.
ان ماقامت به منظمات القاعدة وطالبان والعصابات الاجرامية الاخرى تحت اي مسمى كان سواء في فلسطين وغيرها هو نتيجة للتطرف الحاصل من الظروف الغير طبيعية التي تسود العالم الاسلامي ككل والذي يؤدي بدوره الى ظهور الافكار والمعتقدات والسلوكيات المنحرفة التي تولد المارقين الجدد بأشكال واطوار عجيبة وغريبة مختلفة عن الماضي بنسبة ضئيلة!.
الجرائم التي حصلت وعلى مدار التاريخ ما هي الا وصمة عار ابدية بحق كل من يعتقد بصحة وصدق هؤلاء المنحرفين بل هو انهيار للمنظومة الاخلاقية التي هي شرط اساسي للسلوك الانساني السوي!...وسياسة الابادة الجسدية المتبعة معهم لن تنفع فهو فكر تنظيري كبقية الافكار الاخرى من السهولة اعادته الى الحياة،ولكن الاولى خلق الظروف الطبيعية التي يحيا الانسان السوي تحت رايتها منذ الصغر ومن ضمنها اشاعة الحوار العقلاني ونشر العلوم والاداب والحث على استخدام القواعد العقلية والمنطقية في التفكير والاستنتاج واشاعة القيم الانسانية العالية من الرحمة والرأفة والقيمة العالية لحياة الانسان والتعايش السلمي واحترام الخصوصيات الاخرى هي الوسيلة الناجعة لابعاد اغلب الفئات الجاهلة او المغرر بها من الوقوع في مستنقع تلك السلوكيات الاجرامية المنحرفة التي لا تتورع عن ارتكاب اخس الجرائم واكثرها وضاعة تحت ستار ديني او مذهبي كاذب!.
الادانة التامة لكل الجرائم التي ارتكبت على هذا المنوال وعلى مدار التاريخ ليس فقط اعادة الاعتبار للضحايا بل وانقاذ ما يتوقع حصوله في المستقبل من غسل دماغي متجدد للمجندين الجدد!.
المارقين الجدد لاتقل خطورتهم عن الطغاة بل هم الرديف الشعبي وان تحاربا ظاهريا!.
التعليقات (0)