الله ، الوطن ، الدكتاتور ..
شعار يصادفك كلما زرت بلدا يحكمه نظام دكتاتوري عربي ، وكل ما يفرق في هذا الشعار بين بلد ، وبلد آخر هو الكلمة الأخيرة .
مرة تكون هذه الكلمة هي الملك ، ومرات تكون الرئيس ، الأمير ، السلطان ، ولكن لاشيء يفرق في النهاية ، فكلها تعني أن الدكتاتور هو الوطن ، والوطن هو الدكتاتور .
في دول الدكتاتوريات العربية ، الدستور هو دفتر ملاحظات الحاكم ، يرفع منه ما يشاء وقت ما يشاء ، ويغير فيه ما يشاء ، عندما يشاء ، وفقا للظروف الآنية في الداخل والخارج ، ووفقا للتجارب السابقة اللتي فشلت بعد أن أقحم الدولة بكاملها فيها ، حيث دائما ما يكون السبب في هذا الفشل هو أي أحد ألا الدكتاتور نفسه .
ومؤسسات الدولة هي أقطاعيات خاصة للدكتاتور ، ولعائلته وللمنتفعين من نظامه .
وهي أيضاً أدوات مسخرة لتنفيذ رؤيته الشخصية للدولة وللأقتصاد وللمجتمع ، حيث يكون على الشعب من وزيره الى غفيره أن ينتظر ما يتفوه به الدكتاتور ليكيف المجتمع قوانينه وأحكامه ومشاريعه الاقتصادية والتنموية والتعليمية والصحية وفق خطابه الأخير ، وتعديل كل سياسات الدولة السابقة واللتي بنيت على أساس ما ورد في خطابه قبل الأخير !.
والنتيجة في النهاية هي واحدة ، لذلك ترى جميع الدول الدكتاتورية العربية تشترك في الكثير من الخواص ، فهي دول هلامية ، ملامحها باهتة ، متغيرة الشكل والاتجاه واللون بحسب الظروف والوقت .
لذا علينا أن نتصور كم من الوقت والجهد يلزم الشعوب اللتي تخلصت من دكتاتوريتها لأعادة ما خربته هذه الدكتاتوريات الى الوضع الطبيعي للدول المتحضرة ؟.
بن علي "ومن قبله" فعل بتونس خلال عقود من الزمن كل ما تفعله الدكتاتوريات الفاسدة ببلدانها على مر التأريخ ، حيث طوع تونس بالحديد والنار ، حتى أصبحت تونس هي بن علي ، وبن علي هو تونس .
وما أن فر هذا الدكتاتور من قبضة الشعب الغاضب ، حتى تبين السبب اللذي دفع البوعزيزي لأن يجعل من لحمه وقوداً للشرارة اللتي أشعلت الثورة .
المليارت تذهب لجيوبه وجيوب أهله . مؤسسات الدولة عبارة عن بؤر لعصابات سرقة المال العام .
حياة سياسية بلون واحد حولت المجتمع الى عبد للحزب الحاكم ، حيث أصبحت كلمات مثل الحرية والعدالة والديموقراطية والمعارضة البرلمانية وحقوق الأنسان ،لا تعني ألا شيئاً واحداً ، هو الموت تحت التعذيب داخل معتقلات الرعب .
بعد كل هذا الخراب اللذي جره بن علي على تونس وشعبها ، خرج علينا محاميه بالأمس لينقل لنا بعد صمت طويل شماتته بتونس وأهلها ، فهو يعتبر محاكمته " ترجمة لعدالة منتصرين تستند الى اتهامات كاذبة ، وهي تهدف فقط إلى تحويل انظار التونسيين عن الاضطرابات التي تشهدها البلاد .
نسي بن علي أن هذه الأضطرابات هي نتيجة حتمية للخراب اللذي جره على بلده ، وأن تونس تحتاج الى عقود لتبني ماخربه خلال العقدين اللذين حكم خلالهما ، وأن التهديم سهل ، والبناء أصعب بكثير .
نسي بأن الجراح اللتي زرعها في نفوس التونسيين تحتاج الى سنوات وسنوات لتندمل .
نسي بأن الناس بحاجة الى أن تلتقط أنفاسها ، لأن تستعيد ذاكرتها اللتي محاها ظلمه ، وخربتها جرائمه وخسته .
نسي كل هذا وتذكر بأنه التونسي الأوحد اللذي لولاه لن تستطيع تونس أن تعيش ، وهو الوحيد اللذي يستحق أن يقترن أسمه بالله وبالوطن في تونس كلها .
ألا تصمت أيها الكتاتور القبيح ؟....
التعليقات (0)