إذ تخلو الدنيا من كل عطر ،وتفرغ الحياة من شعاع الأمل ،وحين تنقلب المفاتن إلى أشباح سود ، ويتحول الجمال إلى وجه مجدور ،أو ملامح تمشي في خطوطها الرغبه المشبوبة الفاضحة دون سماع استغاثتها،عندئذ يصبح الوجود عليها أعباء متراكمة ، وتصبح حياتها ظلمه في اثر ظلمه ،وفي هذه أللحظه ينتهي الأمل ويحل اليأس، وتنطفئ ومضاتها الحلوة الناعمة وتذوب حلاوتها التي كانت تملأ إرجاء حياتها ، فإذا تم ذلك ، تركز خيالها في التخلص من هذه الحياة ، إذ إن على قدر الخسارة يكون الجزع وعلى قدر الشعور بها تكون الآلام وتكون وصاية الغير سوط يلهب ظهورنا تيمنا بالأعراف الباليه المترسخه وقوالب التقاليد المتوارثة الجامدة ..
الكل يشتهي البكاء على كتفي !! التفت يمنه ويسرى فلا أجد من ابكي على كتفه وأنا الاحوج للنحيب ، مابال هذا المساء الكئيب ، لم تعد أقداح الشاي ولا السكائر تؤنس وحدتي ، لم تعد تلك الأوراق حماماتي البيض متنفسي للبوح !؟ إذن بأي رئة أتنفس !؟ ماذا جرى وهذا الليل يصم إذنه عن سماع حشرجة أنفاسي..فجأة رن هاتفي النقال بنغمته الكلاسيكية الغريبة كحياتي وسط هذه ألغربه الكابية،مَّن يفكر فيَّ ألان ، مَنّ له ذلك البال الرائق للاتصال بي وسماع هذياني ، الرقم غريب !! ياترى مَّن المتصل؟ سأتركه يرن ويصمت لوحده !؟
- كن موضوعيا وأجب على من يهاتفك في هذا الصمت الموحش والليل في الهزيع الأخير.
- لطالما كنت اتسم بالموضوعية حتى بت موضوعيا أكثر من الموضوعية نفسها ،وحياتي كانت عبارة عن وسواس موضوعي لكثر ما تردد وألتزم بقوالبها وقدسيتها ، ليس بعد ألان ..لا احد يطالبني أن أكون موضوعيا ، لم اعد احترم تلك المفردة التي ألجمتني وأورثتني الخرس ، وفي الحقيقة لا اعرف ماذا تقصد بالموضوعية هل من الموضوعية أن أرد على اتصال عابر مجهول في هذا الليل البهيم!؟الكل يطالبني بالموضوعية .. أحفظ يا ولد هذا القالب عن ظهر قلب انه ينفعك (لأتفكر في المجد الذي سيهبه لك الآخرون بل فكر بما يمكنك أن تقدمه لهم في حدود إمكانيتك ) لتوصف بأنك موضوعي وترضي من يحيطون بك ، كان الأستاذ يركز على أن نكون موضوعيين في ألكتابه ويردفها بالرؤية التحريرية ، لنتكلم بموضوعيه ونأكل بموضوعيه ونلبس بموضوعيه ونمارس الجنس بموضوعيه ،حتى سأمنا الموضوعية ومن يتمشدق بها ،وأضحت تلك المفردة تطوق أعناقنا بقيد من الرتابة والتكرارية التي لأتفرق عن الثرثرة الممجوجة دون طائل ، ليس لها معنى بالنسبة لي سوى أنها اللف والدوران في حلقة النفاق،وتتيح له اصطناع الاقنعه ..
- ماذا يريد هذا المتصل ؟ لذ لي استمرار سماع تلك النغمة المنسدلة بعذوبة ترنيمه حزينة لعازف يتصنع البهجة ليزرع ثمة أمل في نفوس كدها القهر ،ولكن يجب علي أن أرد لأكون موضوعي .
- تفضلوا من المتصل ..
- بل قل من المتصلة ماذا جرى !؟ هل أن سحنة صوتي الأنثوي الجميله تغيرت إلى هذا الحد وصارت لأتُميز، إنني أنثى ياسيدي وليس كأي أنثى ، الحقيقة ترددت كثيرا في طلب هذا الرقم ، ولكن شعوري بالوحدة هو الذي دفعني إلى الاتصال ، إنني احتاج لمن يسمعني أرجوك هل لديك الوقت لتسمعني ؟ إنني اانثى تستغيث ، بدءا لنكون أكثر صراحة ووضوح وأكثر تحررا ، إمامك أنثى تبحث عن ذكر متفهم هذا كل مافي الأمر ، هل لديك الاستعداد ، أنثى جميله مهمله تستغيث بك صارخة طال ليل أنينها..ولكي أكون معك صادقه ، أولا احتاج إلى الاطمئنان على فحولتك ، قل لي بصراحة هل أنت ذكر كامل الرجولة لكي لاادخل دوامة استجداء المشاعر من جديد ، اخبرني أرجوك ،
- يالهذا الرقم الوسيم المتصابي الذي دائما ما يزجني في متاهات إنا في غنى عنها ،ولماذا أنا بالذات وليس احد غيري! دائما كنت المنقذ ولااحبذ خوض هذا الدور بعد ألان .
- هل تكلم نفسك أرجوك اسمعني
- سأدع هذا الباب في الكتاب مفتوحا وأنصرف لسماع قصتك ، سأعمل بوصية كافكا(على المرء إلا يقرأ ابداَ إلا تلك الكتب التي توخزه ) ، بماذا عساني أن أخدمك سيدتي ، ولا تنتظري مني حلا موضوعيا لأنني ألان لست بصدد الموضوعية لعلاج مشاكلي فضلا عن مشاكل غيري ، وهذا عهد قطعته على نفسي .
- مع إنني لااعرفك ولا استطيع تخيل ملامحك إلا إنني اعتمد كثيرا على حدسي في تشخيص طبائع الناس وحدسي قال لي انك منقذي فلا تبخل علي بإسداء النصح والمشورة وربما الخبرة ، لأنك كما يبدو من كلامك موضوعي وتتحلى بروح موضوعيه .
- حتى أنت !!..سأقطع المكالمة ولتذهب الموضوعية إلى الجحيم .
- تمهل إنني أمازحك ..قصتي يا صديقي الغريب هي إنني امرأة اربعينيه - متزوجة وغير متزوجة - أم لبنتان، يوم بعد يوم أراهن تكبران وأكبر معهما ، زوجي قعيد الكرسي بعد حادثه آلمت به قبل سنه وصار يتحرك بواسطته ؛ ولاامل في شفائه لأنه عاجز كليا، يجلس صامتا طوال النهار كمومياء ، وأنا اندب حظي العاثر، والشيب بدء يغزوا مفرقي ،وأنا أعيش وسط مجتمع لايحترم ألامرأة المطلقة مجتمع تحكمه الأعراف والتقاليد يعتبر إن لاعذر معقول لطلاقي من هذا الرجل العاجز ، حتى لو استصدرت حكما من المحكمة بالطلاق لصالحي ، ستضل تلاحقني اللعنات وسأرمى خارج البيت بعد اخذ بناتي مني ، وكثيرات من مثلي ممن لديهن أولاد .. أرامل ترملن بفقد أزواجهن في الحروب ، والأسر،والإرهاب ، والفقد، وبقين يندبن حظهن كون الامراة التي تفكر في الزواج ثانية ستنبذ من أهلها وتصبح خارجه عن الأعراف والتقاليد التي توجب على المرأة أن تعيش على ذكرى زوجها الأول حتى وان كانت لازالت بربيع الشباب كحالي ،ولمن فقدت زوجها شهيدا أو فقيدا خيرت بين الزواج بأخ الزوج المتوفى عنوه أو البقاء عزباء لترعى أبنائها دون التفكير بزوج آخر ، وإذا ماخالفت ألامرأة منا العرف فأنها تكون علكه ُيمضغ اسمها بين فكوك نساء القرية إذ يجب عليها أن تضحي (وتظفر شعرها شيب ) وتقضي ما تبق من عمرها متبتلة صابرة حتى الممات ليقول عنها الناس أنها عفيفة ،أثرت التضحية من اجل أولادها ولم تتزوج قط .. هذا ما هو سائد بالضبط فلا تقول لي اطلبي الطلاق ، إنما اسرد إليك حكايتي لتطلع على مدى تعاستي وجفاف حياتي وبؤسها ، والجدب حين أوي لفراشي البارد ، احتاج ذكر يفهم مشاعري، احلم بهزة حب ، ارتجافه عاطفة ، حنو يضمني بين جناحيه ، ما عدت افرق بين الأيام ، كل أيامي تتشابه ،اقسم إنني لست عاهرة ولا أتصنع ، ولاينطبق علي أي وصف غير إنني أنثى تحلم بذكر كامل الاهليه ، يفهم مشاعرها ويلبي حاجاتها ، وهذه قصه من بين آلاف القصص التي يطمرها العرف والتقاليد تحت ركامه خشية فضح خصوصية العوائل في مجتمعنا المغلق ، أتمنى أن تفهمني وتجيبني ، لنحدد اللقاء فأنا على أحر من الجمر لذلك اللقاء هلا سمعتني .
التعليقات (0)