اللوحة الصاخبة
بدات تطير فرشاه . كالمجنونة تلوح .. تنتفض بخشونة .. تتناثر الالوان و تسقط مسكوبة على اللوحة ..شي من هنا و شي من هناك .. تقتل البياض بسواد قاتم .. و احمرار اخر . و اللوحة تعيد نفسها كل مرة . لكن الضحايا يختلفون في الشكل و يتشابهون في العرق . و المشهد واحد . و الالوان نفسها . السماء هي السماء .. ترتدي خمارا من غبار البنفسج الذي ما زال يغطي اصابعهم .. عيون تبحث عن رضا الخالق في رياض الاسفلت .. تفترش الارض تضرعا و هي تطلب المغفرة .. من ذنوب لم تقترفها .. او قد تكون صغيرة لا يؤاخذهم عليها الرحمن .. خطاياهم تكاد لا ترى امام كبائر قاتلهم .. افترشوا من الارض بساطا ينقلهم الى السماء لبعض الوقت ليجدوا انفسهم فيها و لا يستطيعون العودة .. و تترك اجسادهم راقدة بسلام ان وجدت .. مع جسد قاتلهم الفاني ... شموع تملا المكان و الايدي التي فارقت من كانت تعانقهم بالامس القريب .. لم تحتمل الارض رفع اجسادهم التي كانت تطير فوقها ... لانها لم تقترف ذنب وئدهم الجماعي ..و لم يكن للسماء ان توقف ارواحهم في الاثير معلقة .. فتنقلهم عبر الطبقات الى الجنة .. و هي تتشرف بمرورهم ارضاءا لرب العزة ... و كان ابطال اللوحة يمثلون باجسادهم هول القيامة ... و هم يرسمون بالوانهم اعراقهم .. و مذاهبهم ... يشكلون صفوفا . يعبرون بها عن تماسكهم . و و حدة قضيتهم يتضرعون لله وحده . و لا زال البنفسج يلون اصابعهم التي يلوحون بها للتوحيد ..... كانها نافذة تطل على الحادث . تلك اللوحة . تتسائل . ترى هل كانوا يغيضون قاتلهم بصلاتهم . ام بوحدتهم . ام بايمانهم . لم تكن ادوات الموت المفاجئ تملك لوئدهم سببا .
فوق الاسفلت و العربات تشتعل بنيران الفتنة . و الناس يشعلون شموعهم التي ملأت المكان من ذات النار التي التهمت ذويهم . بعد ان توارى الجاني خلف غبار الحادث .. و لم يفصح عن غموض جريمته . لكنه مهما توارى او اختبئ .. يشير اليه الملا بالاصابع البنفسجية ذاتها التي اعطته القوة لارتكاب الجرائم . و ان لم يكن هناك دليل فالناس اصبحوا يعرفون الجاني . و يدركون ايضا انهم السبب في تلك الحادثة . و دليل ادانتهم لازال يلون اصابعهم . لانهم ببساطة نصبوه واليا عليهم . حتى ردت الفعل كانت سلمية , فهم اشعلوا الشموع على ارض الضحايا ندما على اختيارهم . و تابينا لارواح شهدائهم . ارادوا ان ينسوا ذلك المشهد عندما غادروا المنصة صامتين يحملون الاشلاء في صناديق الخشب حيث تتجه نحو تربتهم . ليعيدوها التراب مرة اخرى . حتى نياح الثكالى . كان خافتا مصحوبا بالم الذكريات لاناس كانوا هنا قبل قليل و لم يعودوا بعد رحيل مفاجئ . كل ما تبقى منهم صورهم المحمولة بين كفوف اطفالهم . عجيب هو النسيان ..... حين ينقلهم من حزن الفراق الى الواقع الذي عليهم تقبله . لم يعد في مسرح الجريمة سوى الرسام الذي مازال لا يعرف كيف يختم لوحته و أي لمسات سيضيف الى تلك الفاجعة . التي سببها البشر . ارادوه ان يرحل و يترك الماضي لطي النسيان . عسى ان لا يتكرر مثل هذا المشهد . لم يعد للتاريخ الذي تخلده اللوحة من اهمية . فاجبروه على الرحيل . كي لا يعيد بصور لوحاته الآمهم . و لكي تبقى ذاكرتهم خالية من المأساة . فكسر فرشاه و حمل لوحته التي لم تكتمل و اختفى في الغبار كما يختفي القاتل الذي توارى خلف كرسيه الذي يحميه . من غضب الجموع . فلم يبقى للجريمة اثر بعد ان استحم الشارع بالماء ليزيل دم الشهداء الذي طهر الارض و يرمي به في تصريف المياه . و لم يبقى من الضحايا سوى صور علقت على الجدران لا يحزن عليها احد و هي ترثي نفسها بالصمت . بعد ان اقسم ان لا يرسم حتى يعود الربيع ليزين الاجواء ... او يفيق الناس من غفلتهم فيتذكروا ان عليهم ان يغضبوا ولو ليوم واحد فقط ... و ياخذوا حقوق الدماء التي سالت على الارض بلا سبب .....
القصة عن حادثة تفجير صلاة الجمعة
التعليقات (0)