مواضيع اليوم

اللي مالوش كبير يحمد ربنا!

ممدوح الشيخ

2010-07-28 17:31:24

0



بقلم: مـمدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com


من الأكاذيب البلهاء التي نرددها كالببغاء لتأكيد سلطة الأكبر سنا على الأصغر سنا بغض النظر عن استحقاق هذا الأكبر – أيا كان – على من هم أصغر منه مقولة: "اللي مالوش كبير يشتري له كبير"، والكبير لا يشترى ولا يباع إذا كان كبيرا بحق. ولكي يكون الكبير كبيرا بحق فيجب أن تكون أخلاقه أخلاق الكبار، وإلا فإن أبا لهب لمجرد أنه أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم يكون خيرا منه، وحاشا لله أن يكون!
وهذه العبارة المنكرة جزء من ثقافة مختلة تعتبر فيها شرائح واسعة من الناس أن المكانة تسمو كلما زاد الشعر الأبيض في الرأس أو كلما وهنت القوة وانحنى الظهر رغم أن ما يأمرنا به الإسلام بحق هؤلاء هو التوقير لا الطاعة "ليس منا من يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا"، لكن البحث عن الكبير ولو بالشراء تعبير عن التقديس لا التوقير والفرق كبير جدا.
وعامة الناس يرددون هذه العبارة لتأكيد أن الأصغر هو في العراء ويحتاج لمظلة تحميه في تعبير عن حالة من الإحساس بالضعف والخوف في مجتمع لا يقيم للحق وزنا يساوي عشر ما يقيم للتقاليد، حتى لو كانت هذه التقاليد ثمرة خرافة غبية مفادها أن الكبار أفضل لمجرد أنهم كبار، وأن الحقوق التي تترتب لهم هي حقوق مطلقة ومقدسة على طريقة "كلام أخوك الكبير يصير"، وطظ في أي اعتبار أو أي معيار آخر.
ومن النتائج الاجتماعية المأساوية لهذه الفكرة، وهي نتائج لا يتوقف كثيرون للتفكير لدقيقة واحدة فيها قبل أن يطلقوا هذه "الحكمة" كرصاصة طائشة أنها تضع كثيرين تحت سلطة "كبراء مزيفين" أقل علما وأقل كياسة، وفي حالات كثيرة أقل خوفا من الله، لمجرد أنهم أكبر. وأحيانا يكون مما يزيد الطين بلة أن يكون لهذا الأكبر "ولاية شرعية" على الأصغر، عندئذ يتحول هذا الأكبر في نظر نفسه إلى إله لا يسأل عما يفعل، وكم من أب وأم بدلا من القناعة بأنهم "خلفوا" أبناءهم يتصرفون مقتنعين بأنهم "خلقوهم" ورغم أن المسافة بين الكلمتين لا تتجاوز حرفا واحدا فإن المسافة بين المعنيين هي كالمسافة بين السماء والأرض!
وما يشهده المجتمع المصري من جرائم عائلية بشعة بسبب الاختلال في العلاقة بين أطراف الولايات الشرعية يستحق أن نتوقف وأن نواجه – إلى جانب جموح الصغار – استبداد الكبار بسلطتهم التي حصلوا عليها بموجب الولاية الشرعية. فمثلا تشكل الجرائم التي تحدث بسبب الإضرار في الميراث نسبة لا يستهان بها من الجرائم الاجتماعية ومعظمها سببه "كبراء" قرروا أنهم أقدر على تشريع أنصبة المواريث من رب العزة – تعالى الله علن ذلك علوا كبيرا – وهم بالتالي يحجبون ويظلمون... والولاية الشرعية لا يجوز أبدا أن تمتد حدودها إلى تغيير حكم شرعي.
ومن المنابع الرئيسة لاختلال العلاقة بين الآباء والأبناء تبجح بعض الأباء على الحق والحقيقة باختصار علاقتهم بأبنائهم في قاعدة واحدة تحقق غرضهم، وذلك بترديد حديث للرسول يلوون عنقه ليريحوا ضمائرهم ويسكتوا صوت الفطرة في أعماقهم، وهو قول الرسول: "أنت ومالك لأبيك"، فمن قال هذا الحديث هو نفسه من أبى الشهادة على فعل صحابي أراد التفرقة بين أبنائه بأن منح أحدهم هدية دون الآخرين فقال بلا مواربة: "لا تشهدني على جور"!
وأعرف أُمـّا تخلت عن كل معنى يمكن أن تعنيه الأمومة حتى في عالم الحيوان واستخدمت السحر في محاولة السيطرة على حياة أبنائها فأضرت ببعضهم أبلغ الضرر – وهو فعل مجرم في قوانين كل الشعوب وشرائع كل الأديان – ووقف أبناؤها المتعلمون، الذين يبدو من ظاهرهم أنهم متدينون، لا يقدرون على الخروج عن سلطة "الكبار" بينما هي تتبجح بأنه "حرة في ولادها"، هكذا بتبجح جاهل.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم امتدح الشباب غير مرة وأكد أنه عندما بعث بالإسلام أيده الشباب وعاداه الكبار، وبعض الكبار قال عنهم رب العزة: "وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ"(يس: 68)، وبعضهم قال عنهم رب العزة: "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُمْ مَن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَىْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا"(النحل:70)
وإحساس البعض بالحاجة للكبار مما يشير إليه معنى رباعية رائعة للشاعر المبدع صلاح عبد الله، فهي تصور نموذجا لهذه الرغبة الغريبة في سعي البعض طواعية لوضع قيود في أيديهم لمجرد الانصياع لمجرى نهر الاعتياد، يقول صلاح عبد الله:
قالوا لطور اتمنى واطلب يا طور
قال نفسي في الحرية زي الطيور
كسروا السواقي وسرحوه في الخلا
ساعة .....ولقوه في مكانها عمال يدور
فيا أيها الناس: اللي مالوش لا يبيع ولا يستلف ولا يوجع دماغه نهائيا، صدقوني .... اللي مالوش كبير يحمد ربنا!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !