المؤمن لا ييأس كالملحد
بين المؤمن والملحد فوارق ومنها: أن الملحد إذا تناهت به الشدة، وأغلقت دونه الأبواب ييأس، ويستسلم للأمر الواقع ، لأنه يحمل نفساً واهية خالية من الإيمان بقدرة إلهية تخرق نظام الطبيعة، وتفعل المعجزات. أما المؤمن فلا ييأس، ولا يعترف بحتمية أي شيء من أشياء الطبيعة على الإطلاق ، لأنه يؤمن بقدرة قادر يقول للشيء كن فيكون، ويجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، فيلجأ إليه، ويسأله النجاة، والخلاص، ويرجو الإجابة حتى ولو كان تحت أطباق الثرى، أو هاوياً من السماء إلى الأرض. قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "لو أن السموات، والأرضين كانتا على عبد رتقاً-أي سداً- ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً"1. وهذا من وحي قوله تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾يوسف:87.
وتسأل: ولكن الله سبحانه يجري المسببات على أسبابها، والنتائج على مقدماتها كما في قوله: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾الأحزاب:62. والقوانين الطبيعية هي سنن إلهية من حيث مصدرها ؟.
الجواب: إن مرجع الأسباب كلها إلى إرادة الله تعالى الذي يقول للشيء، كن فيكون وعليه فمن الممكن ان يوجد سبحانه الحادثة الخارقة بإرادته مباشرة، أو بسبب آخر غير معروف، ولا مألوف، وبتعبير البعض: "من أدار الأمور ذات اليمين يديرها أيضاً ذات الشمال، ويبرئ المريض الذي عجز الطب عن علاجه، ويخلص الأسير الذي أوصدت دونه الأبواب، وينزل الغيث في القيض، وينصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة". 2
ولا شيء من ذلك يتنافى مع العقل، وإن كان نقضاً لقانون الطبيعة، ومخالفاً لما اعتاد الناس أن يروه، ويتصوروه، ونقض القانون الطبيعي ممكن في ذاته، غاية الأمر أنه لا يحدث إلا نادراً، ومن باب الإعجاز كالخوارق التي أشار إليها القرآن، ومنها العصا التي تحولت ثعباناً كمعجزة، ودليل على نبوة موسى، والمائدة التي نزلت من السماء على عيسى، والنار التي صارت برداً، وسلاماً على إبراهيم. وفرق الفلاسفة، وعلماء الطبيعة بين القضايا الرياضية، والقضايا الطبيعة بأن الأولى لا يمكن نقضها عقلاً مثل الواحد نصف الإثنين، والثانية يمكن فيها ذلك مثل أن تكون الورقة في النار ولا تحترق.
والخلاصة: أن العقل لا يمنع، وقوع المعجزات، والخوارق، وإنما يمنع أن تقع عبثاً بلا حكمة موجبة، وضرورة حاكمة، فلا بد للمؤمن من أن يحسن الظن به تعالى، وبقدرته، وعدم اليأس، والقنوط من روحه تعالى، ورحمته مهما اشتدت الأزمات، وضاقت الحلقات. 3
________________________________________
1- بحار الأنوار :22/ 411.
2- شرح الموافقات : 4 / 98 .
3- في ظلال الصحيفة السجادية / العلامة محمد جواد مغنية ص130_132.
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية.
التعليقات (0)