مواضيع اليوم

المؤسسات الدينية وسؤال التجديد

مولاي محمد

2011-05-07 16:53:20

0

 المؤسسات الدينية وسؤال التجديد

بقلم: مولاي محمد اسماعيلي

www.malghad.com

منذ الأحداث الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001 ، والمؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي ترزح تحت ضغط كبير، وذلك من خلال اتهامها من طرف الغرب والمتنورين والليبراليين في العالم الإسلامي على حد سواء، بالمسؤولية المباشرة عن هذه الأعمال، عبر قيامها لسنين طويلة بنشر الأفكار المتطرفة التي تنبذ الآخر وتسعى لإقصائه، أفكار استماتت المؤسسات الدينية في الدفاع عنها وتزكيتها بنصوص دينية تعتبر لديها مقدسة، ولا يمكن أن تخضع لأي نقاش حول متنها أو سندها، فالفقهاء لايزالون حتى في وقتنا الراهن، يصدرون عشرات الفتاوى التي تجيز قتل المخالفين دينيا وعقديا، بل تتجاوز ذلك إلى المطالبة بالقضاء على تاركي الصلاة ولو كان من الإخوة أو العشيرة أو اقرب الأقربين، مثل هذه الأفكار وغيرها شكلت الدافع الأساس للمتطرفين للقيام بمجموعة من الأعمال الإرهابية والتفجيرات في نيويورك ولندن ومدريد وباريس وغيرها من المدن الأوربية والأمريكية وحتى بعض المدن العربية والإسلامية، أماكن يعتبرها الجاهلون من أتباع الديانة الإسلامية أماكن يجوز غزوها، والقيام بأعمال القتل والتصفية الجسدية في حق أتباع الديانات الأخرى والمخالفين بشكل عام.

إن المؤسسة الدينية وجدت نفسها في مأزق كبير بعد كل الأعمال المتطرفة التي شهدها العالم على أيدي بعض الجهلة من المسلمين، لذلك قامت بالعديد من المبادرات من اجل تحسين صورتها لدى الآخرين، وقامت بتنظيم ملتقيات فكرية وندوات دولية حول التسامح وحوار الأديان، وكثر الكلام في وسائل الإعلام عن تسامح الإسلام، وحمله لقيم التعايش وقبول الآخر، بل إن التحرك اخذ أبعادا اكبر عندما تدخلت الدول والحكومات العربية من اجل مسح الصورة السيئة التي التصقت بالمسلمين، وسخرت لذلك إمكانيات مادية كبيرة، واضطرت إلى توجيه رجال الدين التابعين لوزارات الأوقاف لديها، من اجل تليين مواقفهم من بعض القضايا المتعلقة بقبول الآخر، والإنفتاح عليه والتسامح معه، لكن ظهر جليا أن رجال الدين التقليديين لا يجيدون القيام بتلك الأدوار مما خلق مشاكل عديدة لتك الجهات الحكومية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل كل الأعمال التي قامت بها الدول الإسلامية من طنجة إلى جاكرتا أتت أكلها، أم أن الأمور بقيت على حالها ولم يتغير منها شيء نحو الأفضل؟.

إن المشكلة الأساسية التي تواجه المؤسسة الدينية اليوم، هي أنها مازالت تسيرها عقليات متحجرة ممن يسمون بالعلماء، فقد عمل الحرس القديم في هذه المؤسسات على تصفية كل المتنورين وإزاحتهم من مواقع القرار، وتجريدهم من كل مسؤولية تمكنهم من اتخاذ قرارات في اتجاه وضع تصورات جديدة لفهم الدين والنصوص الدينية بشكل معاصر وحديث، يتناغم مع متطلبات العصر ولا يصطدم مع المستجدات التي يشهدها هذا الكون في كل لحظة من اللحظات، وما دامت المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي تحت إمرة أناس تقليديين لديهم مناعة مزمنة ودائمة ضد كل تفسير جديد للنصوص الدينية، فإن وضعها سيبقى على حاله حتى إشعار آخر، ولن نرى سوى ترقيعات وتفسيرات ملتوية لبعض القضايا الدينية، وذلك نزولا عند رغبة أولياء نعمة رجال الدين، وهي تفسيرات لن تغير شيئا في الواقع، ولن تؤدي إلا إلى مزيد من التطرف والغلو كرد فعل على هذه العمليات التجميلية غير المدروسة التي تؤدي عكس المراد منها، وتنتُج عنها تشوهات فظيعة في الفكر والسلوك الإنساني لمن يسمون المتدينين، ويظهر فيها الدين الإسلامي وأتباعه في موقف ضعف يوما بعد آخر، نظرا لكل هذا الإضطراب الذي ينتجه عن نفسه كل يوم.

إن المؤسسة الدينية يجب أن تنتهي من عملية الترقيع التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتأسس لمنهج حقيقي للتغيير والتجديد، تجديد يجب أن يطال النصوص الدينية عبر حذف العديد منها والتي لا تصلح لهذا الزمان، وإعطاء تفسيرات معاصرة لنصوص أخرى حتى تتلاءم مع العصر وإكراهاته، فبدون عملية تجديدية حقيقة ستبقى المؤسسات الدينية مجرد هياكل لا روح فيها ولا فعالية، وإن استمرت هكذا فلن يتطور خطابها الديني، ولن تدفع عنها تلك الصورة التقليدية لدى الآخرين، والتي مفادها أن المسلمين أتباع ديانة عنيفة تسعى لإقصاء الآخر والقضاء عليه بواسطة تأطير أتباعها وتجييشهم من اجل القيام بهذه الأعمال، والتي مازالت بعض الأصوات المريضة في العالم الإسلامي تضعها في خانة الواجب الذي لا يكتمل دين المرء إلا بالقيام بها.

فمتى يفهم القيمون على الشأن الديني في العالم الإسلامي، أن لديهم موعدا مع التاريخ من اجل أن يوضحوا للناس فعلا أنهم يمكن أن يتطوروا، وان باستطاعتهم أن يقرؤوا دينهم قراءة جديدة تكون فيها الفائدة للجميع، وإن أخلفوا هذا الموعد فإن دهورا من التخلف والرجعية والتطرف سترخي بظلالها علينا من جديد، فتكون حينئذ الخسارة فادحة، وتبقى عجلة التخلف والجهل في دورانها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.   

  كاتب وباحث مغربي 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !