الليبرالية والعلمانية دواء لا داء
لولا الليبرالية ما تخلصت فرنسا من سطوة الكنيسة وهيمنة رجال الدين الذين كانوا ضد العقل والعلم وحرية الفرد ، ولولا العلمانية ما بُنيت بأوروبا المساجد والمعابد وكان الفرد فيها حُراً لا يخشى إلا القانون الذي لا يُحابي أحدا ، إنها "الليبرالية والعلمانية" مفردتان وقيمتان بشريتان لا نظير لهما الليبرالية والعلمانية ليستا ديناً ولا مذهباً إيديولوجياً هما نظاما حياة وضرورة لإستمرار الحياة والسلام الذي يتهاوى بفعل الخطاب المتطرف الناتج عن العقل التدميري الذي لا يؤمن بحقيقة الأرض لله والوطن للجميع .
لو تعمقنا قليلاً في التاريخ لوجدنا أن الصراعات القومية والدينية والمذهبية كانت تأكل الأخضر واليابس بأوروبا المتحضرة حالياً فكل طائفة كانت تظن أنها على حق وأنها الأولى بالأرض ومن عليها من غيرها ، بعد عقود طويلة من تلك الصراعات الدموية المقيته خرجت أوروبا من أزماتها مغلبةً صوت العقل على أي صوت فكان خروجها إيذاناً بميلاد عهدِ جديد عهدِ تتربع فيه أوروبا على عرش التقدم والمواطنة والمساواة والتسامح والتعايش والبناء والتطوير ، لم يكن خروجها سحراً ولا ضرباً من ضروب الوهم بل كان حقيقة وما يزال فهي "أوروبا" استمعت لصوت العقل وغلبت العقل على العاطفة وتخلت عن الإيديولوجيا الدينية والمذهبية المتطرفة وجمعت الفرقاء ولم يكن الدواء سوى العلمانية السياسية والليبرالية الاجتماعية اللتان لولاها لبقيت أوروبا في ظلماتها حتى هذه اللحظة ، العلمانية بمفهومها الغير مشوه هي فصل الحياة اليومية عن الدين بمعنى ترك ما لله لله وما لقيصر لقيصر فالمجتمع الواحد يجمعه قواسم كثيره لا يمكنها البروز والظهور إلا في بيئة صحية وحيوية لا تشوبها شائبة ، الليبرالية بمفهوما الصحيح السليم هي الحرية الفردية المحكومة بالقانون المراعية للخصوصية الفردية هذه هي الليبرالية التي لولاها ما نهض المواطن الأوربي من تحت الركام ، في مجتمعاتنا العربية هناك لغط كبير يلف الليبرالية والعلمانية فتلك القيمتين البشريتين تعنيان الإنحلال الأخلاقي والتفسخ والإلحاد والرذيلة ورفض القرآن والشريعة الإسلامية ، ذلك اللغط يعود إلى خوف التيارات الدينية ورجال الدين من تحرر الأفراد من سطوتهم التي لو سقطت لسقط معها الكثير من الآراء والإجتهادات الفردية ، لو آرادت المجتمعات العربية التخلص من مشكلاتها الكثيرة فعيلها التفكير جيداً في الليبرالية كوسيلة فكرية واجتماعية واقتصادية للتحرر من كثيرِ من الممارسات والسلوكيات التي تؤخر خطوات التحديث والتطوير ، أيضاً عليها دعم عملية علمنة المؤسسات الرسمية والشأن السياسي فعلمنة المؤسسات والشأن السياسي تعني المدنية وسيادة القانون وتحقيق دولة المؤسسات على أرض الواقع وتسارع خطوات التحديث وتمكين المواطنين من حقوقهم ومشاركتهم في صنع القرار ، علمنة الشأن السياسي تحافظ على وجود الدولة وتعزز من صمودها وليس كما يعتقد البعض لبرلت الشأن الاجتماعي تعزز المواطنة وتحفز المجتمعات على ممارسة ما تعتقده صواباً دون خوف من أحد وتدعم الإبداع فالمجتمعات بطبعها ليبرالية والأنظمة السياسية في أصلها علماني بحت وتاريخ الأمم والشعوب شاهدُ على ذلك فلا علمانية حقيقة من دون ليبرالية اجتماعية ولا ليبرالية اجتماعية من دون علمانية فهي الأرض الصلبة لكل عملية تحديث وتغيير ينهض بالأمم والمجتمعات ..
التعليقات (0)