هاجس هزيمته لا يزال ساكنا داخله و لأنّه فقد ثقته بنفسه ، حاول التخفي وراء الأشياء و الأشخاص ، صورته الحقيقية بادية و أثر الضعف واضح ، لا يخفى ذلك على أحد ، عانى كثيرا من شراسة نفسه...
كانت رغبته شديدة في جمع أشياء الآخرين و صور أبطالهم و تتبع مآثرهم و التنقيب في مجازات الخوف و المفاجآت ...و مساحات الألغام ....
كانت رغبته مجرد التخفيف بلعبة تسليه ، وتواسيه ، ترفع غبنه...، تشابهت عليه الألعاب القديمة و الجديدة.... ، البريئة و.....، لكنّها تحاصره في زوايا المدينة و مضايق إقامة الأشباح...
كان يلح على اللعب بها في إسراف ، يتأمل وجهه في المرآة المائلة كلما شهق ، يحلم كثيرا و علبة الكبريت التي لا تغادر يده ...، يتردد في رميها في كل وقفة أمام المرآة ، يشعر بالحسرة و الندم على ما جنته يداه المشوهتان ، يلعنهما كلما مسح على وجهه بمنديله القذر ، و من حوله أشياء مبعثرة ، يعبث بها كلما شعر بالضيق ، يرسم حدودا وهمية و خريطة مزيفة ، يحب التنقل بين الأماكن الملغمة التي يظنها ألعابا أيضا ، هاجس الخوف يلاحقه في كل مكان وزاوية ، لا يدري متى .... ، يصيبه القلق و يتوقف عن التفكير طويلا يتردد في كتابة بعض الحروف في ذهنه ثم يبحث عن طريق آمن لنشرها هنا أو هناك... ،
لعل اهتمامه بالجهات الثقافية أأمن بعدما فشل في خوض معركته السياسية ليجد ضالته عند العرب و الأحرار و غيرها مما يراه مناسبا ، يحتوي نزواته الكثيرة و أفكاره الشاردة ، لا يملك لنفسه أدنى صدق فيما يقول أو يفعل أو يكتب ، تحدوه مشاعر الغضب ، تغمره فرحة العبث و تسعده لذة الإثم و تغريه شهوة الحقد ...،و يوما بعد يوم تذوي ذاته ، و لا شعوريا يوثق للآخرين مجدهم و إن كانت بقذارة .....، يخطو خطوات مرتبكة ، تكثر عثراته ، يستند إلى جدار هشّ تآكلت زواياه و فقد تماسكه إلاّ من حزم قش باتت ملاذا لبيض الحشرات محدثة خشخشة ضئيلة مهملة....
ازدادت كوابيسه و أصبحت في النّهار أيضا ، هاجسه الذي لا يتوقف ، أحيانا يشبّه نفسه بكاتب محترف و ليس في جعبته إلا قذارة يتلصص بها على الآخرين و يتطفل على موائد الكرام... ،
تحدثه نفسه باشتهاء عن صنع المجد المفقود ، تدفعه إلى جمع أقوال من أرشيف حلف الشمال و مدونات الجنوب و تقارير البطولة الشرقية و الغربية التي وقعتها أقدام خشنة تؤمن بمعادلة الخطأ و الصواب و لا تعرف الاستسلام ، تدهس قوى الشرّ بما نسجته من قصص عربية و عبر من سير كتاب عظام ، أسلوبها مبهر ومفحم تقديراتها موجعة ....،
أصابه الوهن في التفكير ، يعيد نشرها بأسماء مستعارة مخادعة و مخاتلة ، بالإذن أو بدونه....و لا أحد يسمعه كالعدم ....، الجميع يدرك هذه الحقيقة ، حتى الأشباح و الجن ...،
لا يحسن التلفيق في جمعه لعذب الكلام و تأويل جواهره ، يظنّ نفسه يصنع بطولة و في اليوم يموت ألف مرة ، ينتابه شعور الخيبة كلّما تصفح يوميات الحياة ، تعتصره حسرة التحدي ، يحتقر نفسه عندما يتذكر علاقاته المشبوهة مع الآخرين و يظن نفسه بعيدا عن تعفنه و لا أحد يدرك فضيحته ، يتوهم الأمر بسيطا عندما يركبه شيطانه ، يتذلل إليه ليعينه على لعبته القذرة يطلب وشاية ينشرها في أي فضاء يدخل السعادة إلى نفسه لتنزل به سبعين خريفا في جهنّم و بئس المصير ، في كثير من سقطاته حاول عبثا الجمع بين رأس حيوان و جسم إنسان فيما لفت انتباهه من المقالات و القراءات التي باتت هاجسه المزعج ، و لأنّ شظية أصابته ذات ليلة من ليالي الحرب و أخرى تنتظره ، ولأنّه لا يدرك ما مدى وقع الصاعقة التي تمحقه فترديه حطاما و إن عاش ، و لأنّه انضم إلى ذاته بحب أعمى قال : سأكتب مقالا ملفقا من دون استئذان و أنشره لعليّ أحظى بشيء أحبّه أمحق به عدوي الموهوم ها آه ها آه ها آه ها آه آه آه...........
كانت ضحكاته عليلة ممزوجة بشهقة مكبوتة ، يردد سيرة الأبطال بألم : ليتني كنتهم !!!
لم تتوقف هواجسه .
ينشر وشاياته بغباء يلفق بين كلمات من هنا و هناك و يجترها ، يتسلل إلى حدود العبقرية فتصعقه شراراتها...، ولأنّه لا يحسن غيرها ، يتنقل بين فصول المواقع و الكتابات يتطفل على أهلها ، هنا و هناك كالطفل الهائم بين ألعاب لا يعرف سرها و لا يفقه لغتها و الحال هو الحال ، معتقدا غفلة النّاس عن صبيانياته ....و لأنّه اعتقد ما في نفسه من كوابيس بطولةً ، ظلّ هاجس الآخر جاثما أمامه ليل نهار، و لأنّ الآخر يدرك ما تمليه عليه نفسه من نصائح خائبة أيقن بأنّه لم يستطع التخلص من أوهامه ....
فيتسلل إليه من النافذة صوت عابر ساخر مقتحما صمته البائس : ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها......ثم ينقطع وسط الظلام ......
و مرات يتردد مجددا في موقفه ، يتساءل : ماذا فعلت بنفسي المجنونة و فعلت بي ، من حولي أبطال يصنعون مجدا و يبيتون لياليهم هانئين فكهين ؟ كم أسرفت على نفسي و كم أهدرت من وقتي في حرب الطواحين ، ولو قدر لي لكتبت فيما ضاع ما يجعلني استعيد صورتي الجميلة ، و أتقرب إلى نفسي بصفاء لا بخبث و دهاء ، و أنتصر على غوايتها الفاشلة ، هل يمكنني بهذا أن ألفت انتباه الآخرين ليعجبوا بانتصاري على عدوي الموهوم ، أ هم يسخرون لي أم مني ؟
ما الذي يمنعني من إنجاز نص ماتع أسعد به و أُسعد به الآخرين ؟
ما أغباني لمَ لمْ أتفطن إلى هذا و أنا أبيت ليلي أخوض حربا خاسرة ، و ألعب بنار قد تأتي على الأخضر و اليابس ....، الله أكبر ألله أكبر الله أكبر ، هذا آذان الفجر و إنذار...، يودّع الليل .....
يجمع أشياءه البالية في حقيبة رثة ضربت عليها المسكنة و تداولتها سنون عجاف .
يخرج عود ثقاب ، و باب الغرفة كان مواربا بإحكام ، ينظر من النافدة ، يسترق مشهدا لتعانق النجوم ... ، يتنهد بعمق ، ثم ينام ....تراوده أحلام كثيرة لكنّها مزعجة و عود الثقاب ينتظره و قدمه على فتيل لغم لا يراه .
.
التعليقات (0)