اللواط والجنس الثالث
اللواط والجنس الثالث موضوعين مختلفين عن بعضهما لكنهما متداخلين في ذهنية المجتمع . فحين يستمع أي شخص الى أحدى هاتين المفردتين ستأتي المفردة الثانية في ذهنه على الأغلب.
الجنس الثالث أو (الجراوة – جمع جرو -) كما يحلو لمجتمعنا في العراق تسميتهم من باب التحقير والاهانة . وهم :(كل من لديه ميول أنثوية لأسباب فسيولوجية (جسمانية ) أو لأسباب سايكولوجية (نفسية) . تعرض هؤلاء قبل سنوات لعمليات قتل وتعذيب منظمة . وقوبلت بقبول اجتماعي نسبي لا يستهان به . فمن يسمع بخبر تعرض (جنس ثالث) للقتل كان يقول مثلا : ( يا أخي من أيدهم لعنة الله عليهم ذولي اللوطية السفلة لازم نردعهم ونوقفهم عند حدهم ) سمعنا كثيرا هذه الكلمات أو ما يشابهها .
وطبعا ليس كل جنس ثالث لوطي كما هو شائع فكما ان في الرجال من يمارس الجنس خارج العلاقة الزوجية وفي النساء من تمارس الجنس خارج العلاقة الزوجية كذلك في الجنس الثالث من يمارس الجنس خارج العلاقة الزوجية لكن هذا لا يعني أن كلهم يمارسون الجنس بهذه الطريقة . المثير للأهتمام هو ان من يتشفون بمقتلهم ويبررونه ناس عاديين بسطاء طيبين لا يستطيعون قتل عصفور . وحين تساله عن السبب الذي يجعله يتقبل قتل انسان يقول لك :( أنا ضد القتل لكن اللواط عمل مشين يهتز له العرش . ويغضب الله )
والحقيقة ان السبب الرئيسي ليس هذا . أبدا ليس هذا . مطلقا ليس هذا . الكلام عن أهتزاز العرش وقبح اللواط هو الحجة التي يتذرع بها هؤلاء أمام أنفسهم حين يشعرون بالتشفي لمقتل أنسان يعاني من تغيرات جسدية نفسية قاسية . والحقيقة أن السبب الرئيسي لمعاناة هؤلاء من خلل فسيولوجي أو نفسي هو المجتمع نفسه , وفي كلا الحالتين .
ديكور المجتمع
نعود للسبب الحقيقي لتشفي شريحة من المجتمع لتعرض هذه الفئة للقتل . السبب الحقيقي والجوهري هو (ديكور المجتمع ) . كل شيء يخدش ديكور المجتمع يثير غضب المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء . المجتمع يحب المحافظة على شكله الخارجي الى درجة لا تصدق .
فهناك أمور يهتز لها العرش أيضا لكن لأنها غير ظاهرة ولا تؤثر على ديكور المجتمع لن تجد من يهتم لها بنفس الدرجة من الانفعال . ومن هذه الامور ( اللواط الموجب) وهذه التسمية مصطلح عرفي يعني الذكر الذي يأخذ دور الذكر في العملية الجنسية مع ذكر اخر
لأن اللوطي الموجب لا يبدو على شكله الخارجي شيء غريب ولا يبدو عليه الأنوثة ولا يبدو عليه غرابة الاطوار . مع أن الحكم الشرعي للواط واحد في كلا الحالتين ألا أن المجتمع يثار غضبه مع (اللواط السالب – الذكر الذي يأخذ دور الانثى مع ذكر) بطريقة أنفعالية مفرطة . وينتقد اللواط الموجب على أستحياء في حالة أنك أثرت الموضوع .
القوي المعتدي
لو صادف أمامك شخص يتحدث عن سوء فعل (الجراوة )وعدم أستحقاقهم للحياة . جرب أن توجه له السؤال التالي :
( الذي يمارس مع هؤلاء الجنس أليس لوطي أيضا ؟ لماذا لا تتحدث عنه بنفس الحرقة ) سيحاول أن يدعي الصدق وينال من اللوطي الموجب . لكن سيتبين لك بكل وضوح انه ليس مهتم جدا لامر اللوطي الموجب وينتقده فقط ليثبت أنه منفعل لأن الفعل مخالف للشرع وللأخلاق . أن السبب الحقيقي لهذا البرود تجاه اللوطي الموجب هو لأنه لا يؤثر على ديكور المجتمع . فهو أنسان عادي ظاهريا وليس فيه ما يدعو للريبة . لذلك لا يثير أعصاب الذين امنوا وعملوا الصالحات .
المشكلة تكمن في التغاضي عن القوي المعتدي بشكل مثير للدهشة . اللوطي الموجب يعتبر رجل يمارس رجولته بشكل مفرط ( نساء وغلمان ) أما اللوطي السالب أو الجنس الثالث أو غيرها من التسميات على أختلاف مقاصدها ومراميها وحقائقها فهو رجل ناقص الرجولة يجلب العار لغيره من الرجال . لذلك فهو يثير غيرة المجتمع على دينه .
لو كان السبب الحقيقي وراء مقبولية تعرض الجنس الثالث للقتل هو حرمة اللواط وغضب الله وأهتزاز العرش لوجدنا نفس رد الفعل وبنفس القوة تجاه اللوطي الموجب لكن هذا الاخير يتمتع بدرجة عالية من الحصانة الأجتماعية . كونه لا يؤثر على شكل المجتمع .
القتل خطأ ورد فعل أما اللواط فجريمة عظمى
هم يعلمون جيدا ان القاتل الذي يقتل هؤلاء قام بفعل أكثر سوء من الناحية الشرعية وهو (القتل) وقد يقول لك (أن قتل هؤلاء خطأ ولا يجوز شرعا. لكن هؤلاء تجاوزوا الحدود وفعلوا ما لا يسكت عنه ) . هم يعلمون جيدا أن القتل أكثر حرمة من اللواط شرعا. ولو كان حديثهم ينطلق من باب الحرام ومخافة الله فمن باب أولى ان ينفعلوا بشكل أشد على القتل . لكنها خدعة يخدعون بها أنفسهم قبل غيرهم .
ليقنع أحدهم نفسه بأنه غاضب لأجل الدين يقول ان القتل خطأ ولا يجوز شرعا لكنه سيضع بعدها مفردة (لكن ) تلك المفردة التي تدل أنه سيبرر ويقلل من سوء فعل القتل ويضخم فعل اللواط . حين تجد أحدهم يتأسى على مقتل شخصا ما مهما كان سبب القتل ويترحم عليه ويستنكر مقتله ثم يقول مفردة ( لكن ) فتأكد انه سيبرر القتل .
نتاج المجتمع
بسبب المجتمع يعاني (الجنس الثالث) من خلل فسيولوجي أو نفسي او كليهما . لكن المجتمع لا يشعر بمسؤوليته تجاه هؤلاء ويميل الى التخلص منهم والتبرء من فعلهم . لأنهم ذكور يتصرفون كأناث . ويشوهون شكل المجتمع المثالي المتكون من ( ذكور كاملي الفحولة والرجولة وأناث كاملات الأنوثة والحشمة ) . المجتمع هو من ينتج ذكور لهم ميول أنثوية سواء من خلال توريثهم جينات مسؤولة عن هذه الحالة أو من خلال العقد النفسية التي تصيبهم بسبب الضغط الاجتماعي في العائلة بصورة خاصة أو المجتمع الكبير بصورة عامة . والمجتمع الذي لا يتحمل النتائج السلبية لتفاعلاته هو مجتمع غير مسؤول . المجتمع الذي لا يقدر على تحمل جزء من المسؤولية الاخلاقية في ظهور ظواهر سلبية هو مسؤول عنها هو مجتمع فاقد للأهلية . ان ما يثير أشمئزازكم يا مجتمعنا الفاضل من مناظر مخجلة للجنس الثالث هي في الواقع نتاجكم يا سادتي , المجتمع الذي يتفاخر بأبنائه الطبيعيين وينبذ أبنائه الغير طبيعيين هو مجتمع لم يبلغ سن الأهلية الاجتماعية ويحتاج الى سنوات طويلة ليفهم حقيقة تحمله جزء كبير من مسؤولية معاناة الجنس الثالث والمثليين جنسيا .
ليس فقط في عالمنا اللواط أمر غير مقبول أخلاقيا . وليس فقط في عالمنا يتعرض الجنس الثالث لضغوطات . لكن المميز في عالمنا هو تقبل تعرضهم للتعذيب أو القتل . هناك مجتمعات أوربية لا تتقبل فكرة المثلية الجنسية وولا تتقبل الجنس الثالث ووجدت من خلال نقاشي مع أصدقاء أوربيين ان هناك من يشمئز من اللواط وهناك من يحمل كراهية تجاه الجنس الثالث . حتى في الولايات المتحدة شاهدت مرة برنامج عن مظاهرة أحتجاج نظمتها كنيسة أمام مدرسة للمثليين جنسيا . لكن لا يصل الامر الى القتل والتعذيب ولا يصل الامر الى تشفي المجتمع بقتلهم .
العلاقة الشيئية مع الاخر
حين نستخدم مفردة (مجتمع متخلف) على شريحة لا يستهان بها من مجتمعنا تتشفى بقتل الجنس الثالث فهذا لا يعني الاهانة لهذه الشريحة ولا يعني ان اللواط تحضر وتطور بل هو وصف مجرد . فالمجتمعات الاوربية كانت قبل قرون من الزمن تحرق اللوطي على رؤوس الاشهاد . وبكل برود . وبمباركة الشعب . لكنهم بعد تجارب مريرة وصولا الى مرحلة يتحملون فيها مسؤولية ما ينبثق من مجتمعهم من ظواهر سلبية وشاذة . ووصلوا الى قناعة أن الاخر يجب ان يتعاملون معه على اساس التفهم وليس الألغاء .
نحن نتحدث عن موضوعين منفصلين لكنهما متداخلين وهما :( الجنس الثالث واللواط) فهذين الموضوعين منفصلين عن بعضهما لكن هناك تداخل كبير في ماهيتهما في ذهنية مجتمعنا .
المعظلة لا تكمن في مدى أخلاقية اللواط . فانا ممن تشمئز نفوسهم من اللواط . لكن يجب ان نتفهم أن اللوطي انسان عانى من مشاكل نفسية أومشاكل فسيولوجية أو كليهما سببها المجتمع في الحالتين . وعلى هذا المجتمع ان يتحمل مسؤوليته تجاه الظواهر التي تعبر عن نفسها بسببه . وقصة المجتمع الفاضل المعصوم . يجب ان تنتهي ويجب النزول الى الواقع ومعرفة حقيقة أن المجتمع هو الملام الاول لظهور أفراد لديهم ميول مثلية . أو لظهور أفراد لديهم مشاكل نفسية فسيولوجية في تحديد جنسهم .
لكن الواقع يقول أن المجتمع ينظر للمختلفين عنه نظرة شيئية . يراهم مجرد أشياء غريبة . وليسوا جزء من المجتمع . مجرد أشياء غريبة لا ينطبق عليها معيار الأخلاق . فلا يبالي المجتمع بتعذيبهم بل قد يؤيد ذلك . ولا يبالي المجتمع بقتلهم وقد يترحم على قاتليهم ليل نهار . ففي اللحظة التي ظهر عليهم أختلاف يخدش في شكل المجتمع تحولوا الى أشياء وأجسام غريبة يجب التخلص منها .
يقول الدكتور مصطفى حجازي :
(في المجتمع المتخلف) تنعدم علاقة التكافوء لتحل محلها علاقة التشيؤ . بدل علاقة انا – أنت التي تتضمن المساواة والاعتراف المتبادل بأنسانية الاخر وحقه في الوجود , ذاك الاعتراف الذي يشكل شرط حصولنا على أنسانيتنا من خلال أعتراف الاخر بنا كقيمة أنسانية , بدل هذه العلاقة تقوم علاقة من نوع انا – ذاك ذاك هو الشيء ذاك هو الكائن الذي لا اعترف به , بأنسانيته وقيمتها , أو بحياته وقدسيتها بأعتباره شيئا يصبح كل ما يتعلق به أو يمت اليه مباحا .
المصادر :
1- مصطفى حجازي – التخلف الاجتماعي- 39
التعليقات (0)